قرى شمال الجولان
الجولان هو المنطقة الجنوبية الغربية من سورية، يحدها نهر الأردن وطبريا من الغرب ووادي الرقاد من الشرق، وتمتد من السفوح الجنوبية لجبل الشيخ في الشمال حتى نهر اليرموك والحمة في الجنوب. كان الجولان قبل حرب 1967 محافظة القنيطرة السورية بمساحة 1860 كم2، احتلت اسرائيل منه 1260 كم2 خلال الحرب. بعد اتفاق فصل القوات بين سورية وإسرائيل عام 1974، أعادت إسرائيل 60 كم2، بما فيها مدينة القنيطرة المهدمة، مع وضع منطقة فاصلة بين الدولتين شغلتها قوات الامم المتحدة. كما يخترق الجولان خط التابلاين الذي كان ينقل البترول من شرق السعودية إلى مصفاة صيدا.
يحاذي شمال هضية الجولان الحدود السورية اللبنانية كما يحاذي الحدود الفلسطينية قرب نهر اللدان من الغرب. على السفح الجنوبي الغربي لجبل الشيخ تقع ست قرى سورية بقي بسكانها فيها، بينما هجرت إسرائيل بقية سكان الجولان بعد احتلاله والبالغ عددهم ما يقارب 142 ألف نسمة. سنتحدث عن هذه القرى ابتداءً من الغرب إلى الشرق بشكل موجز، مع العلم أن جزءاً من سكان هذه القرى ما زال موجوداً في منطقة دمشق منذ احتلال الهضبة.
قرية الغجر
تقع إلى الشرق من الخالصة/كريات شمونة وشمالي "دان" في أعلى سهل الحولة وشرقي نهر الحاصباني على ارتفاع 320 م فوق سطح البحر. الاسم مأخوذ من الغجر الذين كانوا يسكنونها في الماضي. يسكنها الآن حوالي 2,770 نسمة، كانوا يزرعون الخضار والفول والحبوب ثم توسعوا إلى زراعة الأشجار المثمرة، كما يعملون في عدة مهن ووظائف. يمر غرب القرية وادي الوزاني وإلى الغرب منها تقع السفوح الغربية المنخفضة لجبل الشيخ. إلى الشرق من الغجر تقع قرية بانياس المهجرة وفيها نبع نهرها، وهو الرافد الثالث لنهر الأردن. كانت بانياس مدينة كبيرة وعاصمة للمنطقة أيام اليونان والرومان أخذت اسمها من اسم الإله بان إله المراعي والخصب آنذاك الذي يوجد له تمثال في مدخل مغارة النبع هناك.
قرية عين قنية
قرية قديمة وهي، مع سحيتا، من أقدم قرى شمال الجولان. اسمها من السريانية وتعني عين الأقنية لكثرة الينابيع فيها. تقع القرية على ارتفاع 750 م شمالي وادي سعار شرقي بانياس وتطل من الشرق على سهل الحولة. إلى الغرب منها تقع قلعة الصبيبة، التي تعرف شعبيا بقلعة النمرود، التي بناها الأيوبيون كمركز دفاعي ضد الصليبيين لتتحكم بالمدخل الغربي للطريق الموصل إلى دمشق. يسكن القرية 2,470 نسمة يعملون في زراعة الزيتون ومعاصره والحمضيات وحالياً الاشجار المثمرة كالمشمش والخوخ والكرز. إلى الشمال منها تقع قرية جباثا الزيت المهجرة التي اقيمت على ارضها مستوطنة "نفي أتيف"، مقابل عين قنية من الجنوب وجنوبي وادي سعار تقع قريتا عين فيت وزعورة المهجرتان، على طريق القنيطرة مرجعيون.
قرية مسعدة
الاسم من السعد أو السعادة، تقع على ارتفاع 950 م فوق سطح البحر، الى الشرق منها فوهة بركان خامد اصبح بحيرة هي بحيرة مسعدة التي سميت قديماً بحيرة فيالا وهي البحيرة الطبيعية الوحيدة في سورية. كانت مسعدة مركز ناحية في محافظة القنيطرة التي تبعد 20 كم عن المدينة، كانت تتبعها القرى الشمالية للمحافظة قبل الاحتلال الاسرائيلي بسبب موقعها المتوسط على طريق دمشق مرجعيون الواصل إلى صيدا، يسكنها 4,210 نسمة بعد ان هجر اليها سكان قرية سحيتا. كان سكانها يعملون في زراعة الحبوب والكرمة حيث كانت تنتشر فيها معاصر العنب لتحويله الى دبس. حاليا تزرع فيها الاشجار المثمرة خاصة التفاح والكرز حيث أقيم براد ومعربة لحفظ التفاح وبقية الفواكه التي تخزن في موسم القطاف انتظارا لبيعها.
قرية بقعاثا
الاسم من السريانية او الآرامية ويعني "السهل ذو البقع" حيث كانت تتجمع بقع المياه في سهلها. تقع القرية على ارتفاع 1000م عن سطح البحر وسط مجموعة من التلال البركانية، تل الشيخة وتل وردة وتل صدر العروس والتل الأحمر وعلى طريق القنيطرة مرجعيون. قديماً كان يمر بقربها طريق روماني يصل بين بانياس ودمشق. إلى الجنوب من القرية تقع قرى عين الحجل وعين الحمرة والمنصورة على الطريق الواصل الى القنيطرة والى شرقها تقع قرية جباثا الخشب وجميعها قرى مهجرة. يسكنها 6,820 نسمة كانوا يعملون في زراعة الحبوب والكرمة والرمان وحاليا الاشجار المثمرة كالتفاح والكرز، ويوجد فيها الآن أكثر من براد لحفظ وعرابة التفاح وبقية الفواكه.
قرية سحيتا
اسمها من السريانية ومعناه المستحمة لكثرة أمطارها، تقع على ارتفاع 1100 م فوق سطح البحر الى الشرق من مسعدة وجنوب شرق مجدل شمس، كان يسكنها حوالي 300 نسمة قبل أن يجبر سكانها عام 1971 على الانتقال الى مسعدة والبعض الى بقعاثا لوقوعها في المنطقة المنزوعة السلاح. عمل السكان سابقاً في زراعة الحبوب والبقول والكرمة حيث توجد معاصر العنب وحاليا يعملون في زراعة الأشجار المثمرة.
قرية مجدل شمس
الاسم سرياني آرامي يعني البرج أو قلعة الشمس. تقع القرية على ارتفاع 1200 م فوق سطح البحر، تبعد5 كم شمالي مسعدة وحوالي24كم عن القنيطرة، الى الشرق منها تقع المنطقة المجردة من السلاح بينها وبين قرية حضر، يرتفع جبل الشيخ في شمالها لحوالي 2200 م، يبلغ عدد السكان 11,610 نسمة اضافة لقسم من اقاربهم يسكنون قرب دمشق. ينبع من شرقها راس النبع (نبع سعار) الذي يستفيد منه السكان لري اراضيهم في مرج اليعفوري صيفاً، في اعلى النبع يتشكل وادي سعار الذي يتحول الى نهر في موسم الامطار متجها غربا مارا بمسعدة وبانياس ليلتقي هناك مع نهرها. يعتبر وادي سعار منطقة فاصلة بين الصخور الجيرية الرسوبية في شماله والمنطقة ذات الصخور البركانية في جنوبه. كانت المجدل تقع على الطريق الجبلي بين بانياس ودمشق. كانت مجدل شمس وما جاورها من قرى اقليم البلان معروفة بزراعة الحبوب والكرمة وانتاج الدبس والزبيب ايام الحكم العثماني والآن تشتهر بزراعة التفاح والكرز. وقد اقيم لذلك في القرية أكثر من براد لحفظ وعرابة التفاح.
يغلب الاعتقاد بأن المجدل تأسست خلال القرن السادس عشر ايام حكم المعنيين الذين تخلوا عن مقاطعتي مرجعيون والحولة لحلفائهم الشهابيين، حيث ذكرت مجدل شمس لأول مرة في اوائل القرن السابع عشر كقرية تابعة لإمارة الشهابيين في حاصبيا التي كانت السفوح الجنوبية لجبل الشيخ وقراه (اقليم البلان) مع الحولة ومرجعيون تابعة لها حتى 1840 عندما سقط حكم بشير الشهابي الثاني. بعد ذلك، أصبحت المنطقة تابعة لقائم مقام القنيطرة التابع لسنجق حوران. خلال القرن 19 ومع التنظيمات العثمانية اصبحت مجدل شمس مركزا لناحية الشعراء التى تبعتها عدة قرى من بانياس غربا حتى بقية قرى اقليم البلان شرقا.
مرت مجدل شمس خلال القرن التاسع عشر بعدة احداث تركت تأثيرها على سكانها وانعكست على حياتهم: حملة ابراهيم باشا على بلاد الشام خلال ثلاثينيات القرن، الحرب الاهلية الطائفية في لبنان في اواسط القرن، حروب التجنيد العثمانية خلال النصف الثاني منه والتي انتهت بالصدام بين سكان القرى الجبلية وشراكس القنيطرة والبدو الذي استغله العثمانيون لفرض التجنيد والضرائب إضافة للنزاعات القبلية التي عمت لبنان. انعكست هذه الاحداث على القرية كونها كانت ممراً لانتقال السكان بين جنوب لبنان وجنوب سورية وما رافقها من هجرات للداخل، خاصة الهجرة للأمريكيتين، حيث تعرض السكان خلالها لكثير من الخسارات المادية والبشرية التي استمرت حتى اوائل القرن العشرين خاصة خلال حملة سامي باشا الفاروقي ثم اثناء الحرب العالمية الاولى بسبب فرض التجنيد وما رافقها من مجاعة وامراض، وهي المعروفة بأيام السفر برلك.
اشتركت مجدل شمس والقرى المجاورة لها بتاريخ مشترك، بداية بخضوعها لسيطرة شهابيي حاصبيا على اراضيها ثم تمكنها من الحفاظ عليها وتوزيعها على عائلاتها، مرورا بالنزاعات المحلية التي حرقت فيها هذه القرى في نهاية القرن التاسع عشر، واخيرا مشاركتها في الثورة السورية الكبرى بين عامي 1925- 1927 والتي تعرضت خلالها للحريق مجدداً، مما اضطر سكانها إلى اللجوء الى جبل العرب حيث خسروا خلاله الكثير من الضحايا المادية والبشرية، وكان هذا سبباً رئيسياً جعلهم يتمسكون بالبقاء في قراهم والحفاظ على وجودهم على أرضهم بعد الاحتلال الإسرائيلي للجولان عام 1967، وما زالوا حتى الآن يتمسكون بالحفاظ عليها ضمن الظروف الصعبة والمعقدة التي يمرون بها ويمر بها الجولان المحتل ووطنهم سورية.