عريسنا نزل الزفّة عريانِ.. طقوس أعراسنا الغائبة
مفهوم العرس هو اقتران الشاب ""العريس"" بالصبيه ""العروس"".
لكننا نبدأ باطلاق هذه الصفات من الولادة اذ ندعو المولود الذكر ""عريس"" والمولودة الأنثى ""عروس"".
وأمنياتنا لأهل الطفل الذكر هو أن يصبح ""عريس"" وهذه الأمنية لا تنطبق على الأنثى بالشكل المباشر, انما نقول : الله يستر عليها.
لنبدأ منذ تحديد موعد العرس
كنا فيما مضى ننتظر الطبيعة التي تحدد لنا متى يكون الموعد. كيف؟؟؟
تقول الأغنية:
احنا على نيّه وريتو هنيّه
على مقرن الشهرين ريتو مبارك
ومقرن الشهرين هو عند اكتمال البدر كي يساعد في اضاءة المساحة التي سيقام بها العرس وكذلك هو بشرة خير للعرسان.
اما اعراسنا الحالية فاننا نحدد الموعد قبل عام تقريبا من موعده وذلك كي نحجز القاعة التي سيتم فيها حفل الزفاف.
تبدأ التحضيرات للعرس سابقا قبل أسبوعين من موعده, وذلك بشدّ الفراش وغسيل الفراش المستعمل تحضيرا لاستقبال الضيوف ""الغربيّة"" أي من خارج البلد الذين سيبيتون عند أهل العريس, كذلك طلاء جنبات البيت.
وفي أول أسبوع العرس تقوم النسوة بتنقية الأرز من الشوائب التي تكون مختلطه بها, او تقوم ""بفتل الشعيريه"" لخلطها مع الأرز _وذلك اذا كان الوضع المادي لأهل العرس متوسط, مما يحول دون إمكانية تقديم وجبة الغذاء من الأرز الخالص, نظرا لارتفاع ثمن الأرز الذي كان يصل فلسطين عن طريق موانئ حيفا وعكا كما يصلنا بواسطة الأغاني النسائية.
تقول مطلع الأغنيه:
مرحبا يا رز من حيفا
واللي جاب الرز من حيفا...
أما الأغنية التي كانت ترافق تلك العملية ""تنقية الأرز أو فتل الشعيرية"" فكانت أغنية لها خصوصية أنها أغنية ""غير موقعه"" بمعنى أنها مطاطة لا تخضع للايقاع اذ تكون الأيدي التي سترافق الأغنية للتسقيق مشغوله.
تقول مطلع الأغنية:
يا مين يعاونا ويا مين يعينا
ويا مين يرد الحمل لو كان مايل...
ولكن ما هو قائم اليوم, تقوم النساء بتحضير المعجّنات وكواير الكبة ولفّ ورق الدوالي وتخزينها في بيت الثلج ""الفريزير"" قبل أسابيع من موعد العرس لاستهلاكها في ليالي التعاليل.
أما الأسبوع الذي يسبق يوم العرس, فيكون أسبوع التعاليل اذ تقوم به النساء دون الرجال, والسبب أن كل يوم من ذاك الأسبوع كانت النساء تقوم بالأعمال أنفة الذكر بالتحضير لليوم الكبير, يوم العرس. وعند الغروب كانت النساء والبنات تتجمع في دار العريس لتغني مختلف الأغاني التي تناسب الحدث.
من هذه الأغاني أو بعضها:
يما دار الفرح محلها
هنية والفرح جوتها
يما دار الفرح مكوسها ( كلمة كويّس بمعنى جميل)هنية والفرح دايسها...
أو
تستاهلي يا ام العريس الفرج
تستاهلي الذبّاح ع بوابيكي
ويضل يذبح تا يلوح الصباح
تستاهلي يا ام العريس الفرح
تستاهلي الدقّاق ع بوابيكي
ويضل يطبل تا يلوح الصباح...
ومن الجذير بالذكر انه خلال ليالي التعاليل كانت النساء تقوم بتقديم بعض المشاهد التمثيلية الهزلية التي غابت كليا عن ليالينا, منها ان تقوم احداهن بالنطّ والقفز وهي تقول:
اخضر يا قرين البامية
طيّب يا قرين البامية
جوزي تجوز عليّي
وانا صبية وكامله
وعندما تقول:
لما قالو تجوّز وحده
أصبحت هيك قايله
( حيث تقوم بالانحناء قليلا )
وتواصل:
لما قالو عنها حبلى
أصبحت هيك قايلة
(وتزيد من الانحناء)
ولما قالو جابت صبي
أصبحت هيك قايله
(تزيد أكثر بالانحناء حتى تكاد تصل الأرض)
لما قالو مات الصبي
اصبحت هيك قايلها
(عندها تنهض وتبدأ بالرقص)
من الطقوس التي كانت شائعه ما يسمّى ""رحلة الكسّاية"" وهو سفر العروس وبعض النساء والبنات من اهل العريس لشراء قطع القماش التي ستفصّل منها العروس ثياب العرس والتي كانت تحتوي سبعة قطع من القماش بألوان مختلفه بينها ""البدلة البيضا"" أي فستان الفرح, وكذلك ""البدلة السمرا"" وفي نفس المشوار كانت ام العريس تشتري قطع من القماش لأخوات العريس وبعض القريبات تسمى ""هدم الولايا"" ولهذه المناسبة كانت النساء تغني:
قولو للتاجر يفتح الدكّانه
تنقصّ البدلة لام عيون ذبلانه
قولو للصايغ يفتح الدكّانه
تا نوخد صيغه لام عيون نعسانه
يا رايحه لام العريس قوليلها
عريسنا نزل الزفّه عريان
ودّيتلو ميتين بدله مسفّطه
يلبس ويلبّس جميع الشبان....
وليالي تعاليلنا اليوم تكون اشبه بسهرة العرس, اذ يتجمع المدعوون في بيت العريس أو في احدى القاعات ويكون الغناء والرقص ومكبرات الصوت التي تصم الاذن
اما دور الشباب والشيوخ فيبدأ بليلة السهرة بمرافقة ""الحدّاء"" الذي كان يحيي الليلة بغناء مجموعة من الأبيات التي تمجّد وتمدح العريس ووالده ثم يأتي على ذكر ومدح اهم المدعوين الحاضرين من الضيوف.
ثم يبدأ الحدّاء بدعوة الشباب للدبكة التي تمتد لساعات في الساحة العامة أو في ""البيادر"" بعدما يتم طقس ""زيانة العريس"" الذي يشارك به الشباب والنساء اللواتي يغنين للمناسبة بعض الأغاني الخاصة ومنها:
بمواس الذهبية احلق يا حلاّق
تا تيجي الأهلية تمهل يا حلّاق
ملاحظه مهمة:
الهدف من طقس الزيانه هو لاظهار ما معناه أن العريس على الرغم من عمره الصغير هو كامل الرجولة وقادر على الزواج, مع العلم أن عمر العريس كان حوالي أربعة عشر عاما حيث لم يكن شعر لحيته قد برز بعد.
اما قمة طقوس العرس فهو الزفّه التي كانت تجوب انحاء القرية بينما تكون ""الفارده"" (مجموعة النساء) قد قصدت بيت العروس لمرافقتها اما لبيت عريسها لدى المسلمين أو للكنيسة لتتم مراسم الاكليل لدى المسيحيين
كيف كنا ندعوا للعرس؟
عندمت يتحدد موعد العرس, كان يخرج المنادي ينادي اهل البلد ويقول: في يوم كذا سيكون عرس فلان ابن فلان, تفضلوا عالعشا والسهره والزفه والعاقبه للعايزين.
والمنادي هو رجل يتحلى بصوت جهوري كي يصل صوته لكل ارجاء الحارات, ولم يأتي ذكره في الأغاني النسائية سوى في اغنية للإعلان عن مولود قد ولد بعد عدد من البنات.
تقول تلك الأغنية:
اربع مراكب سايره
وبيناتهن شخطوره
طلع المنادي ينادي
يا جابر المكسوره.
أما المدعوون من خارج البلد فيقوم والد العريس بالوصول لبيوتهم ودعوتهم مما يبين واجب حضور العرس.
وهنالك جانب آخر من اشكال الدعوات للعرس, اذ تقوم ام العريس بحمل ""صرر"" الحناء (الصرة هي قطعة من القماش تحوي ما يساوي كفة اليد من المواد, وهنا من الحناء) وتطرق أبواب الأقارب وتدعو النساء والصبايا من الكناين والبنات وتعطي لكل واحده صرة والهدف دعوتهن للمساعدة في العرس, فتقوم ""ست البيت"" باعطاء ام العريس حزمه
من الحطب, او تعدها بكمية من الماء التي ستجلبها من عين البلد, او تعيرها ( الحمار) ليساعدها في نقل حاجياتها للبيت. وهنا نعرف معنى المثل القائل:
ليش بعزمو الحمار عالعرس؟ يا لزقّ الميّ يا لزقّ الحطب (زقّ: نقل)
اما في حاضر أيامنا فنقوم بطباعة بطاقات الدعوة بأشكال واحجام مختلفة ونقوم بما يشبه المباراة من بطاقة عرسه أكبر وأكثر أناقة.
أما اخر تقليعة فهي الدعوة على صفحات التواصل الاجتماعي.
ملخص الموضوع العرس بين الماضي والحاضر
ان العرس كان مناسبة للإنتاج واليوم هو مصدر رهيب للاستهلاك.