تحديات العلاقة الزوجية ما بعد الوالدية

مصطلح الوالدية يعني أن نصبح والدين- والد ووالدة لطفل أو طفلة يأتيان لهذا العالم كثمرة حب من علاقة جميلة ابتدأت مع الزواج وخُطِط لها أن تستمر وتدوم لتبني أسس عائلة سعيدة تعيش معا في السراء والضراء.

تبدأ حياة الوالدية ما قبل الولادة، فخلال فترة الحمل، يبدأ الزوجان مرحلة جديدة من حياتهما تحولهما من زوج يعيش ليتعارف ويطور العلاقة لزوج يتحضر لمرحلة جديدة تحمل في طياتها الكثير من المسؤولية، التحديات والانكشاف على بعض الاختلافات أو الكثير منها.

يأتي الطفل للعالم ويحمل معه مشاعر مختلطة للأهل، منها الفرح والسعادة والسرور ومنها القلق والتوتر والخوف، يأتي الطفل كهدية جديدة دون إرشادات وطرق استعمال، فيحتاج الزوجان لخوض تجربة التعارف والتعرف على هذا الكائن الحي وعلى ذواتهما من خلاله ومعه، لأن ولادة الطفل الأول تغير شكل العلاقة القائمة وتفرض نمط حياة جديد غير مألوف وغير متوقع. هذه الولادة تولد العلاقة من جديد، بغض النظر عن سنوات العلاقة وطولها وعمقها.

ولادة الطفل الأول تحوّل الزوجان لوالدين، أي تضيف دورا جديدا في حياتهما، دورا يبدأ ولا ينتهي، دورا يأخذ العلاقة لرحلة فريدة من نوعها.

إذا كان نجاح العلاقة الزوجية، بشكل عام، يتطلب من الطرفان الاهتمام والمشاركة وفتح الحوارات والحديث عن الاختلافات والعمل الدؤوب من أجل ضمان الاستمرارية والتقدم بهذه العلاقة، ويتطلب جهدا ليسا بسيطا من أجل الحفاظ عليها وعلى تطويرها، فإن استمرار العلاقة الزوجية بعد ولادة الأطفال يتطلب أضعاف أضعاف هذا الجهد.

أتعلمون لماذا؟؟

لأن كل من زار هذا العالم يعلم أن الحياة ما بعد الولادة وفي السنة الأولى تحديدا، تختلف تماما عما كانت عليه من قبل، فهناك طفل في البيت لا ينتظر كثيرا ويطلب تحقيق طلباته مباشرة، هنالك أم تغيرت معالم جسدها وعاطفتها جراء الحمل والولادة فأصبحت شخصا جديدا، وهناك أب أصبح بين ليلة وضحاها أبا وشريكا في تربية طفل ورعايته دون أن يعلم ما ينتظره من تحولات، وهناك عائلة جديدة انضمت لقافلة العائلات لتخوض في زحمة التوقعات، الحاجات، المتطلبات والإنجازات.

في خضم كل هذه التغييرات، يعيش الزوجان معا وعلى انفراد. كل زوج يعبر هذه المرحلة بطريقة مختلفة، ولكن مما لا شك فيه أنهما سيمران في هذه الطريق: سيفرحان، يستغربان، يخافا، يتوترا، يفرحا، يختلفا، يتناقشا، يبتعدا، يغضبا، يتعبا، يحاولا ... سيعيدان المحاولة مرة تلو الأخرى من أجل الوصول لتوازن في هذه العلاقة، توازن على الصعيد النفسي، العاطفي، الجنسي والاجتماعي.

هل تعلمون ماذا يحصل؟؟

لا نعلم ماذا يحصل بالفعل لكننا نرى أن هنالك أزواج يجمعها الحب فيبذلان كل هذه الجهود وينجحان بصياغة علاقتها بشكل جديد للاستمرار نحو حياة مشتركة، وهنالك أزواج يجمعها الحب، لكنهما لا ينجحان بعبور هذه المرحلة الصعبة بسبب كثير من التحديات والمحاولات الشحيحة للتحسين، وهنالك أزواج يفصلهما الحب لأنهما يعلمان أن العلاقة أصبحت مستحيلة وغير قابلة للاستمرار. وهنالك أزواج اجتمعا على غير الحب، فالوالدية تزيد من صعوباتهما فيوقفان العلاقة الزوجية ويبقيان والدان لطفليهما، فإما ينفصلان في البيت وإما ينفصلان ويتركان البيت.

هكذا تكون الوالدية محطة مهمة وضرورية في حياتنا لاستمرار الحياة وإعمار الأرض، لكنها تغيّر تفاصيل العلاقة بين الزوجين وتضعهما أمام تحديات مختلفة، سواء في الولادة الأولى أو بعد ولادة كل طفل من الأطفال، لأن الولادة تُحدث تغييرا في شكل الحياة وتفرض تأقلما جديدا يحتاج مجهودا وطاقة.

الطاقة البشرية هي عبارة عن قوة موجودة داخل أجسامنا وتعيننا على تحقيق ما نريد في هذه الحياة، هذه الطاقة لها أشكال وأنواع متعددة ومتوفرة في كل مكان وزمان، نحتاج فقط أن نعي بوجودها، أن نقرر استخدامها بشكل فعال وناجع ثم نستخدمها في أركان حياتنا المختلفة. هذا يعني أن طاقتنا الذهنية والجسدية والروحية يمكنها أن تساعدنا ببناء علاقاتنا الزوجية قبل الوالدية وبعدها وتحقيق ما نريده من ذواتنا ومن شركائنا. دائما هناك طريقة توصلنا لما نريد!

بعض التوصيات لتحسين العلاقة الزوجية بعد الوالدية:

التحضير المسبق: من المهم أن يتحضر الزوجان نفسيا وعاطفيا لدخول مرحلة حياتية جديدة والحديث عن توقعاتهما من بعضهما البعض وعن أدوارهما ومسؤولياتهما.

المساندة العاطفية: الحفاظ على الدعم العاطفي لبعضهما البعض، من خلال الملاطفة واللمس والكلام الجميل المحبّ والعلاقة الحميمية.

اللقاء المستمر: الاهتمام بالجلوس سوية والحديث عما يدور حتى لو كان هذا الوقت قصيرا وغير كافيا كما كان سابقا، الا أن هذا اللقاء يحافظ على القرب بينهما.

طلب المساعدة: من الضروري أن نعتاد طلب المساعدة ممن حولنا، سواء المساعدة في أمور التربية، الرعاية، الاهتمام أو مساعدة مهنية تساعدنا بتخفيف حدة التوتر في العلاقة.

وفي الختام، تذكروا أن فترة التأقلم ستمر ويمكنكما اجتيازها بسلام ومحبة إن قررتما ذلك وكنتما سندا لأنفسكم ولبعض. المحبة ستنتصر رغم كل التحديات.

رباب قربي

مرشدة أهال متخصصة في مجال الوالدية، العائلة والجنسانية ومديرة مركز "محطات"

شاركونا رأيكن.م