الجولان السوري المحتل وتوربينات الرياح

تتنوع الأساليب والاحتلال واحد، ولعل أخطر أنواعه ما يسمى بالإحتلال الناعم الذي لا يواجه المحتَلين أي أصحاب الأرض بالدبابة والبندقية، وإنما يأتي بأسلوب مراوغ ومخاتل ويرتدي الأقنعة المزخرفة بمعسول الكلام والوعود الزائفة التي عادة ما تحمل طابعاً أنسانياً وحضارياً يجذب بعض الأشخاص المحليين فيلتقطون الطعم ويقعون في الفخ، فيضعونهم في رأس الحربة بمواجة أهلهم ومجتمعاتهم، بينما هي في الحقيقة  تخفي خلفها أهدافاً استعمارية واحتلالية وانتهاكاً لهوية المنطقة والأفراد.

وللجولان السوري المحتل حكايات طويلة وتحديات لا تنتهي مع أساليب وأشكال ما يسمى بالإحتلال الناعم، ولعل آخر التحديات التي يواجهها أهل الجولان الآن هو مشروع لإقامة توربينات الرياح العملاقة داخل أراضينا الزراعية الخاصة وعلى مسافة قريبة من بيوتنا.

توربينات الرياح - إعلان

فكرة استغلال الرياح لإنتاج الكهرباء أو الطاقة النظيفة ليست فكرة حديثة أو مبتكرة، فمنذ قرون طويلة استغل الإنسان الطاقة الريحية لعدة أهداف تطورت مع الزمن مع تقدم العلم والإختراعات الجديدة، ولكن السؤال الأهم هو: لماذا يقام هذا المشروع الخطير في قلب قرانا الجولانية!!

 وهم لا شك يسيطرون بالقوة على مساحات واسعة بعيدة عن السكان، علماً بأن هذا أيضاً انتهاك للقوانين الدولية المتعلقة بالأراضي المحتلة.

نبذة عن مسار المشروع 

بداية الحكاية مع شركة "إنرجيكس" ("אנרג'יקס") المستثمرة لمشروع المراوح الهدام كانت عام 2013، إذ اشترت المشروع من شركة "مياه الجولان" ("מי גולן") لتي كانت قد أعلنت إفلاسها مؤخراً.

حينها بدأت الشركة مدعومة من الحكومة الإسرائيلية بممارسة سياسة الإحتلال الناعم، إذ بدأت تروج للمشروع وترسم أحلاماً وردية للمزارعين وتغريهم بالأموال مع العلم بأن المبالغ المدفوعة للمستوطنين الاسرائيليين في الجولان تفوق بكثير جداً تلك المبالغ التي عُرضت على مزارعي الجولان السوريين. وراحت توزع الأوهام بأن هذه طاقة نظيفة وليست لها أي مضار على الزراعة والسكان. للأسف، وقع بعض الأفراد القلائل بالفخ ووافق على إقامة هذه المراوح العملاقة في أرضه، بالإضافة لعدد من السماسرة المحليين الذين باعوا بلدهم وراحة بال أهلهم وأبنائهم مقابل حفنة من الأموال.

الجدير بالذكر أن فكرة المشروع المقترح ستقام على 3,510 دونمات من الأراضي الزراعية الخاصة بالجولانيين، ويبلغ ارتفاع عامود كل مروحة بين 200-220 م، مع دائرة دوران يبلغ نصف قطرها 65 م.

بعدها بدأت الغمامة تنقشع عن العيون وتتضح الصورة أكثر فأكثر وأدرك أهالي الجولان السوري المحتل مدى فظاعة وبشاعة هذا المشروع وآثاره المدمرة على البشر والشجر. 

ومن هذه المضار:

  • تغيير طابع المنطقة القروي الهادئ وتحويله إلى منطقة صناعية.

  • الحد من إمكانية التوسع العمراني لقريتي مجدل شمس ومسعدة.

  • يهدد المشروع الأمن الزراعي والسياحي لسكان الجولان.

  • يهدد التوازن البيئي للحشرات والطيور التي قد يسبب اختفاؤها الضرر البالغ للزراعة. على سبيل المثال، حركة هذه الشفرات العملاقة ستؤدي الى طرد النحل من المنطقة وبالتالي لا يمكن تلقيح أشجار التفاح والكرز فتتحول من منطقة خصبة ومثمرة إلى أشجار عديمة الثمر. 

  • الضرر الصحي نتيجة الضجيج المستمر والصوت الرتيب الناتج عن دوران الأجسام العملاقة والتي تسبب الأرق والغثيان.

  • المخاطر التي تسببها ظاهرة الوميض التي تنتج عنها.

  • ومن أهم المخاطر وضع قدم للاحتلال الاسرائيلي من خلال هذا المشروع داخل الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها بالكامل لسكان الجولان السوريين.

على إثر كل هذه الحقائق والمعطيات تداعى النشطاء لعقد سلسلة من الإجتماعات الواحد تلو الآخر واستضافوا خبراء في المجال من خارج الجولان ليستمعوا بشكل علمي ومدروس عن مخاطر مثل هذه المشاريع بالقرب من المناطق السكنية.  ومن هذه الاجتماعات والمداولات انبثقت "الحملة الشعبية للتصدي لمشروع المراوح" وذلك في العام 2018.

حددت اللجنة مهامها بعدة نقاط مركزية أهمها:

  • جمع المعلومات الدقيقة والمدروسة حول مسار المشروع وأخطاره وتزويد أبناء المجتمع الجولاني بها.

  • بحث إمكانية العمل على المسار القانوني، رغم ثقة السكان بعدم عدالة هذه المحاكم، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد صادقت على المشروع واعتبرته بمثابة مشروع قومي للدولة. وأودعته لدى "اللجنة القطرية للبنى التحتية" (ות"ל ועדה לתשתית לאומית). 

  • وبالرغم من كل ذلك، تم الاتفاق على اللجوء للمسار القانوني بهدف استنفاد كل الفرص الممكنة لمنع إقامة هذا المشروع بالطرق السلمية. وعليه، تم توكيل "مكتب المحاماة تادمر- ليفي" مقابل مبالغ باهظة لمتابعة الיعتراضات قانونياً. 

  • تم إطلاق حملة لجمع التوقيعات على "عريضة بיسم أهالي وسكان الجولان" لرفض مشروع المراوح. وبالفعل، تم جمع التواقيع التي وصلت الى 5,450 توقيعاً وعلى رأسها توقيع شيوخ الهيئة الدينية وذلك في نهاية حزيران 2019. كما تم إصدار بيان من الجمعيات الزراعية كافة ضد إقامة المشروع، وعلى ذلك تقدمت الاعتراضات القانونية.

  • خلال العام 2019 شهدت "اللجنة القرية للبنى التحتية" عدة جلسات هامة تخللها مشاركة جماهيرة كبيرة من السكان المحليين والاستماع إلى شهادات عدد من الاختصاصيين من "التخنيون" ومن "معهد وايزمان" تؤكد جميعها الأضرار الناتجة عن مشروع المراوح السوداء بالقرب من المناطق السكنية،  إلا أن اللجنة - وكما كان متوقعاً - ضربت عرض الحائط بكل الاعتراضات والشهادات المقدمة ورفضت الاعتراض الذي قدمه مواطنو الجولان السوري المحتل وأعطت، بذلك، الضوء الأخضر للشركة لبدء التنفيذ مع العلم بأن القضية والاعتراضات ما زالت في المحاكم، وخاصة اعتراضات الجيران المتضررين بشكل مباشر.

أما على الصعيد الشعبي فقد نفذ الأهالي العديد من الوقفات الاحتجاجية التي وصلت ذروتها  يوم الجمعه بتاريخ 24.01.2020  والذي سُمي "الجمعة الحمراء".

مظاهرة أهالي الجولان ضد قرار نصب التوربينات

ومؤخراً نفذ الأهالي أيضاً اعتصاماً جماهيرياً ضخماً حضره المئات، وربما الآلاف، من الجولان والجليل والكرمل بتاريخ 04.03.2023.

أما المواجهة الحقيقية مع شركة "إنرجيكس" وعناصر من شرطة الإحتلال فقد كانت بتاريخ 09.12.2020  عندما حاولت الشركة الدخول إلى أحد المواقع لفحص التربة فتصدى لها المئات من الشيوخ والشباب والشابات الذين تعرضوا لهجوم عنيف من القنابل الغازية والمطاطية وأصيب العديد من الشبان خلال هذه المواجهة إلا أن الأصوات كانت تتعالى من الجميع "تقدموا ولا تتراجعوا" واستمرت المواجهات حتى انسحاب الآليات العاملة. 

في الآونة الأخيرة وبعد أن أدرك المسؤولون مدى التصميم والرفض القاطع لإقامة المشروع لجأوا إلى محاولة التفاوض ولكن هذا الطلب أيضاً قوبل بالرفض التام  فأرضنا وسلامتنا غير قابلة للتفاوض.

الآن يقف الجولانيون في الخندق الأخير ويواجهون كل يوم خطر المواجهة مع سلطات الاحتلال وهو الخيار الأخير الذي بقي أمام الأهالي وكلنا أمل أن تتراجع الشركة والحكومة عن قرارها هذا وتنقل مشروعها بعيداً عنا وعن أراضينا الخاصة.

الصراع ما زال مستمراً، ونحن بحاجة إلى دعمكم ووقوفكم معنا في هذه المحنة بكل الوسائل المتاحة.  

لديكم صوت، فاستعملوه. 

أمل صفدي

ناشطة اجتماعية ومديرة مكتبة "المدار" في مجدل شمس

شاركونا رأيكن.م