تحديات المنظومة الصحية في المجتمع الفلسطيني في اراضي ال48

لقد مرت صحة المجتمع العربي في الداخل بتطورات وتغييرات كثيرة على مر الزمان نحاول تلخيص أهم ما كان والتركيز عل تحدياتنا كمجتمع بتطوير صحة بنات وأبناء مجتمعنا.

المقاييس المتبعة لتقييم صحة مجموعة سكانية ومقارنتها مع غيرها تتركز بالأساس بمعدل حياة الإنسان ونسبة وفيات الرضع حيث هذه المقاييس تلخص كل خصوصيات صحة المجتمع من صحة وقائية وصحة علاجية وخدمات صحية وغيرها، وطبعا تختلف المقاييس بين المناطق المختلفة في البلاد.

أهم التغييرات التي أثرت على صحتنا مع الزمن تحولنا من مجتمع فلاحي لمجتمع شبه صناعي. حيث انقرضت بعض الأمراض التلوثية وبدأ انتشار الأمراض المزمنة المتعلقة بنمط الحياة غير الصحي كالسكري وضغط الدم وأمراض القلب والسمنة مع كل الأمراض التي تحصل نتيجة السكري أو السمنة، على سبيل المثال نسبة السكريين في الناصرة في بداية الثمانيات كانت 2.5% من البالغين أما اليوم فنسبة السكريين بالناصرة وباقي البلدات العربية حوالي ال 20% من البالغين. هذا الارتفاع بسبب التغذية المليئة بالسكريات حيث دخلت إلى بلداننا أكثر وأكثر وأهملنا المطبخ العربي الأصيل المليء بالخضار والقطنيات وخبز القمح الكامل.

هنالك ارتفاع على مدى السنين بمعدل حياة العرب في الداخل حيث إن معطيات السنوات الأخيرة تبين أن معدل حياة النساء العربيات هو 82.3 سنة والرجل 78 سنة ويبقى الفارق بين العرب واليهود بين 3-4 سنوات وهذه الفروقات لم تتقلص مع مرور الزمن (حيث الارتفاع بالمجموعتين والفرق يتزايد). أما وفيات الرضع (وتحسب بعدد الوفيات من الرضع حتى جيل سنة من كل ألف ولادة سليمة) فإن الفروقات ما زالت كبيرة حيث إن المعدل 6.3 بمجمل المجتمع العربي، ويرتفع إلى 11 بالنقب مقابل 2.4 لدى السكان اليهود.

السكري والسمنة:

في فحص وبحث مسببات الوفيات في مجتمعنا يتبين أن السكري هو المرض الأكثر تأثيرا لأسباب الوفاة بسبب انتشاره الكبير وتأثيره في مضاعفاته على جميع أجهزة الجسم المختلفة، حيث إن السكري يعتبر المرض القاتل الصامت حلو المذاق، فهو يبقى سنوات طويلة بدون عوارض مرضية، حتى لو لم يكن السكر متوازنا!!! وفي هذه الفترة من يكون عنده السكر متوازنا في الدم فيجري الدم في الأوعية الدموية بسلاسة وسهولة دون ترسبات أو مضاعفات ، أما الذين مع سكر عال في الدم فيكون الدم لزجا كالقطر (الذي نستعمله للكنافة) يصعب على الدورة الدموية الوصول إلى جميع الشرايين الصغيرة والكبيرة بسهولة وتتراكم الترسبات في الأوعية الدموية بدون أن يشعر المريض بذلك وبعد حوالي 15-20 سنة تبدأ الأوعية الدموية بالانغلاق الكامل أو الجزئي في جميع أجهزة الجسم ، مما يسبب النوبات القلبية (انسدادا للشرايين التويجية) أو الشلل النصفي (انسدادا لشرايين المخ) أو شللا في عمل الكلى والحاجة إلى غسيل الكلى بشكل مستمر ، ولتوضيح الوضع الصعب في هذا فإن نسبة المرضى المحتاجين لغسيل الكلى ارتفع من 40 مريض كلى على كل 100 ألف إنسان في سنوات التسعينيات إلى 300 مريض كلى على كل 100 ألف إنسان، معنى ذلك ارتفاع أكثر من سبعة أضعاف نسبة إلى عدد السكان خلال 30 عاما، كل هذا رغم كميات الأدوية الهائلة التي يتناولها الناس لمعالجة السكري، حيث إن العلاج الدوائي بدون تغيير نمط الحياة لا يكفي ناهيك عن مضاعفات هذه الأدوية . ولذلك علينا التفكير من جديد كيف نعالج ونمنع حدوث السكري والسمنة في مجتمعنا! يتحدثون في العالم على أن أكثر السكريين مع سمنة وأغلب من هو سمين معهم سكري وبدأ ربط الحالتين مع بعض بمرض واحد (Diabetis+Obesity) Diabesity وبالعربية سمنري، ونعلم أن نسبة السمنة بمجتمعنا في ازدياد مستمر.

خبز القمح الكامل:

هذا هو خبز أجدادنا لصحتنا وصحة أولادنا ، والفرق البسيط بينه وبين الخبز الأبيض له أثر كبير على صحتنا ، الخبز الأبيض يحوي لبة القمح بدون القشرة وهذه اللبة هي نشويات تتحول سريعا إلى سكريات وليس لها فوائد غذائية ، أما القمح الكامل فيحوي أيضا قشرة القمح التي تحتوي على فيتامينات مهمة مثل بي 12 ، بي٩ والحديد وكذلك الألياف الغذائية والألياف تقوي عملية الهضم و تساعد في إخراج الدهنيات والسكريات والمواد المسرطنة من الجسم ، وتشير الأبحاث بأن استبدال خبز الأبيض بالقمح الكامل تقلل من سرطان الكولون ب 20% , تقلل السكر بالجسم بأكثر من 30% وكذلك تقلل من الأمراض الأخرى ، في بحث أجريناه في سنة 2012 تبين أن 85% من العرب في البلاد يستهلكون الخبز الأبيض وفقط 15% خبز القمح الكامل ، وفي السنوات الأخيرة نرى ارتفاعا في استهلاك خبز القمح الكامل ونتمنى لمجتمعنا أن يتحول بالكامل لهذا الخبز . كذلك الاستهلاك المفرط بمجتمعنا للمشروبات الغازية السكرية يحتاج إلى تغيير، حسب منظمة الصحة العالمية الإنسان بحاجة إلى 25 غرام سكر يومي وفي بلادنا يستهلك كل إنسان بالمعدل أكثر من 170 غرام سكر في اليوم.

ومن تحديات الصحة الأخرى في مجتمعنا التدخين لدى الرجال بنسبة أعلى من 40% وتأثيرها السلبي على الرجال واضح حيث إن سرطان الرئة هو الأكثر انتشارا لدى الرجال العرب (بينما عند الرجال اليهود سرطان الرئة في المرتبة الثالثة فقط)، وكذلك أمراض الصدر المزمنة.

ما زالت نسبة الإصابة والوفيات عند الأطفال والأولاد عالية في مجتمعنا حيث إنه في سنة 2021 , 48% من مجمل الوفيات في كل البلاد من الحوادث لدى صغار السن كانوا عربا، أكثر من ضعف النسبة السكانية.

في السنوات الأخيرة نرى ارتفاعا في نسبة العرب في المهن الطبية وحتى تتجاوز نسبتنا بين السكان وهذا يعطينا الأمل بنهضة في تطوير صحة مجتمعنا، وبحيث إن أكثر الأمراض وأسباب الوفيات في مجتمعنا ممكن تخفيفها أو منعها بنمط حياة صحي ووقاية مسبقة علينا واجب الاجتهاد على أن نكون نحن الأطباء والطبيبات وباقي المهن الطبية قدوة لنا ومن حولنا بنمط الحياة الصحي.

تصوير: منى شحادة.

بروفيسور بشارة بشارات

أخصائي في طب الأسرة، والمؤسس ومدير جمعية" تطوير صحة المجتمع العربي" ومحاضر في كلية الطب في جامعة بار إيلان

شاركونا رأيكن.م