الانتصار على التحديات ممكن، وهذا ما يتطلبه الأمر…

تتصارع الأحداث والتغييرات وتتزايد التحديات وتتعقد الكثير من القضايا، وتهرم الأدوات العادية وتفشل في الصمود فتنخفض الثقة وتتلاشى الأحلام الفردية وتذوب المشاريع الفئوية، مسار بؤس ودمار للقضاء على طموح أفراد وإرادة شعب وتمنيات مجتمع، هل هذه نتيجة حتمية؟ أم نتائج مرحلية؟ وهل يمكننا النهوض؟ كيف ومتى؟ وما المطلوب؟
سأحاول في مقالتي الصغيرة هذه زرع الأمل والتفاؤل بالرغم من كل ما يحدث، ليس بكلمات تثير المشاعر فحسب، بل بأفكار تخاطب العقل والمنطق والخيال مداعبة المشاعر لا للتضليل وللديماغوغيه بل لتعزيز الثقة بما يطرح.
إن نقطة البداية للانتصار على التحديات التي تواجهنا أفرادا ومجتمعا وشعبا تبدأ بأن ننتصر في البداية على ذاتنا، على أفكارنا السلبية على شعورنا بالضعف والانهزام، على عدم ثقتنا بقدراتنا وبذواتنا، على بحثنا كل الوقت على منظومة توبيخ، اتهام، وصراخ، على نهج الضحية المسكينة التي لا خيار لها سوى أن تبكي وتصرخ طالبة من الجلاد الظالم أن يعطف عليها ولو بالقليل، هذا كله سبب للانهزام، وللضعف، ولفقدان الثقة والأمل.
حين نثق بذاتنا ومجتمعنا وننتصر على ذاتنا الضعيفة، لن نكتفي بالانتصار على التحديات بل سنحقق الإنجازات التنموية في كافة المجالات لنتفوق علميا، عمليا، أخلاقيا، اقتصاديا ومجتمعيا وغيرها، ولا ينقصنا شيء لذلك لو فعلا تعاونا بصدق على تحقيق الأمر .
أعلم وأدرك أن هناك خيبة أمل وشعورا بأننا انحدرنا إلى مستنقع عميق من المشاكل والعوامل السلبية، بل إن هناك من هو متأكدا أننا ما زلنا نتجه نحو انحدار أعمق، هذه المشاعر طبيعية ومبنية على وقائع وتغييرات قد حدثت، ولا توجد لدينا أي إمكانية أن نغير الماضي ولا ما قد حدث، لكننا نستطيع أن نتعلم من الماضي، ماذا حدث؟ لماذا حدث؟ وكيف حدث؟ أين نجحنا وأين أخطأنا؟ ويمكننا أن نتحاور بعمق جرأة وصراحة، ماذا يجب أن نفعل لتغيير اتجاه السفينة من الغرق اليقين إلى جزر الإنقاذ والتطور؟
يجب أن ندرك أننا نستطيع صناعة المستقبل وتغييره وجعله يحمل صورا مغايرة لما رافقنا في العشرين عاما الماضية، المستقبل وكل ما يحمل بطياته سيكون نتيجة لأفعالنا أقوالنا ومواقفنا، لذلك كل شيء يعتمد علينا.
وهنا يجب أن نقولها بصراحة أنه لا يوجد أي أحد لا من أفراد ولا من أحزاب ولا من سلطات محلية ولا من قيادات في كافة المواقع، يمكنه وحده تغيير اتجاه السفينة، وحتى لو كان هناك عملا جماعيا وحدويا لن يستطيع تحقيق ما نصبو إليه حين يكون العمل عشوائيا.
إن المجموعات التي تبحث عن تطوير ذاتها تعتبر تعدد الآراء المواقف والأفكار فرصة، الهدف منها تداول ونقاش المواقف المختلفة بقلوب مفتوحة وعقول صاغيه من أجل محاولة بلورة صيغة جديدة لما تطرحه كل مجموعة، تعتمد على جزئيات مختلفة من اجتهادات مختلفة مع الأخذ بالحسبان التعامل مع الملاحظات التي قدمت حول كل جزئية لتقليص المخاطر وزيادة فرص النجاح.
إن وجهات النظر المختلفة كألوان، وهي ليست فقط أسود أو أبيض، هي مجموعة كبيرة من الألوان يمكن دمجها بتركيبات مختلفة والحصول على ما لا نهاية من الألوان الجديدة، السؤال الأهم ما هو اللون أو مجموعة الألوان المناسبة لكل موقف؟ ولكل حاجه؟
إن الحل والتغيير يحتاجنا جميعا دون استثناء، ويكون من خلال عملا وحدويا واضحا في اتجاه رؤية واضحة نتفق عليها لتكون البوصلة متوجهين نحوها من كافة مواقع ووجود كل الأطياف المجتمعية، كل بأدواته قدراته وخطواته ونهجه، يساعد للوصول إلى الرؤيا التي نسعى إليها .
تحقيق الرؤيا يحتاج لعمل تراكمي كبير جدا من خلال الكثير من الخطوات المشاريع والأفكار التي يتم تطبيقها على أرض الواقع وهذا سيحتاج وقتا وجهودا من الجميع من أجل النجاح.
يتم الأمر من خلال بناء مشاريع عمل وحدوية وبناء مؤسسات منظمة هادفة في الكثير من المجالات يشارك بها الجميع كل حسب معرفته ادواته وموقعه الجغرافي ومن خلال منظومة توجيه ورقابة وتصحيح وتشبيك مركزية بين الفعاليات في نفس المجال وبين الفعاليات والنشطاء في المجالات المختلفة.
إن السير في برامج وحدوية مركزية مع التشبيك والتعاون بين الجميع سيعطي كل خطوه زخما كبيرا وقدرة للتحصيل الإيجابي لكافة المراكز والبرامج، والعمل التراكمي في المواقع والمواضيع المختلفة سيجعل من تحقيق الأهداف الصغيرة والمتوسطة أمرا ممكنا وواقعيا وهذا سيزيد من حجم الثقة بيننا كمجتمع من أجل توسيع حلقات الفكر والعمل من أجل أهداف أكبر في اتجاه الرؤية المنشودة للمدى البعيد.
هناك مراكز قوة كبيرة في مجتمعنا لا تأخذ دورها بالشكل الكافي والمناسب ويمكنها تكريس الكثير من الطاقات بشكل ناجع وفعال للبدء بتنظيم مجتمعنا على الأقل بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وأهمها هي السلطات المحلية التي تملك الكثير من القدرات البشرية، المالية والمرافق العامة، التي لو استعملت بشكل ناجع ومن خلال التعاون مع العمل الوحدوي لشكلت رافعة كبيرة جدا للتغيير نحو الأفضل، بعد عام من الآن نتجه نحو انتخابات للسلطات المحلية، لو نستطيع إلزام الجميع بعمل وحدوي بين الجميع دون علاقة لنتائج الانتخابات ومن خلال مركزية واضحة للمشاريع من خلال مهنيين ومتطوعين في مركز السلطات المحلية لاستطعنا ضمان قفزة نوعية كبيرة إيجابية وفي فترة قصيرة نسبيا.
تدير السلطات المحلية عامة ميزانيات بمئات ملايين الشواقل، بإمكان لجان مهنية موضوعية زيادة نجاعة استعمال الميزانيات وزيادة فرص الحصول عليها وتكريسها بشكل مهني لضمان تحقيق أهداف مجتمعية وجماعية، مع إمكانية إقامة شركات اقتصادية وأخرى قانونية وهندسية، تمثل كافة السلطات المحلية العربية وتساعد كل رئيس سلطة في تحقيق الإنجازات وتساعد على إدارة المشاريع المختلفة بمهنية ومركزية تعطي مفعولها في قوة العمل الوحدوي تجاريا مهنيا وتطبيقيا.
طلب مني مقالة قصيرة لذلك لا يمكنني أن أطيل أكثر، لكن هناك الكثير من المؤسسات الجمعيات ومراكز القوى القائمة التي تحتاج تنجيع عمل، وهناك الكثير من الأفكار لبناء مؤسسات ومنظومات عمل اجتماعية واقتصادية وتربوية والتي يمكنها النهوض بنا، أتأمل أن يستطيع مجتمعنا إدراك الأمر والتفاعل مع دعوات لعمل وحدوي بين الجميع.

نعم الانتصار على التحديات هو أمر ممكن، القرار مرتبط بالأساس بنا كأفراد وكقيادات في المواقع المختلفة، إذا استطعنا تفضيل المصلحة العامة على المصالح الفئوية واحترمنا بعضنا البعض وتقبلنا التعاون، لا بد أن ننجح في بناء المشاريع وتنظيم مجتمعنا نحو الأفضل.

هاني نجم

مراقب حسابات ومستشار اقتصادي

شاركونا رأيكن.م