النقابات العمالية وأهميتها في العمل لمساواة حقوق النساء
ما هي النّقابة العمالية وما أهميتها؟
تعد الحركة النّقابية والعمالية من الحركات المساهمة بشكل كبير في تأسيس وتشكيل منظور تحرري حقوقي يرتبط بالعدالة والحرية الاجتماعية والوطنية، والحق في تقرير المصير.
على امتداد التاريخ لعبت الحركة النقابية والعمالية دورًا أساسيًا على الصّعيد الوطني والتحرّري من الاستعمار، وعلى صعيد تنظيم الحركة العمالية وبناء نقابات عمالية ومهنية تساهم في حركة الحقوق والعدالة الاجتماعية للطبقة العمالية والطبقة المهنية مثل: نقابة المهندسين والأطباء والمحامين والمعلمين.
حرية التّنظيم هي إحدى الحقوق المدنية في الدّول الديموقراطية، التي تعبّر عن حق كل شخص بالانضمام أو إنشاء منظمة أو نقابة والعمل من خلالها للمطالبة واستنفاذ الحقوق. فالغرض من النقابات العمالية هو حماية حقوق العمال من خلال إجراء مفاوضات جماعية، وإبرام اتفاقيات عمل مع أرباب العمل. النقابة العمالية هي في الواقع الأداة الأكثر فعالية لحماية حقوق العمال، فهي طريقة مشتركة ومستقلة تعمل على تكاتف العمال لإنفاذ الحقوق الجمعية.
تختلف النّقابات العمالية منها عن المهنيّة من حيث التّأسيس والعضوية وشؤونها، كما وتختلف بالتشكيل النقابي والأهداف الوظيفية، فيرتكز عمل النّقابات المهنية على تنظيم المهنة القائمة عليها ودورها في المجتمع، وتمثل مرجعًا استشاريًا في مجال عملها، كما أن بعضها يؤمن لمنتسبيها نظم تقاعد ومعاشات وخدمات أخرى.
أما نقابة العمال هدفها الأساسيّ حماية حقوق العاملين وتحسين شروط وظروف العمل، كالإجازات والمكافآت وتوفير بيئة عمل آمنة. تعمل النقابة العمالية على تمثيل منتسبيها في مفاوضات واتفاقيات مع أرباب العمل، تنظم الإضرابات وتوفير خدمات العمال ومساندة المنتسبين في تسديد حقوقهم.
فتؤكد الدراسات أنَّ الشّركات التي بها حركة نقابية فاعلة لها نطاق حقوق أوسع ب %30 من الشّركات والمؤسسات التي ليس بها نقابة.
تاريخ النقابة العمالية في فلسطين
لم تكن فلسطين غريبة عن التّمثيل النّقابي العمالي، فكانت ""نقابة عمال السكّك الحديدية"" أولى النّقابات العمالية آن ذاك، وكانت تجمع العمال العرب واليهود، إلى أن انفصلت هذه النقابة بعد ارتباط العمال اليهود بالحركة الصّهيونية التي نادت بتوسيع الاستيطان في فلسطين، ما أدى إلى نشوب خلافات عديدة وتأسيس العرب ""جمعية (حركة)العمال العربية الفلسطينية"" في حيفا في أوائل ال 20 من القرن الماضي. عقدت الحركة مؤتمرها العالمي العربي الأوّل عام 1930. دارت خلال المؤتمرات نقاشات عدة يتضمنها نقاش حول رفع الأجور، تحديد ساعات العمل ل 8 ساعات وإعطاء تعويضات للمرضى. من مستخرجات المؤتمر كان 30 قرارًا، 9 منهم كانت قرارات تتعلق بأمور سياسية، ومن بينها كان الاعتراف بأهمية الإضراب عند الضرورة، أما القرارات السّياسية فكانت المطالبة باستقلال فلسطين، والمطالبة بتطبيق نظام خاص للمعتقلين السياسيين، ومعارضة الغرامات الجماعية الّتي فرضتها الحكومة البريطانية على القرى العربية إبان الثّورة عام 1929.
في ذات الأوان نشأت الحركات النّسائية في فلسطين الّتي كانت لديها مطالب مشابهة جمعية (حركة)العمال العربيّة الفلسطينيّة من حيث التوجه السّياسي، وعملت على توفير فرص عمل للنساء ورفع من مستوى معيشتهن، وتوفير فرص تعليمية لهن. إذ عملت الحركات النّسائية في جميع أنحاء فلسطين وكانت تجتمع في مقر الحركة الوطني في القدس.
واجهت الحركة الّنقابية الفلسطينية مشكلة عدم حماية القانون للعمال العرب، فكانت أجورهم أقل بكثير من زملائهم اليهود، وذلك نتيجة سياسات رأسماليين يهود وصهاينة. كما ومنعت هيئات صهيونية رسمية تشغيل العرب وتبنت ""الهستدروت"" أو الاتحاد العام للعمال في إسرائيل سياسات منع العمالة العربية، وأطلقت حاملاتها ضد مواقع البناء الحكومية، مطالبةً بنصيب أكبر من العمالة للعمال اليهود، وسياسات من شأنها الضر في العمال العرب.
رغم المضايقات استمرت حركة العمال العربيّة الفلسطينية في عملها، وساهمت بدور كبير في تطوير العمل النّقابي العمالي في حقبة الثلاثينيات وحتى عام 1948، وأصبحت عضوًا في الحركة النّقابية العمالية العالمية ممثلة لفلسطين. في أوائل الأربعينات من القرن الماضي وحتى 1948 تلقت الحركة النقابية ضررًا كبيرًا بسبب سياسات التّهجير القسري للعمال العرب والنّقابيين إلى دول المهجر واللجوء، وتدمير البنية التحتية والاقتصادية للمؤسسات الفلسطينية.
منذ ذلك الحين تعاني الحركة العماليّة العربيّة على امتداد خارطة فلسطين التّاريخية من شرذمة وصعوبة في التّنظيم. وذلك بسبب سياسات التّفقير وضرب الأمان والتمكين الاقتصادي، إضافة لتأثير التمثيل السيّاسي على عمل النقابات وانعدام شفافية العمل وغياب الديموقراطية فيها، فالأبحاث تشير إلى الانتخابات للنقابات العمالية والمهنية في كل من الضّفة وقطاع غزة تكاد تنعدم، وتنعقد بشكل صوري فقط في الكثير من النّقابات، أو عند الضرورة القصوى بأخرى.
أما في الدّاخل الفلسطيني فينتمي معظم العمال والعاملات العرب للنقابات الإسرائيلية.
وضع العمالة العربيّة في إسرائيل
بحسب معطيات ""المسح الاجتماعي لعام 2012"" لدائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل فقط %27 من العمال في إسرائيل ينتمون لنقابة عمالية معينة. بحسب هذه المعطيات فالانتساب للنقابة العمالية تتأثر بشكل كبير في الطّبقة والفئة العمرية; فقط %11 من الذين يتقاضوا راتبًا حتى 5000 شيقل شهريًا ينتمون لنقابة. بينما الذين مستوى دخلهم ما بين ال 7500– 14000 شيقل شهريًا فنسبة انتسابهم لنقابة العمالية هي الأكبر وتصل ال %38، أما الذين يتقاضوا أكثر من 14000 شيقل شهريًا، فنسبة انتمائهم تصل حتى %35.
كما أشارت معطيات العمل أن فقط %2.27 من السّكان العاملين ما بين ال 20 وما فوق توجد نقابة عمال في مكان عملهم وأن الانتماء للنقابة عند البالغين ما بين 50-64 أعلى ب 4 أضعاف من زملائهم البالغين 22-29 عامًا.
نسبة الفلسطينيين سكان إسرائيل التابعين لنقابة عمال تقف على %20; حيث تشكل نسبة انتساب النساء الفلسطينيات %29، بينما زملائهن الرّجال تصل نسبتهم ل %16. تعود هذه النّسب المتدنية لوضع الفلسطينيين الاقتصادي والاجتماعي السّيء، حيث تعيش %54 من العائلات الفلسطينية في إسرائيل تحت خط الفقر، في حين يصل معدل الفقر في الدّولة إلى %20.
تزداد الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين الفلسطينيين مواطني الدولة واليهود فيها، حيث تشير المعطيات أن مشاركة المواطنين الفلسطينيين تصل الى حوالي %40.8 من القوى العاملة في إسرائيل مقابل %60.7 في المجتمع اليهودي، وتزداد هذه الفجوة بسبب عدم مشاركة النّساء في سوق العمل. فعدى عن المشاركة المتدنية للنساء العربيات في سوق العمل الّتي تصل الـى حوالي 20%، تشير الابحاث المختلفة إلى أن النساء العربيات يشغلن مناصب عدة بوظائف جزئية، مما يحد من مدخولهن ويمنعهن من التّطور المهني والارتقاء في السلم الاقتصادي، مما يؤدي الى اتساع الفجوات في معدل متوسط الدّخل للفرد في المجتمع الفلسطيني مقارنة بالمجتمع اليهودي بحيث يكسب العامل اليهودي أكثر ب %28 من قرينه العربي.
إضافة لذلك، تعمل العديد من النّساء بوظائف شاقة عن طريق مشغّل خارجي أو شركات مقاولة، الّتي تقلّص من حقوقهن كعاملات، وفي مقابلات أجريتها لغرض بحثي مع عاملات في القطاع الزّراعي في النقب أشارت النّساء أنهن يتقاضين أقل من الحد الأدنى للأجور، كما وتدفع النّساء للمقاول أو السّائق الّذي يقلها للعمل في ساعات الفجر أجرًا يضاهي ربع أجرها اليومي.
تعاني نساء يعملن في قطاعات أخرى من معاملة مشابهة من قبل المقاولين أو المشغلين، مثل: عاملات النّظافة ومساعدات الرّياض وخاصةً اللاتي يعملن في الرّياض الأهلية (المعترفة غير الرسمية). فهذه الشريحة من النّساء لا يحصلن على مستحقاتهن بشكل كامل، يتم إقالتهن بشكل تعسّفي من قبل المشغلّين، ومن الصّعب عليهن التّنظيم في النقابة. بينما تعتبر الحاضنات جزءًا من جهاز التّربية والتّعليم، إلا أنّ المساعدات لا يحظين بمثل المعاملة أو درجة الحقوق، وفي الكثير من المؤسسات الأهليّة يتم إقالتهن بالعطل الصّيفية حتى لا تحسب لهن مدة عمل متواصلة، وأخريات يتم توظيفهن عن طريق البلدية يعملن بظروف غير ثابتة، ومنهن الّتي تعمل كبديلة لمساعدة لا تحظى بأيام أو ساعات عمل محدّد خلال الشهر، وفي أشهر أخرى لا يعملن إطلاقًا. تعتبر الحضانات المعترفة غير الرّسمية من المؤسسات التّربوية شائعة الانتشار في المجتمع الفلسطيني في الدّاخل. وتشير معطيات الكنيست أنه في العام الدّراسي 2014- 2015 كانت هناك 879 حضانة معترفة غير رسمية التي أوت 90131 تلميذًا عربيًا. وفي عام 2015 انتسب لهذا النوع من الحضانات حوالي %32 من مجمل التلاميذ العرب في التّعليم العربي ما قبل الابتدائي.
عدم إتاحة التّنظيم لهذه الشّريحة من العاملات يساهم في المس بحقوقهن الأساسية. فتحرم النساء في الغالب من أبسط حقوقهن، سواء في التأمين الصّحي أو القضايا الأخرى، وهن معرضات في أية لحظة للفصل، أو الحرمان من العمل عند الإصابة. كما أنهن أكثر عرضة للاستغلال نتيجة بيئة وظروف العمل الّتي يعملن بها، أو نتيجة عدم معرفة ما هو العنوان للتوجهات في المؤسسة لمعالجة هذه القضايا أو طلب الحماية.
تشير الأبحاث المختلفة أنَّ معدل انتساب النّساء لنقابات عمالية أقل من الرّجال على المستوى الدولي، وذلك له مسببات مختلفة منها عدم المعرفة عن وجود إمكانية كذلك، أو الظّن أنه لا يحق لهن بالتّنظيم، والخوف من خسارة مكان العمل. تعمل مؤسسات حقوقيّة مثل جمعية ""إيتاخ- معك"" حقوقيات من أجل عدالة اجتماعية، على مساندة النّساء ومساعدتهن في التّنظيم ونيل حقوقهن. ساندت الجمعية منذ مطلع العشريّة الأولى من سنوات ال 2000 مطالب مساعدات الحاضنات في المؤسسات الرّسمية والمعترفة في التنظيم وتأسيس نقابة عمالية، و من أجل تسوية حقوقهن بزميلاتهن الحاضنات. وتمثل الجمعية اليوم نقابة مساعدات الحاضنات القطرية. لكن العمل لمساعدة جميع الفئات ما يزال طويلًا ويستلزم جهودًا عديدة من مؤسسات مختلفة.
لا شك أن السّياسات الاستعمارية والرّأسمالية تقوم باتباع سياسة التّخويف والإفقار الّتي من شأنها أن تساهم في ردع النّساء من التّنظيم. وبغياب تنظيم عمالي له بوصلة سياسيّة واقتصاديّة واضحة، تبقى شرائح عمال مثل النّساء الفلسطينيات، فقيرة ترضى بظروف تشغيل صعبة حتى تضمن لقمة عيش.
كاتبة المقال: شهرزاد عودة، باحثة مستقلة ومحامية مركزة خط الدعم في حيفا في جمعية إيتاخ معك- حقوقيات من أجل عدالة إجتماعية.
رقم خط الدعم: 1700505065.
(المقالة تعبر عن رأي الكاتبة، ولا تعبر عن رأي المؤسسة بالتحديد)
(ملاحظة: بشار الى ان الصورة المرفقة من موقع http://www.jerusalemgov.ps/ar_page.aspx?id=ZucPP0a486345783aZucPP0)"
شهرزاد عودة
باحثة مستقلة ومحامية مركزة خط الدعم في حيفا في جمعية إيتاخ معك- حقوقيات من أجل عدالة إجتماعية