تشكيل هيئة وطنية تستند الى الثوابت الوطنية هو البديل
على بعد أيام من انتخابات الكنيست الصهيوني يقف شعبنا بالداخل أمام حملات غير مسبوقة تشجع وتدعو الناس للتصويت، لا بل تمارس التخويف عبر حمل شماعة ما يسمى باليمين ورموزه.
نعم بعد أكثر من 70 عاما على النكبة هناك من يعتقد أن الترهيب سيدفع الناس للخروج للتصويت، وبذلك تقر الأحزاب العربية المنخرطة بأكذوبة الديمقراطية الإسرائيلية، البرامج لديها تستقطب الناس عبر تخويفهم. لأنها تدرك أن وجودها في برلمان هذه المستعمرة شكلي لا تأثير له. لكن تحتاج دولة الاحتلال لقطع البزل هذه المسماة ب"أحزاب عربية" لتسوق صورتها للعالم "الحر". ومن هنا ينطلق ما يسمى بيسار صهيوني بدعواته المحمومة للعرب بالتصويت ومن هنا تتجند صناديق صهاينة أمريكا وتمول حملات تستحث العرب ليخرجوا ويصوتوا عبر استراتيجية مبنية على عنصر التخويف. ولم يخجل رئيس حكومة الكيان يائير لبيد، من تهديد العرب بأنهم ان لم يخرجوا للتصويت فإنهم "سيخسرون" ما استحصلوه حتى الآن ولا ندري ما الذي استحصله العرب بحسب لبيد.
يواجه تيار المقاطعة الأحزاب العربية التي بنت برامجها السياسية على القبول بتقسيم فلسطين والانخراط بدولة الكيان عبر مشاريع الأسرلة والصهينة والاندماج بينما لا ينظر تيار المقاطعة إلى هذا الكيان إلا ككيان احتلالي استعماري ولا يحبسون فلسطين بحدود ال 67، بل هي فلسطين بكامل جغرافيتها. وهذا هو البرنامج الطبيعي لكل حركة تحرر وطني. فعلى مستوى العالم والشعوب التي عايشت الاحتلال والاستعمار على انواعهما لم تنخرط بمؤسسات محتليها ولم "تناضل" أصلا لتكون جزءا منها، بل كان نضالها نضال التحرر والانعتاق، بينما لدينا تيارات سياسية بنت برنامجها السياسي بالاستماتة للانخراط بمؤسسات المستعمر المحتل الذي يرفضها ويرفض وجودها، بل ويكرس هذه المؤسسة المسماة بالكنيست لسن القوانين التي تسلب العربي الفلسطيني المزيد من حقوقه وتحاصره وتهدم بيته وتصادر أرضه وتسعى لتهجيره بشكل بطيء عبر سلبه كل ما يملك وتحويل مدنه وقراه وساحاته لساحات قتل. من السخرية حقا أن يسعى عربي فلسطيني للانخراط بمؤسسة تقنن العنصرية بأبسط تعبير. وليس بأبلغ مما يسمى ب "قانون القومية" ليعبر بكل وضوح عن ماهية هذا الكيان الذي يقول إن اسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي الذي يملك وحده حق تقرير المصير فيها.
ونحن هنا لا نتحدث عبر الخيال أو بعيدا عن الواقع لم ولن تستطع الأحزاب المنخرطة بالكنيست الصهيوني، تمرير أي قانون لصالح شعبنا حتى بالحيز الخدماتي المعيشي اليومي أيضا لم تستطع تلك الأحزاب تمرير القوانين المدنية، التي تصب في مصلحة العرب. ولن تستطيع ضمن بنية عنصرية في كيان عمل على مأسسة العنصرية ويكابر عرب الكنيست في سبيل الحصول على معاشات وتمويل حزبي وامتيازات وهمية يستفيد منها أعضاء الكنيست العرب وبطانتهم والمقربين.
وطبعا لا بد من الإشارة أننا كمقاطعين مبدئيين نرفض الانخراط بمؤسسات دولة الاحتلال، حتى لو مكننا هذا الانخراط من تحصيل حقوق وامتيازات. فنحن لا نقبل مبدئيا وضميريا وأخلاقيا ووطنيا القبول بشرعية دولة احتلال، حتى لو كان ذلك مقابل رفاهية العيش لأن الأوطان أغلى من ذلك بكثير ولأن مشكلتنا مع دولة الكيان ليست المساواة والحقوق بل بأصل وجودها كدولة استعمار زرعها الغرب الإمبريالي على حساب حقنا العربي الفلسطيني.
ورغم أن الوقائع أثبتت أن شعبنا حمى وجوده واسترد قسما من حقوقه فقط عبر أيام وطنية، انطلقت من الميدان وقدم خلالها الشهداء والأسرى، أي المواجهة مع الاحتلال هي من حمت الوجود الفلسطيني وليس مشاريع الانخراط بمؤسساته التي تساعده فقط على تجميل صورته عالميا، الأمر الذي استعرضه نتنياهو وبصورة احتفالية أمام نائب الرئيس الأمريكي الأسبق مايك بنس الذي زار الكنيست في العام 2018 وبعد مقطع تهريجي للنواب العرب قال إنه ينحني أمام هذه الديمقراطية في إسرائيل وعبر عن إعجابه بها.
واليوم وبإمكانياتنا المتواضعة أمام ضخ الاموال هذا والاستقتال لدفع جماهير شعبنا للتصويت، نقف كتيار للمقاطعة بكل ما أوتينا في وجه هذه المشاريع التي تسعى لتدجين شعبنا وخفض سقف نضاله وحرف بوصلته الوطنية وتشويهها. نقف أمام مشاريع ارتزاق سياسي برنامجها الوحيد الوصول للكنيست بأي ثمن. برنامجنا هو برنامج تحرر وطني يستند للثوابت ولحقنا في وطننا السليب.
إن مجرد قسم النواب العرب الولاء لوثيقة الاستقلال يعني اعترافهم بحق اليهود بأرض فلسطين وبكون هذه الدولة دولة اليهود وجاء قانون القومية ليكرس ذلك ويقننه. وبعد أكثر من 70 سنة من تجربة الانخراط في الكنيست، أليس من الطبيعي مراجعة التجربة التي لم تقدم شيئا في مسيرة شعبنا الوطنية، بل نشاهد تنامي العنصرية والتمييز والاستشراس في استهداف شعبنا في الضفة وغزة وفي محاصرتنا وقتلنا البطيء عبر مشاريع تهدف لتيئيس الفلسطيني وحمله للهروب من مشاهد القتل اليومية التي تبرع فيه السلطة وأذرعها من عصابات إجرامية؟ وحتى ان أردنا إثبات عبثية هذا الانخراط بالأرقام والمعطيات ومن قلب الكنيست ذاتها لرأينا صفر إنجازات للنواب العرب الذين يبرعون مثلا في تقديم طلب لما تسمى ب "مؤسسة التأمين الوطني" لدفع المستحقات قبل الأعياد ويسوقون ذلك كإنجاز يستخفون به بشعبنا. نعم هذا هو سقفهم ونضيف عليه جعجعات واستعراضات النواب العرب التي يستخدمونها للضحك على الناس عبر عنتريات لم تحم شبر ارض من مصادرة وغرفة من هدم وعربي فلسطيني من قتل ولم تمكن شاب من بناء بيته والقائمة تطول.
ويفرض السؤال نفسه هنا ألا يخجل أصحاب مشاريع الاندماج والأسرلة أمام جيل فلسطين رأيناه ونراه في نابلس وجنين وعكا واللد وأم الفحم وغيرها، فهم انه يواجه دولة احتلال وبالتالي خلق أدواته البسيطة في المواجهة والعظيمة في مفعولها. في زمن نفق الحرية وسيف القدس وانتفاضة أيار بئس المشاريع التي يزحف إليها عرب الكنيست، مشاريع ارتزاق سياسي لا تعبر إلا عن نفسية مهزومة تتملكها الدونية واللهث صوب فتات الفتات ودراهم ملوثة بالقبول بشرعية من إحتل أرضي وشرد شعبي ولا يزال يمعن في قتله وتصفيته.
تشكيل هيئة وطنية تستند الى الثوابت الوطنية ضمن برنامج وطني واضح لا يقبل التلاعب أو تسلل قوى الأسرلة هو البديل الآني لشعبنا هيئة وطنية تتكامل مع جموع شعبنا الفلسطيني بمختلف أماكن تواجده. مشروعيتها مستمدة من ثوابتنا كشعب فلسطيني لا قوانين المحتل. وكما ذكرنا أعلاه إن شعبنا انتزع حقوقه وحمى وجوده عبر أيام كفاحية سطرها الميدان. مشروع وطني غير مهادن يشكل رأس حربة لشعبنا يحمي وجوده ولا يحتمي به، وينتزع حقوقه دون أن يتلوث بمنح شرعية للصهيونية ومشروعها الاستعماري كل هذا في طريق التحرير الأكبر.