نقابة العمال العرب في النّاصرة أوّل تجربة نقابية فلسطينية بعد النّكبة

أدت النكبة الفلسطينية إلى الانهيار الكامل للمؤسسات والنّقابات العماليّة الفلسطينيّة، وإذا كنا نتحدث عن الجانب النّقابي فإنَّ الحدث المهم للحركة العماليّة الفلسطينيّة هو انعقاد مؤتمر العمال العرب الأوّل الّذي عُقد في حيفا يوم 11 كانون الثّاني من عام 1930، وهو المؤتمر الّذي نظمه عمال سكة الحديد في حيفا وجمعية العمال العربيّة الفلسطينيّة الّتي تأسست في حيفا عام 1925، التي كان يرأسها آنذاك عامل سكة الحديد عبدالحميد حيمور. وعلى الرّغم من أنَّ الحركة العماليّة الفلسطينيّة اتخذت من مدينة حيفا مقرًا لها، كان لها الدّور الهام والفعّال في العمل الوطنيّ الفلسطينيّ في مقاومة الانتداب البريطانيّ، والتّصدي للهجرة اليهوديّة إلى فلسطين والدّور البارز في الاضراب والثورة عام 1936، فإنَّ الحركة النّقابية تعرضت للهجوم والضّربات من منظمة العمال اليهوديّة ""الهستدروت"" الّتي كان لها دورًا بارزًا في بناء مؤسسات الدّولة الصّهيونية ودعم الهجرة الصّهيونية إلى فلسطين، ومع الإعلان عن قيام الدّولة العبرية عام 1948 تكون الحركة العمالية قد شهدت بدايات الانهيار الكامل كغيرها من باقي المؤسسات والجمعيات في فلسطين.

من المهم الإشارة إلى أنَّ الحركة النّقابية الفلسطينية قبل وبعد النّكبة قد تأثرت من الجدل أو الخلافات والانقسامات الّتي سادت الأوساط والحركات الوطنيّة الفلسطينيّة وخصوصًا فيما يتعلق بمسألة قرار التّقسيم والخلافات الّتي دارت آنذاك بين القوميين والشيوعيين من جهة، وأيضًا الانشقاق في الحزب الشّيوعي وتأسيس عصبة التّحرر الوطني الّتي انشقت عن الحزب الشّيوعي من جهة أخرى. نحن نذكر هذه المسألة لأنَّ الحزب الشّيوعي (ميكي) كان قد اندمج في نقابة العمال الإسرائيليّة ""الهستدروت"" عام 1956 ونادى العمال العرب بالانضمام إليها كنقابة عمال يهوديّة، ولم تكن هناك أية مبادرة لتأسيس تنظيم عمالي عربي مستقل بعيدًا عن نقابة العمال الإسرائيليّة.

تأسيس نقابة العمال العرب في الناصرة

في أكتوبر عام 2000 اندلعت الانتفاضة الفلسطينيّة الثّانية وخلالها اندلعت مظاهرات ومواجهات عنيفة مع الشّرطة الإسرائيليّة في القرى والبلدات العربيّة في مناطق ال48، أدت هذه المواجهات إلى سقوط 13 شهيدًا وعشرات الجرحى والمعتقلين.

خلال هذه الانتفاضة تعرض العشرات من العمال العرب إلى اعتداءات متكرّرة في مواقع عملهم من قبل المستوطنين الإسرائيليين، إضافة إلى ذلك تم فصل أكثر من 300 عامل عربي من مواقع العمل في المدن الإسرائيلية وخاصةً العمال في الفنادق والمطاعم إضافة إلى الاعتداء عليهم مثل: (شبكة مطاعم افازي في نتانيا والمطاعم في طبريا).

الاعتداءات على العمال العرب وفصلهم من مكان العمل وغياب أي إطار نقابي يساندهم ويدعمهم وخاصةً على الصّعيد القانوني، كان العامل أو الحافز لتشكيل نقابة العمال العرب (صوت العامل)، الّتي بادر إلى تأسيسها مجموعة من الشّبان والشابات الوطنيين الذين أدركوا الحاجة الماسة لتأسيس إطار نقابي فلسطيني مستقل بعيدًا عن نقابة ""الهستدروت"" الإسرائيليّة، نقابة ترعى وتهتم بهموم وقضايا الطبقة العاملة الفلسطينيّة في مناطق ال 48.

ومن هنا كانت البداية، بدون امكانيات مادية وبدون مكتب، بدأنا بتسجيل النقابة لدى السّلطات الإسرائيلية كنقابه تدافع عن حقوق العمال الفلسطينيين في الدّاخل الفلسطيني، استطاعت النّقابة تجنيد عدد من المحامين للدفاع عن حقوق العمال العرب الذين فصلوا من أماكن عملهم، أو العمال الذين تعرضوا للاعتداء في أماكن عملهم من قبل المستوطنين الإسرائيليين، وفي هذا السّياق استطاعت النّقابة عبر محاكم العمل الإسرائيليّة إعادة العمال العرب إلى مواقع عملهم والطّلب بتعويض العمال الذين تعرضوا للاعتداء من قبل المستوطنين الإسرائيليين، ومن هنا بدأت النّقابة بترسيخ وجودها في صفوف الطبقة العاملة الفلسطينيّة في الدّاخل الفلسطيني من خلال الدّفاع عن حقوقهم العمالية النّقابية سواء عمال أفراد أو مجموعات من العمال، إضافة إلى ذلك فإن نقابة العمال العرب وضعت صوب أعينها تنظيم العمال العرب في مواقع العمل وذلك نظرًا للاستغلال البشع الّذي يتعرضون له.

نشاطات النقابة

منذ تأسيسها نشطت النّقابة من خلال طاقم محامين للدفاع عن حقوق العمال العرب وتمثيلهم القانوني أمام محاكم العمل الإسرائيلية ضد المشغلين الذين انتهكوا حقوقهم.

في مجالٍ أخر كان لنقابة العمال الدّور البارز في الكثير من النّشاطات القانونيّة وأيضًا الجماهيرية في تمثيل وتنظيم العمال من أجل انتزاع حقوقهم في مخصصات البطالة، وضمان الدّخل واصابات العمل أمام مؤسسة التأمين الوطني ومصلحة الاستخدام الإسرائيلية. في هذا السّياق نذكر أبرز ما قامت به النقابة من خلال العمل القانوني مع مركز عدالة لإلغاء القانون الجائر لمؤسسة التأمين الوطني، الذي يحرم العاطلين عن العمل من مخصصات ضمان الدّخل بحجة ملكيتهم لسيارة أو حتى لأنهم يقودون سيارة ليست بملكيتهم، ويعتبر إلغاء هذا القانون من أهم إنجازات النقابة، خاصةً أنه حرم المئات من العائلات العربيّة من الحصول على مستحقات ضمان الدّخل.

الدّفاع عن عمال غزة

منذ أن قرّرت السّلطات الإسرائيلية الانفصال عن قطاع غزة عام 2005، وجد الآلاف من العمال الفلسطينيين أنفسهم دون عمل، وبين ليلة وضحاها فقدوا حقوقهم وتعويضاتهم الاجتماعية لدى المشغلين الإسرائيليين، والحديث هنا يدور عن العمال الذين عملوا في إسرائيل بتصاريح، أو أولئك العمال والعاملات الذين عملوا في المنطقة الصّناعي "" ايرز"" دون تصاريح.

في هذا السّياق نذكر أن نقابتنا قامت بتمثيل ورفع قضايا جماعية باسم العمال إلى محكمة العمل اللوائية في بئر السّبع واسترجعت من المشغلين الإسرائيليين أكثر من 3 مليون شيكل كحقوق عمالية وتعويضات للعمال والعاملات من قطاع غزة.

النّضال ضد مخطّط ""ويسكونسين"" الحكومي

منذ عام 2005 خاضت نقابة العمال العرب نضالًا جبارًا ضد مخطًط ""ويسكونسين"" الحكومي، وهو مشروع يدعي تشغيل العمال العرب لكن على أرض الواقع هو مشروع أدارته شركات أجنبية وإسرائيلية بهدف الرّبح من خلال قطع مخصصات ضمان الدّخل للعاطلين عن العمل في مدينة النّاصرة، وقد اتخذ ضد مخطّط ""ويسكونسين"" نضالًا شعبيًا عارمًا تخلّله المظاهرات والاعتصامات في الشّوارع وأمام الكنيست، إضافة إلى النّشاط القانوني ضد هذا المخطّط الشّرس الّذي ضرب بضراوة آلاف العائلات العربية في الناصرة التي تعتاش على مخصصات ضمان الدّخل.

هذا النّضال الدؤوب الذي خاضته النّقابة أسفر في نهاية الأمر عن اسقاط مخطّط ""ويسكونسين"" وبذلك منعنًا لتمدّده وانتقاله إلى القرى العربيّة المجاورة.

العلاقات الدّولية

استطاعت النقابة على مدى سنوات من النشاط أن تحظى بتأييد ودعم النقابات الدّولية التي أقرت واعترفت بحق التّمثيل والتّنظيم النّقابي للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، ومن أبرز وأهم هذه النقابات: نقابات العمال في فرنسا، وبريطانيا، وبلجيكا، وجنوب إفريقيا والجزائر، إضافةً إلى الاعتراف الدّولي لمنظمة العمل الدّوليّة في جنيف بنقابة العمال العرب في النّاصرة كنقابه عماليّة فلسطينيّة مستقلة.

لا تزال نقابة العمال العرب حتى اليوم تواصل نشاطها الدؤوب، وخاصةً على صعيد تنظيم العمال العرب في أماكن العمل.

وهبة بدارنة

المستشار القانوني لنقابة العمال العرب في الناصرة

شاركونا رأيكن.م