ماذا بعد مؤتمر المناخ 2022?

تُشكّل أزمة المناخ اليوم التهديد الأكبر على الأمن الدولي واستقراره، لما تحمله التغييرات المناخية من تهديد على المسكن، والمأكل والمشرب وجميع المزايا الحياتية المهمة والأساسية للبشرية. تؤثر الأزمة المناخية على جميع مجتمعات ودول العالم، ولكن بدرجات مختلفة، إذ إن المجتمعات الهشّة والمستضعفة هي الأكثر عرضة وضررا جرّاء الأزمة. فقد كانت هذه النقطة، والمطالبة بتحقيق العدل المناخي، صلب مؤتمر قمة المناخ الأخير في مدينة شرم الشيخ المصرية، إذ طالبت الدول النامية، الأكثر ضررا من أزمة المناخ والأقل مساهمة فيها، من الدول المتقدمة أن تضاعف دعمها المالي وأن تقوم بدفع تعويضات على الخسائر والأضرار الناجمة عن أزمة المناخ.

المجتمع الفلسطيني في الداخل، بدوره كأقلية، هو أكثر عرضة وضررا لأزمة المناخ، الأمر الذي يستوجب بناء خطة استراتيجية لمواجهة الأزمة على عدة أصعدة، منها رفع الوعي المجتمعي لبناء حصانة مجتمعية، إدراج قضايا المناخ والبيئة على الأجندة السياسية، وتوظيف المنابر المهمة لإحداث التغييرات المجتمعيّة كمنبر الإعلام. ولكن، حين الحديث عن قضايا المناخ والبيئة في المجتمع الفلسطيني في الداخل، نواجه تحديات معقّدة نابعة عن الواقع المركّب الذي يعيش فيه الفلسطينيون، بحيث يعانون من قضايا حارقة كوباء العنف والجريمة المتفشّي، مشاكل الإسكان وغيرها من القضايا المرتبطة بشكل وثيق بالواقع السياسي. تبدو قضايا البيئة والمناخ، لوهلة، كقضايا ثانوية وأقل إلحاحا وآنية، إلا أن تلك القضايا حارقة وخطيرة وتهدد أمننا الشخصي والمجتمعي، ولا تقل أهميّة عن سائر القضايا اليومية.

سأركّز في هذا المقال على دور الإعلام المهم في صقل الرأي العام حول قضايا البيئة والمناخ، وأهمية توظيف تلك الوسائل لإحداث تغييرات مجتمعيّة منشودة، كما سأتطرّق إلى الرصد الذي قمنا به مؤخرا والذي يفحص كيفية تغطية الإعلام العربي في الداخل لمثل تلك القضايا وما هي الأهمية الإعلامية التي يمنحها.

يُعتبر الإعلام منصة مهمة للوصول إلى الجمهور وإلى متّخذي القرارات، فهي ذات قُدرة على صقل الرأي العام وتحديد أجنداته وأولوياته، وبالتالي التأثير على مُتّخذي القرار. تكمن قدرة الإعلام بالتأثير من خلال طريقة عرضه للأخبار وتأطيره للقضايا المختلفة، القيمة الإخبارية التي يمنحها، والتعمّق في القضايا وتحويلها إلى حديث اجتماعي في المجتمع. يُشكّل الإعلام، أيضا، مصدرا مهما للمعلومات لما يحدث من حولنا، ومن خلاله نقوم ببلورة آرائنا وتوجهاتنا تجاه مختلف القضايا، بما يتلاءم مع خلفيتنا الأيديولوجية. على سبيل المثال، التغطية الإعلامية لأزمة المناخ والاحتباس الحراري هي مهمة للغاية، إذ أن من خلال تلك المنصّة نصل إلى الحقائق العلمية بشكل سلس وملائم لثقافة وبيئة المجتمع، كما وأن من خلال الإعلام بإمكاننا الوصول إلى أصوات المهنيين والتعمّق أكثر بالقضايا المناخية وفهمها من مختلف الجوانب.

بالرغم من الأهمية الكبرى التي نوليها للإعلام ولدوره في التغطية المهنية لقضايا البيئة والمناخ، إلا أنّ الإعلام العربي في الداخل يمنح تلك القضايا قيمة إخبارية ثانوية، إلا إذا كان هنالك حدث كبير اجتذب الأنظار الإعلامية والسياسية، كقمة المناخ للأمم المتحدة، أو كارثة جرّاء أزمة المناخ مثل حرائق غابات الأمازون الماطرة، وانفصال مكعّب جليديّ وغيرها من الكوارث.

لفهم التعامل الإعلامي أكثر مع القضايا البيئية والمناخية قمنا بإجراء رصد صغير لعيّنة من وسائل الإعلام العربية في الداخل لفحص كيفية تغطية الإعلام لقضايا البيئة والمناخ. هذا الرصد، وهو الأول من نوعه في المجتمع العربي، لم يشمل كافة الوسائل الإعلامية، إنما وسيلة إعلامية واحدة من كل نوع (موقعين (واحد تجاري والآخر مسيّس)، قناة وراديو) وفقا لمعطيات نسبة المشاهدة. قمنا بتنفيذ الرصد على فترتين زمنيتين مختلفتين، الأولى خلال شهر تشرين الثاني من العام المنصرم بموازاة قمة المناخ في جلاسكو، والثانية خلال شهر كانون الثاني من العام الجاري، بعيدا عن أي حدث مناخي كبير. لن أعرض جميع النتائج، وإنما سأستوقف عند أهم الاستنتاجات التي برزت من الرصد والتي تعكس تعامل وسائل الإعلام في الداخل مع قضايا المناخ، وتعكس القيمة الإخبارية لمثل هذه القضايا.

تُشير النتائج إلى تغطية إعلامية متدنية لقضايا البيئة والمناخ، إذ إن وسائل الإعلام المرصودة هي متلقية في غالب الأحيان وغير مبادرة حين الحديث عن تلك المواضيع. بكلمات أخرى، يأتي التطرّق الإعلامي في سياق أحداث كبيرة، أي ردة فعل، ولا يبقي القضايا البيئية والمناخية على أجندته دون علاقة. إضافة إلى أن التغطية في الكثير من الأحيان هي سطحية، ولا تُشير إلى تعامل معمّق مع القضايا البيئية ولا تؤكد على أهمية الحفاظ على البيئة، لا تحث على اتخاذ خطوات فعلية ولا تشير إلى مدى إلحاح القضايا البيئية والمناخية. أما على صعيد ربط القضايا المناخية في السياق المحلي والتشديد على أن أزمة المناخ ستدق باب كل المجتمعات، ومجتمعنا من ضمنهم، فنرى أن التغطية غالبا ما تبقى بعيدة عن المجتمع الفلسطيني، وتبقى في مستواها السياسي الدولي وكأن أزمة المناخ هي قضية سياسية دولية تهم شريحة معيّنة ومحدّدة من المجتمع.

بالتأكيد إن العمل الصحفي في الداخل منوط بالعديد من التحديات، وهنالك عقبات ماثلة أمام الصحفيين، مثل قلّة الموارد، وعدم وجود صحفيين متخصصين في تلك المواضيع وقلّة المهنيين في المجال البيئي والمناخي. ولكن، وبالرغم من تلك المعيقات والتحديات، من المهم أن يبدأ الإعلام بتوظيف ما لديه من قدرات وإمكانيات لإدراج تلك المواضيع على الأجندة الإعلامية بشكل أكبر، والعمل على رفع الوعي المجتمعي وبالتالي التأثير على الأجندة السياسية. من جهة أخرى، لا يمكننا القول إن التغطية الإعلامية لقضايا البيئة والمناخ في الوسائل الإعلام العربية ليست بدالة تصاعدية، إنها بالتأكيد كذلك، ولكن ما زالت الطريق أمامنا طويلة للوصول إلى التغطية المنشودة كمًّا وكيفًا.

سأختتم هذا المقال بتقديم بعض النصائح لكل صحفي\ة ينوي\تنوي تغطية هذه القضايا. التغيير يبدأ مِن مَن يقوم بتوصيل الرسالة، أي الصحفي، فمن المهم أن يؤمن الصحفي بأهمية هذه المواضيع وأهمية رفع الوعي المجتمعي حولها، لكي يقدم أفضل ما لديه. من المهم، بداية، التحقق من المعلومات المنقولة حول التغيّرات المناخية خصوصا إذا كانت هذه المعلومات غير صادرة عن مؤتمر قمة المناخ للأمم المتحدة أو عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) أو أي منظمة رسمية تعنى بشؤون المناخ. من المهم التحقق من المعلومات إذ أن هنالك صناعة مموّلة لمعلومات مضلّلة حول أزمة المناخ، والتي تحاول التشكيك بحقيقة وجود الاحتباس الحراري وكونه نتيجة للنشاط البشري. من المهم البحث دائما عن شخصيات مهنية من المجال للتحاور معها، لكونها تُعطي للقضايا عمقًا إضافيا، وتمنح قضايا المناخ التأطير المستحق. أما على صعيد الفحوى، يجب الاعتماد على حقائق علمية، شرح أزمة المناخ وإبراز مساهمة النشاط البشري على الأزمة، والتشديد على الدور المجتمعي بكافة مرافئه (المجتمع، صنّاع القرار، وغيرهم) لمكافحة التغيّرات المناخية وتحسين الجهوزية.


كاتبة المقال: ديمة أبو العسل وهي مركزة إعلامية ومحتوى في جمعية "مواطنون من أجل البيئة".

ديمة أبو العسل

مركزة إعلامية ومحتوى في جمعية "مواطنون من أجل البيئة"

شاركونا رأيكن.م