الرعاية الصحية المجتمعية ما بعد جائحة كورونا

يمكن أن تنشأ حالات الطوارئ والكوارث نتيجة للقوى الطبيعية أو نتيجة لأعمال من صنع الإنسان. عادة، في المراحل المبكرة من الحدث، فإن نقص الموارد مقابل الاحتياجات الناشئة، إلى جانب نقص المعلومات حول مدى الضرر الذي يلحق بالسكان أو الممتلكات، هو ما يعرفه على أنه حالة طوارئ. لذلك، فإن استخلاص الدروس من الأحداث السابقة والتخطيط للاستجابة للمواقف المحتملة المستقبلية، ضروريان لتقليل الضرر في الحدث التالي.

ثمة الكثير من الدروس التي يمكن تعلمها من جائحة كورونا ونحن على أبواب الخروج من ضائقتها الصحية والنفسية والاجتماعية. هذه الدروس وإن كانت تخص الفرد، إلا أنها بالضرورة تمس المجتمع والدولة في العموم.

لقد تعلمنا الكثير من الجائحة. أولا، أن العالم يحتاج إلى مصدر موثوق للمعرفة. لكن المعرفة بحد ذاتها ليست كافية. وتكون مفيدة فقط عندما تتمكن من العمل على أساسٍ من الشراكات والعمليات والتكنولوجيا. ومع ذلك، لا يوجد كيان واحد لديه كل الإجابات، فأعظم الفرص تظهر عند توحيد القوى والتعلم من بعضنا بعضًا.

ثانيا من الدروس المستفادة من أزمة كورونا هو أهمية تفعيل العمل بروح الفريق الواحد من جانب جميع التخصصات في كل المواقع، وتحسين اتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة. وكيف يمكن أن نحافظ على المكتسبات ونحمي مواردنا المالية والبشرية، ونعيد ترتيب أولوياتنا. فمن المعروف أن أمن الفرد جزء من أمن الكل، وثبت قطعياً أن المال والسلطة والقوة ليست ضمانة لحمايتك أو حماية أسرتك. كما أن التقدم العلمي الرهيب لا يحمي الدول إن لم تستثمر في صحة كل مواطنيها.

مقدرة الدول على مواجهة الجائحة تفاوتت، ولم تعتمد على انصياع الجمهور فحسب، وليس على مقدرتها وتطورها التكنولوجي، بل اعتمدت أيضًا على مميزات أخرى للجهاز الصحي، التي قد تعزز من قدرة الدولة على مواجهة الوباء، وتُثبت إستراتيجياتها في العمل للقضاء على الفيروس.

أهم هذه الميزات تتعلق بـ:

أولا: السياسات الصحية والعدل الصحي، ويشمل ذلك وجود أو عدم وجود قانون صحة عامة في الدولة، ويشمل أيضًا طريقة تنظيم وعمل الخدمات الصحية قبل تفشي فيروس كورونا المستجد، وعلى مدى كونها منظومة صحية عامة تقدم خدمات صحية وجماهيرية للجميع.

ثانيًا: استثمار الدولة في الخدمات الصحية من ناحية الميزانيات، وتناسبها للمشاكل الصحية والوضع الصحي للمجموعات المختلفة.

ثالثًا: الوضع الصحي للسكان اذ إن الأمراض المزمنة والتدخين يزيدان من إمكانية الإصابة بكورونا ومن نسبة الوفاة، وهذا يتفاوت وفقًا للوضعية الاقتصادية والتركيبة الاجتماعية.

أدرك، كطبيبة، على نحو مباشر أهمية الدور الذي تلعبه الرعاية الصحية الأولية في صحة الفرد والأسرة والمجتمع. وحين تُقدم بشكل سليم، فإنها تشكل الأساس لحياة جيدة ونظام رعاية صحية مزدهر. وحين يعتريها الضعف، يستشعر المواطنون المعاناة. لقد شهدنا ذلك مع تبعات مأساوية خلال جائحة فيروس كورونا. فقد ادى فيروس كورونا الى تفاقم التشوهات القائمة واماط اللثام عن مواطن الضعف الكامنة في النظام الصحي. بالاضافة الى ذلك سلط الضوء على الدور المهم الذي يجب ان تضلع به الرعاية الصحية الاولية في أي حالة طوارئ صحية من خلال اتخاذ اجراءات مثل الرصد والاختبارات وتتبع المخالطين وفي الحيلولة دون المستشفيات بالمصابين ممن في حالة حرجة.

من اجل تحقيق مكاسب صحية في القرن الحادي والعشرين يجب ان تبلغ نظم الرعاية الصحية الاولية مستويات جديدة من الاداء ويتعين على الحكومات اليوم أكثر من أي وقت مضى اعادة الالتزام بتحسين صحة الناس وتحسين التغطية الصحية الشاملة ومنع وقوع ازمات صحية في المستقبل. اذ ان النظم الصحية جيدة الاداء توفر الامن الصحي، الاستقرار ورخاء العيش.

في النهاية، حالات الطوارئ والكوارث لديها القدرة على إلحاق الضرر بجميع مستويات النشاط البشري. تتطلب الإدارة السليمة لهذه الحالات أقصى قدر من الدروس المستفادة من الأحداث السابقة، إلى جانب الاعتبار السليم للجمهور واحتياجاته، لأن سلوكه له تأثير كبير على نجاح الأزمة. توضح لنا أزمة فيروس كورونا مدى حاجة مجتمعنا إلى مهنيين لديهم فهم واسع لخصائص حالة الطوارئ، وفهم آثارها على الفرد والمجتمع.

يتوجب علينا دوماً التعلم من كل الأوقات الصعبة التي نعايشها، لاكتساب مهارات تُمكننا من تطوير أنفسنا، والتعرف إلى مكامن الخلل. نسأل الله تعالى أن ينحسر الوباء، وتعود الحياة لطبيعتها، لكن نحن لسنا كما كنا قبل الوباء، فقد تعلمنا الكثير من الدروس.

د. خزيمة خمايسي - ابو سيبه

مركزة وحدة الأمراض المعدية في صندوق المرضى "كلاليت"

شاركونا رأيكن.م