الإغاثة 48: محطات وتحولات على درب العمل الخيريّ
لا يمكن الحديث عن جمعية الإغاثة 48 دون العودة إلى نقطة انطلاقها، فالجمعية التي حملت اسم ""الجمعية الإسلامية لإغاثة الأيتام والمحتاجين"" عند إقامتها عام 1991م على يد الشّيخ المرحوم ""عبد الله نمر درويش"" مؤسس الحركة الإسلامية آنذاك، كانت استجابة لظروف مئات الأسر الفلسطينية الّتي استشهد أو أصيب معيلوها بعد الانتفاضة الأولى، إذ طلب الشيخ ""دوريش"" من لجنة زكاة نابلس بيانات هذه الأسر لتأمين من يكفلها في الدّاخل الفلسطيني، وافتتحت مكاتب الجمعية في كلّ محافظات الضّفة الغربية وقطاع غزة لتسجيل الأيتام والمحتاجين، فشكلت الإغاثة جسرًا يصل بينهم وبين أهلنا في الدّاخل الفلسطينيّ حيث تواجد مندوبوها للحث على الكفالة.
ولطالما كان التّعاون والتّواصل الأخوي مؤكدًا على التحام الشّعب الفلسطينيّ في كلّ مكان مهما ضاقت به السّبل، فقد هبّ أهل الخير والمحسنون في الدّاخل الفلسطينيّ لمساعدة إخوانهم في الضفة وغزة، بكفالة عائلاتهم أو تقديم ما تيسّر من مساعدات مادية ومعنوية لهم لتيسير ظروفهم، امتثالًا لقوله تعالى ""وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا""، فازدهر برنامج كفالة اليتيم، الذي كان حجر الأساس في مشاريع الإغاثة، ممثلًا حلقة وصل موثوقة بين عائلات الأيتام وبين المحسنين ممن يودون إيصال المساعدات إليهم، أو كفالة أطفالهم.
وبذلك متنت الإغاثة دعامتها الأولى والأهم ألا وهي ثقة المتصدقين الذين باتوا يقصدونها للتبرع والكفالة للفقراء والأيتام والمحتاجين، وشيئًا فشيئًا طورت الجمعية ذاتها واستحدثت كفالات شملت فئات جديدة، كطلاب العلم والحالات المرضيّة المستعصية، والحالات الاجتماعية الصعبة وغيرها من الفئات التي وجدت في الجمعية ملجأً وملاذًا يهوّن عليهم ضوائقهم المادية، وقد اعتمدت الجمعية مؤخرًا اسم ""الإغاثة 48"" رديفًا للمسمى السّابق.
بلغت الإغاثة 48 درجة عالية من الوصول لكل من المحسنين والمستفيدين، ووجدت نفسها أمام مسؤولية مضاعفة تجاه المجتمع، ما دفعها لتطوير برامجها وأدائها عبر إطلاق سلسلة مشاريع موسميّة ترمي لتقديم مساعدات عينية متنوعة للعائلات المحتاجة، وما كان لذلك أن يسير بدقة لولا جهود طواقم الإغاثة 48 في مكتبها الرئيسيّ بكفرقاسم، وبقية مكاتبها الموزعة في محافظات الضّفة الغربيّة وغزة، بالإضافة للطواقم العاملة في مخيمات اللاجئين والمناطق الفقيرة والمنكوبة بالعالم.
إذ تنفذ الجمعية إلى جانب برنامج الكفالة أكثر من 8 مشاريع كبيرة على مدار العام، تتضمن سلسلة متنوعة من المساعدات لذوي الأيتام والمحتاجين في كلٍّ من الدّاخل الفلسطينيّ والضّفة وغزة ومخيمات النازحين في الشّمال السّوري والجنوب التركيّ، كحملة فاعل خير للمساعدات الشتوية، والحقائب المدرسيّة، ومشاريع رمضان الخير، وكسوة عيد، وأضاحي الخير، والذّبائح والعقائق والنّذور، والمليون رغيف، والمساعدات الطبيّة، وصدقة جارية، بتشييد الآبار والجوامع في القرى الإفريقية النائيّة الّتي تعاني الجفاف وتلوث المياه.
إلى جانب ما سبق تنفذ الإغاثة 48 سنويًا مشاريع ""المساعدات الطارئة"" للمناطق المنكوبة جراء الكوارث الطبيعية والبشريّة، كجائحة كورونا أو انفجار بيروت أو فيضانات السّودان وحرائق الجليل وغيرها، بالإضافة لدعم صمود ورباط الأهل في القرى البدوية غير المعترف فيها بالنّقب. غير أنَّ مشاريع الإغاثة 48 لا تقتصر فقط على المشاريع الموسميّة والطارئة، إذ اتجهت مؤخرًا إلى تنفيذ مشاريع ""التّمكين"" الّتي تهدف إلى تحسين حياة الأسر الفقيرة على المدى البعيد، عبر ترميم المنازل أو التّدريب المهني أو المساهمة في إنشاء المشاريع الصّغيرة لإعالتهم عبر تزويدهم برأس المال أو المواد الخام.
ويأتي هذا التوجه إثر اعتماد الإغاثة حديثًا مبدأ التّخطيط الاستراتيجي المتقدم، بوضع خطّط استراتيجية ثلاثية، تتضمن أنماط مساعدات جديدة، وترسم تصورًا عامًا لطبيعة المشاريع وتنفيذها خلال فترة محددة، مع وضع هامش واسع للتعامل مع المستجدات والطوارئ، وقد تميزت استراتيجيتها على مدار السّنوات الثّلاث الأخيرة بزيادة حجم المشاريع وتوسع رقعتها الجغرافية، وخلق شراكات فاعلة مع الهيئات الرّسمية والمؤسسات الخيريّة الفلسطينيّة والعربيّة والدّولية، كأحد أهداف التّنمية المستدامة.
تدار جمعية الإغاثة 48 من قبل مجلس إدارة ترأسه منذ تأسيسه الدكتور إبراهيم العمور وبإدارة الشيخ نائل عيسى وبعد خدمة دامت 20 عاماً يكمل مسيرة العطاء اليوم الدكتور علي الكتناني رئيس الجمعية ويقوم مديرها العام الأستاذ غازي عيسى على متابعة عملها التّنفيذي وكافة مشاريع الجمعية وإدارة الطواقم والمتطوعين، ولدى الجمعية 5 مكاتب في الدّاخل الفلسطيني و7 مكاتب في كافة محافظات الضّفة الغربية ومكتبين في قطاع غزة.
فالتزام الإغاثة 48 بالمعايير الإنسانية الأساسيّة بشأن الجودة والمساءلة، وانضمامها للمجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة ولاحقًا لبورتال الأمم المتحدة، زاد من أهميّة إبراز طابع التّنمية المستدامة في أنشطتها الخيريّة، كالقضاء على الفقر والجوع، وتحقيق الصّحة والرّفاه والتّعليم الجيّد، وتوفير المياه النّظيفة والنظافة الصحية، تبعًا للمشاريع التي نفذتها في مختلف مناطق تواجدها داخل البلاد وخارجها، كالأردن والسّودان ولبنان، وسورية وتركيا (للاجئين) ودول إفريقيا وغيرها.
وبطبيعة الحال فإن الإغاثة 48 واجهت منذ انطلاقها عقبات نتيجة العمل في ظروف سياسية معقدة بفعل عراقيل السّلطات الاسرائيلية إزاءها، إلّا أنها استطاعت مع الوقت التكيّف أو التأقلم بطرق مختلفة مع هذه السّياسات. وقد برزت خلال الفترة الماضية تحدياتٍ كبيرة وعلى رأسها جائحة كورونا وتدهور الأوضاع الاقتصادية الّتي أثرت على تدفق التّبرعات وحجمها، خاصة في ظل إزدياد أعداد طالبي الدّعم، لكنها نجحت أخيرًا بتوفير المعونة ليس فقط للأهل في الضّفة وغزة والخارج، بل ضاعفت معوناتها لقطاع واسع من الأهل المتضررين في الدّاخل الفلسطينيّ.
كما أنَّ ذات الظّروف ضخّمت معضلة إقناع المتبرعين بالمساهمة في مشاريع ""التمكين"" بدلًا من المشاريع التّقليدية التي اعتادوا عليها، لكن العمل في الجمعية مستمرٌ لتدعيم هذه المشاريع وتنميتها. وبالمقابل فإنَّ الإغاثة 48 تتطلع إلى تكثيف مشاريعها التّقليدية والتّمكينية لمحتاجيها في الدّاخل الفلسطيني، وتعزيز مساعداتها للتجمعات البدوية غير المعترف بها في النقب، في الوقت الذي تلمس فيه الجمعية بفضل الله أثرًا وقربًا وتفاعلًا من هذه الفئات بالدّاخل الفلسطيني، ويعينها في ذلك زخم إعلاميٌ مدروس يظهر أنشطتها على مختلف منصاتها الإلكترونية ومختلف الوسائل الإعلاميّة.