بكفي حاملة دمي على كفي …نضال تكاملي وثورة مجتمع نحمي ثورتنا ونستمر فالجدوى في الاستمرارية
عندما أُقِرَّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء في الأمم المتحدة اختير الخامس والعشرين من شهر نوفمبر للتذكير بيوم إعدام الشقيقات ميرابال المناضلات السياسيات اللواتي قدن ثورة ضد دكتاتور الدومينيكان، عارضت الأخوات دكتاتورية رافائيل تروخيو في جمهورية الدومينيكان وقدن أنشطة سرية ضد نظامه في محاولة لتحرير شعبهن من الظلم والطغيان. فاغتيلت الأخوات الثّلاث من الأخوات الأربع (باتريا، مينيرفا، ماريا تيريزا) في 25 نوفمبر 1960. ومع هذا لم تتوقف الثورة وتم تحرير جمهورية الدومينيكان من الطاغية. تحيي النساء حول العالم هذه الذكرى النضالية سنويا، ببرامج عدة منها التوعوية ومنها النضالية.
والبعض قد يسأل لماذا نحيي هذه الذكرى سنويا ويتم تخصيصها للنساء عينيا بوجود جو عام من العنف في مجتمعنا عامة!
يتواصل العنف ضد المرأة جسديا وجنسيا ونفسيا واقتصاديا وعلى أكثر من مستوى: على يد السلطات بتجاهلها وإهمالها لحماية النساء المتعرضات للعنف والاضطهاد فقط لكونهن نساء. من المعطيات الصادمة التي قدمت بالبحث الأخير الذي قامت به جمعية نساء ضد العنف بالتعاون مع مركز الطفولة ولوبي النساء من قبل المحامية والباحثة شيرين بطشون، بما يتعلق بعلاج الشرطة لقضايا قتل النساء تشير أن فقط في 34% من جرائم قتل النساء العربيات تم التوصل للمجرم وقدمت لوائح اتهام مقابل 75% في المجتمع اليهودي، أي إن المجرم يبقى حرا طليقا في معظم الحالات ما يعطي تفسيرا جزئيا للمعطى الصادم بما يتعلق بنسبة النساء الفلسطينيات اللاتي قتلن في السنوات العشر الأخيرة، حيث تجاوزت ال 58% من مجمل النساء في البلاد بينما نسبتهن لا تتعدى ال 19% في المجتمع إجمالا، فحيث لا يوجد رادع لن تتوقف الجريمة. بالإضافة للنقص الصارخ في الأطر العلاجية وأطر الحماية فحتى الآن يوجد فقط مأويان للنساء العربيات المعنفات وأطفالهن وثلاثة مختلطة (عربي يهودي) من مجمل 16 مأوى بينما تبلغ نسبة النساء الفلسطينيات في المآوي 45% من مجمل النساء. كما ولا تزال النساء تعاني في مجتمعنا من كافة أشكال العنف بوجود النظم المجتمعية الذكورية المجحفة بحق النساء التي تبيح استغلالها وقمعها والسيطرة على مواردها المادية.
انطلاقا من قناعتنا أن تضافر الجهود في القطاعات المختلفة الفاعلة في المجتمع من تربية وتعليم وصحة وتخصيص الميزانيات اللازمة وإنفاذ القوانين نستطيع بناء مجتمع مبني على العدالة المجتمعية مجتمع آمن لجميع أفراده اخترنا في هذا العام في جمعية نساء ضد العنف أن نكرس هذا اليوم للإشادة وتعميق النضال ليأخذ شكلا تكامليا تتضافر به قوى المجتمع من مؤسسات المجتمع المدني النسوية والحقوقية، الأحزاب، السلطات المحلية ممثلة بلجنة الرؤساء، الأطر النقابية ، المؤسسات الإعلامية والهيئات الشبابية ،لنبذ ظاهرة العنف ضد النساء واستخدام السلاح.
إن العنف ضد النساء هي قضية مجتمع بأكمله تعكس واقعا مؤلما تعيشه وتعاني منه آلاف النساء، والمسؤولية لمكافحته تقع على عاتق مجتمعنا بجميع أفراده وقياداته السياسية، الدينية والاجتماعية لذلك كان لا بد من التجنّد للنضال ضد العنف الممارس على النساء بشكل واضح وصريح وبدون تأتأة. فبالإضافة للدور الريادي لمنظمات المجتمع المدني النسوية والحقوقية منها برصد الظاهرة متابعتها فالمجتمع المدني أخذ دورا فاعلا على مدار السنين بالعمل التكاملي الجمعوي في عدة مجالات كالمرافعة المحلية والدولية، وتوفير الحماية وإقامة الأطر العلاجية والتوعوية التربوية ارتأينا أيضا تفعيل دور القيادات السياسية ممثلة بلجنة المتابعة والأحزاب فنحن نؤمن أن دور الأحزاب لا ينحصر فقط بالمعارك السياسية وإنما أيضا بالمعارك الاجتماعية لذلك وجود الأحزاب وانضمامها للوقفات الاحتجاجية هو أمر طبيعي ومن المفترض أن يدرج ضمن أجندتها الحزبية وفعالياتها النضالية فالنضالات لا يمكن تجزئتها.
وانطلاقًا من إدراكنا أن قضية العنف ضد المرأة هي قضية ثقافية في جوهرها، وإيمانًا بأهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في تشكيل الأفكار والتأثير في الثقافة الاجتماعية وينعكس من خلال الخطاب الذي يتجلى في أغلب مستويات الحياة، كان لابد من انضمام هذه الركيزة الاساسية في نضالنا المجتمع للإعلام دوره في تغيير الثقافة المجتمعية المتحيزة ضد المرأة وفي مناهضة كل التيارات التي تنتهك كرامتها الإنسانية. وله دوره الهام في دعم حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع لاسيما في مواجهة الثقافة التقليدية والأعراف والعادات المناهضة للمرأة والتي تعتبر من أهم مصادر العنف ضدها، ودور الإعلام في إبراز الخطابات الإيجابية بشأن المرأة ورفع قضاياها على الأجندات العامة.
التقينا جميعا متكاتفين رفعنا صوتنا عاليا ضد الشرطة وتقاعسها في تقديم الحماية للنساء وفي تقصي الحقائق ومعاقبة المجرمين ومن يشد على أيديهم. حيث إن جرائم قتل النساء بغالبيته العظمى هي جرائم كان يمكن منعها لو أن الشرطة والمؤسسات المسؤولة بحماية النساء قامت بواجبها تجاه المرأة بمهنية ودون تقاعس. وضد الأنظمة الذكورية الرجعية التي تبيح قمع النساء.
التقينا لنستذكر نساء سلب حقهن بالحياة ونقول بكفي. لا نريد ضحايا بعد اليوم.
صرخنا سويا أن قتل المرأة قتل لمجتمع بأكمله. وأن قاتل المرأة مجرم بحق الإنسانية وأن كل من يصمت عن الجريمة هو شريك بها وصمته يساهم ويمهد للجريمة القادمة.
إن نضالنا هو نضال من أجل مجتمعات آمنة لجميع أفرادها، مكافحة العنف ضد النساء هو قضية وطنية من الدرجة الأولى، احتلال الوطن والهيمنة على كافة مناحي الحياة للمرأة يتشابهان، أستطيع أن أجزم بأن الهيمنة على المرأة تحتسب بنظري من حالات الاستبداد الأولى في التاريخ، الكثير من المرات تم استغلال أجسادنا, قوتنا, تعبنا وجهدنا وإبداعنا لصالح النظام الذكوري .
اجتمعنا بكل أطرنا لنؤكد أن نضالنا المشترك وجدوى استمراره ذو أهمية قصوى لتشكيل صورة حضارية تقدمية تعمل على حماية حقوقنا تدافع عن كرامتنا جميعا وتعلي القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
كاتبة المقال: نادرة أبو دبي - سعدي وهي ناشطة نسوية ومركزة مشاريع في جمعية “نساء ضد العنف".