السيطرة والأسرلة شل العمود الفقري لحراك النقب التحرري
تبنت إسرائيل كنظام استعماري أساليب من سبقها من الأنماط الاستعمارية العالمية وخصوصاً الفرنسي وتفننه في محاولات فرنسة الجزائر عبر هندسة وعي القيادة ومنع النخب من بلورة شريحة وسط تشكل العمود الفقري للحراك التحرري والتغيير الاجتماعي التاريخي.
تقفياً بذلك طبقت إسرائيل استراتيجية السيطرة البنيوية هذه من خلال الاسرلة القسرية والدمج الانتقائي ايضاً لمنع النخب من بلورة شريحة الوسط وأخذ دورها التاريخي كقائدة للحراك الاجتماعي والسياسي في وقت عززت فيه سياسة العزل الانتقائي للنخب الوطنية الملتزمة التي تصدرت القوائم السوداء للتصفية السياسية والوظيفية. في هذا السياق عملت إسرائيل على نقل مشروع الأسرلة خطوة خطوة من حالة السلوك القسري النابع من الخوف زمن الحكم العسكري وما بعده الى اسرلة الوعي وذلك من خلال مناهج التعليم وهندسة القيادة وبلورة وعيها بما يشمل الاسرلة السياسية الحزبية بتعزيز الخطاب السياسي من داخل المواطنة الجمهورانية اليهودية والترويج لها كمواطنة ليبرالية تربط بين المكانة المدنية وبين حل الدولتين لشعبين دون نزع الصفة الصهيونية الكولونيالية وطبيعة نظام اليودقراطية وديمقراطية الشعب السيد عن إسرائيل. بعد أوسلو واسقاطاته الكارثية على القضية الفلسطينية وبعد فشل الربيع العربي وتعميم التطبيع مع الدول العربية، تعززت حالة اسرلة الوعي إذ أصبح الخلاص الفردي والاندماج الوظيفي غير المسيس سمة المرحلة.
وإذا كانت هذه الحالة عامة في المجتمع العربي إلا أن اسقاطاتها كانت وما زالت أعمق في النقب لكونه شكل تاريخياً أضعف الحلقات الفكرية والسياسية في المجتمع الفلسطيني.
فغير التحكم بمجموعة الدمج الانتقائي الفردي الوظيفي وأخطرها في جهاز التربية والتعليم، عملت إسرائيل على خلق بنية تحتية مؤسساتية لهندسة الوعي وصناعة القيادة الاجتماعية والسياسة في النقب. منها من يعمل مبطناً لاستقطاب الشباب الوطني وظيفياً وتحييده خطوة خطوة عبر التحكم برغيف الخبز ومنها من يعمل علناً. نذكر هنا بعض النماذج وليس كلها:
جمعية نجوم الصحراء:
أسسها رجل الاستخبارات الإسرائيلية متان يافيه وما زال يترأسها بالتعاون مع شخصيات عربية من الحركة الإسلامية الجنوبية والقائمة الموحدة بقيادة منصور عباس والتي تشكل الحاضنة الاجتماعية والسياسية لهذه الجمعية. نموذج استوحته إسرائيل من تجربة فرنسا مع ""الحركيين"" في الجزائر.
تؤكد جمعية نجوم الصحراء في برنامجها على هدفها الاستراتيجي لاستبطان الحركة الجماهيرية بقولها: ""ندرك ان التغيير يجب ان ينبثق من الداخل بالتالي نحن نبلور الجيل القيادي الجديد في منطقة النقب."" وعليه تعمل هذه الجمعية من خلال أربعة برامج كبيرة وهي:
مدرسة نجوم الصحراء للقيادة من سن 14-18 عاماً.
برنامج روافد للتعليم اللامنهجي من سن 14-18 عاماً.
دفيئة القيادة والمبادرة من سن 18-19 عاماً.
رائدات: برنامج مكثف مدته عام مخصص للبنات خريجات الثانوية.
شبكة نجوم الصحراء: هي الحيز القيادي للشباب في سن 19-25 والذين تخرجوا من دفيئة القيادة والمبادرة.في هذا العام افتتح منصور عباس ووزير الرفاه الاجتماعي ""ماير كوهن"" حفل وضع حجر الزاوية لإقامة قرية شبابية لهذه الجمعية ومؤسساتها على 60 دونم خارج التواجد العربي بالقرب من كيبوتس ""بيت كاما"" حيث رصد لهذا الهدف مبلغ أولي من الخطة الخماسية لعرب النقب قيمته 16 مليون. في هذا السياق تفهم ميزانية نجوم الصحراء لعام 2020 والتي وصلت ل 26,496,000 شاقل ما يوازي ميزانية جهاز التربية والتعليم برمته في سلطة محلية عربية صغيرة. وهنا لا بد من التأكيد على أن حركة ""عاتيدنا"" في الشمال والجنوب هي نفس النموذج لنجوم الصحراء.
نماذج لعدد من جمعيات الخدمة المدنية في النقب وليس كلها:
شلوميت - שלומית - تجنيد المتطوعين للخدمة المدنية وتوظيفهم في الخدمات الاجتماعية والتعليم. الفئة المستهدفة شريحة عمر 18-24.
الجمعية للمساواة الاجتماعية – העמותה לשוויון חברתי– تعمل في نفس مجال الخدمة المدنية ولقد وصلت ميزانيتها السنوية لعام 2020 ل 18,061,040 شاقل.
الفجر الجديد – השחר החדש – تعمل تحت غطاء تعزيز التربية من أجل السلام، الصبر والتسامح في النقب وخلق فرص عمل. في الواقع يعملون على تجنيد الشابات والشباب للخدمة الوطنية في مدينة رهط. ميزانيتها لعام 2020 وصلت ل 1,234,566.
تستقطب هذه الجمعيات الشباب بشكل فردي ولا توجد لمراكزهم لافتات حتى في البلدات؛ ويدخلون المدارس بشكل مجهول دون التوضيح للطلاب والهيئة التدريسية انهم خدمة مدنية.
لشرعنة هذه التنظيمات تضغط الوزارات المختلفة على فرض عمل وتطوع مجنديها في المؤسسات العامة وخاصة وزارة المعارف من خلال توجيه الأوامر المباشرة للمدراء والكثير منهم يتجاوب مع ذلك. وهنا لا بد من التأكيد على أن بعض من تخرج منهم قد تسللوا لبعض المواقع القيادية منها مكاتب رؤساء سلطات محلية في النقب.
* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن ""فارءة معاي"" أو القيمين\ات عليها.
تصوير: وليد العبره.