الانتخابات الإسرائيلية ومصير نتنياهو

اليوم ستجري الانتخابات الإسرائيلية، التي تتمحور حول سؤال مركزي واحد وهو، هل يحقق نتنياهو ومعسكره أغلبية برلمانية أم لا؟ وتدل معظم استطلاعات الرأي على أن نتيجة الانتخابات المرتقبة ستكون تعادلا بين من هم مع نتنياهو، ومن هم ليسوا معه، وإذا حدث ذلك فعلا فإن انتخابات سادسة خلال ثلاث سنوات هي أمر ممكن، إلّا إذا انتقل وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس إلى التحالف مع الليكود بهذه الصيغة أو تلك، وفي ظل تسخين المعركة الانتخابية، تزداد احتمالات رفع وتيرة التصعيد الاحتلالي العدواني في الضفة الغربية، والقيام بحملة عسكرية واسعة لتصفية بؤر المقاومة، التي جرى التخطيط لها وتنتظر قرار القيادة السياسية المترددة التي تخشى من أن يكون ذلك «بوميرانج» يرتد عليها سلبا من الناحية الانتخابية.

معسكر نتنياهو

يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى الفوز بأغلبية برلمانية من 61 عضو كنيست فما فوق لمعسكره. ويتكوّن هذا المعسكر من أربعة أحزاب هي الليكود والصهيونية الدينية وشاس ويهودوت هتوراة، وهناك حزب خامس هو «البيت اليهودي» برئاسة وزيرة الداخلية الإسرائيلية أيليت شاكيد، وهو لا يجتاز نسبة الحسم، في كل الاستطلاعات، ويؤرق نتنياهو أن تُهدر عشرات آلاف الأصوات اليمينية، وهو يسعى لسحبها إلى مكان يميني «آمن».

الرياح قد تعصف بسفينة نتنياهو، فإمّا أن يطيح به الجهاز القضائي، أو أن تسقطه الانتخابات، وإن نجا من كليهما فهو يستحق فعلا لقب «الساحر».

القوائم الانتخابية في معسكر نتنياهو هي اليوم أكثر تطرفا وأكثر التصاقا بنتنياهو كقائد وحيد. ويعود التوغل في التطرف إلى أن إسرائيل لا تدفع ثمن التطرف والعدوانية، والدول العظمى والدول العربية تتعايش مع هذا الأمر بسلام، في ظل القصور الفلسطيني، وانهيار النظام العربي، واختفاء الذات العربية الجماعية الفاعلة، على علّاتها، عن المسرح السياسي الدولي. أما الالتصاق بنتنياهو فهو نتيجة لشعبيته الكبيرة لدى قواعد، قبل قيادات، الأحزاب المكوّنة لمعسكره. وتعود هذه الشعبية الطاغية إلى شخصيته الكاريزماتية، وإلى نجاحه في تهميش القضية الفلسطينية ورفع مكانة إسرائيل العالمية والعربية، وإلى تواصل التطور الاقتصادي في عهده وإلى مخاطبته المشاعر العنصرية الدفينة وغير الدفينة في المجتمع الإسرائيلي.


الأمر الحاسم في الانتخابات الإسرائيلية في الأول من نوفمبر هو كم عدد المقاعد التي سيحصل عليها معسكر نتنياهو مجتمعا، وقوّة الليكود وغيره من الأحزاب أقل أهمية من ذلك بكثير. وإذا أخذنا معدّل الاستطلاعات الأخيرة نجد أن حزب الليكود اليميني المتطرف يحصل على 32 مقعدا بالمعدّل، وحزب «الصهيونية الدينية» الفاشي يصبح الحزب الثالث من حيث القوّة (بعد يش عتيد) ويصل إلى 13 عضو كنيست، وتحصل شاس على 8 ويهدوت هتوراة على 7 مقاعد. ولو أن النتيجة المتوقّعة في معظم الاستطلاعات هي تعادل 60 مقابل 60 (الكنيست 120 عضوا)، فإن هناك احتمالا أن تكون النتيجة الفعلية أكثر أو أقل قليلا لهذا الطرف أو ذلك، وبطبيعة الحال لكل احتمال تبعاته وتداعياته.

حكومة يمين أو انتخابات جديدة

هناك ثلاثة احتمالات لنتيجة الانتخابات الإسرائيلية:

  • الأول، أن يحصل معسكر نتنياهو على 61 مقعدا أو أكثر، وعندها سيشكل نتنياهو حكومة مستقرة نسبيا، لتبدأ بتنفيذ مشاريع اليمين المعلنة سلفا، وأوّلها سن قوانين والقيام بخطوات بهدف إلغاء أو تجميد محاكمة نتنياهو. وقد أعلن بتسلئيل سموتريش، رئيس قائمة «الصهيونية الدينية» عن نيّته المبادرة إلى شطب تهمة «الاحتيال وخيانة الأمانة» من كتاب القوانين الإسرائيلية، وأن يكون هذا الشطب بأثر رجعي، كما عبّر قياديون في الليكود عن مخطط تبديل المستشارة القانونية للحكومة، وسن قوانين تمنع محاكمة رئيس حكومة خلال ولايته، وغير ذلك من الإجراءات الكفيلة بحماية نتنياهو من السجن، وبإبقائه على سدة الحكم. ومن الناحية السياسية، ينوي بعض المشاركين في ائتلاف نتنياهو العمل على منح الشرعية القانونية لكل البؤر الاستيطانية وزيادة الاستثمار في المستوطنات وتشجيع السكن فيها. كما تنوي حكومة نتنياهو، إذا قامت، تجديد مشروع الضم، بالأخص إذا وصل الجمهوريون إلى الحكم في الولايات المتحدة.

  • الثاني، أن يكون هناك تعادل تام بين معسكر نتنياهو وخصومه، وفي هذه الحال لن يتمكّن أحد من تشكيل حكومة، إلّا إذا تنحّى نتنياهو جانبا، وانتخب الليكود قائدا جديدا سيكون من السهل جدا عليه إقامة ائتلاف واسع مع الأحزاب الرافضة لنتنياهو، التي بمعظمها لا ترفض قائدا آخر لحزب الليكود. لكن نتنياهو لن يتنحى جانبا إلّا إذا ضمن التوصّل إلى صفقة مع النيابة العامة تشمل محو بنود من لائحة الاتهام وعقوبة مخفّفة ليس فيها سجن فعلي. هذا سيناريو واقعي وممكن، لكن قد تواجهه بعض العقبات، ولا يخرج إلى حيّز التنفيذ. وفي حالة عدم قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة، وعدم توفّر صفقة مع النيابة، فهو سيذهب إلى انتخابات سادسة خلال ثلاث سنوات. هناك أيضا إمكانية أن يحصل تمرد في الليكود وفرض مرشّح بديل لنتنياهو، ولكن هذا الأمر مستبعد حاليا، على الأقل.

  • الثالث، وهو أن يحصل معسكر نتنياهو على 59 عضوا أو أقل ويعجز عن تشكيل حكومة. هنا سيعرض بيني غانتس نفسه بصفته «المنقذ»، ويحاول تركيب حكومة برئاسته تضم الليكود والأحزاب الحريدية، وربما أحزاب أخرى. في المقابل سيحاول يئير لبيد تشكيل حكومة بدعم من أحزاب عربية. هاتان إمكانيتان ضعيفتان والأرجح الذهاب إلى انتخابات جديدة.
    ما الذي سيحسم الانتخابات؟
    لقد أمل لبيد أن يحصل على هدايا انتخابية من حلفائه الديمقراطيين في البيت الأبيض، ولكنّه لم يحصل على شيء سوى اتفاق الغاز، الذي لم يفده انتخابيا، بعد أن نجح نتنياهو بتنفيس «الإنجاز» عبر حملة شعواء مفادها أن لبيد قدّم تنازلات كبيرة للبنان وحزب الله. كما لم يستفد غانتس ولبيد من معركة «طلوع الشمس» ضد غزّة، ولم يسعف غانتس ضمّه لرئيس الأركان السابق جادي ايزنكوط إلى حزبه. وتدل كل الاستطلاعات أنّ الناخبين قرروا موقفهم ولا نزوح للأصوات من معسكر لآخر، وحركة التنقل الوحيدة هي بين أحزاب داخل المعسكر ذاته. وقد يئس غانتس حتى من إمكانية الاستفادة من حملة عسكرية واسعة في الضفة الغربية، حيث دلّت استطلاعات داخلية، أنّها لن تغيّر مواقف الإسرائيليين في التصويت. الانتخابات ستحسم فعلا من خلال عاملين اثنين، الأول نسب التصويت لدى مجموعات الناخبين المختلفة، والثاني هو عدم اجتياز بعض القوائم نسبة الحسم، ويبدو أن نتيجة الانتخابات النهائية تتعلّق بما يقارب 1% من الأصوات، وهي إن ذهبت لإنقاذ قائمة أيليت شاكيد، فسوف يكون لنتنياهو أغلبية، وهناك في المقابل أربع قوائم مناهضة لمعسكر نتنياهو تصارع نسبة الحسم وقد ينقصها بضعة آلاف من الأصوات، وإذا سقط بعضها، سيحصل نتنياهو على أغلبية.

مصير نتنياهو

على الرغم من أن نتنياهو يتمتع بأعلى شعبية في إسرائيل بفارق كبير عن منافسيه وحزبه هو الأكبر والأقوى، فهو يقترب من نهاية حياته السياسية، لأنّه مضطر للتعامل مع محاكمته والذهاب إلى صفقة لتفادي السجن. ومع أنه يفضّل الإفلات من العقاب وإلغاء المحاكمة عبر تغيير القوانين واستبدال مسؤولين في الجهاز القضائي، إلّا أنّه يعرف أن نجاح مثل هذه المخططات محفوف بالمخاطر، وعليه يعد العدّة للبديل المتمثّل في التوصل إلى اتفاق مع النيابة حول تهمهِ وعقوباتها. لقد أصدر نتنياهو هذا الأسبوع كتاب سيرته الذاتية، وهو بمثابة أطول خطاب انتخابات في التاريخ، فيه يمجّد ذاته ويسوق نفسه بأنّه الزعيم الأوحد والوحيد. الكتاب ليس تلخيصا للماضي فحسب، بل هو تمهيد للمستقبل، ولكن الرياح قد تعصف بسفينة نتنياهو، فإمّا أن يطيح به الجهاز القضائي، أو أن تسقطه الانتخابات، وإن نجا من كليهما فهو يستحق فعلا لقب «الساحر»، الذي يُطلق عليه أحيانا. وإذا فاز نتنياهو في الانتخابات، وبقي في الحكم مدّة معينة ريثما يحسم أمر محاكمته، فهو قد يسعى إلى مغامرة تسجل في تاريخه، وهي قد تكون في إيران أو لبنان أو غزّة أو حتى ضم مناطق جديدة في الضفة الغربية. يبدو أن نتنياهو لن ينهي حياته السياسية بهدوء، فهو قبل أن يخاطب الجمهور هو الآن يسجّل للتاريخ الصهيوني وهو في توقٍ إلى مجد يجعله أهم زعماء إسرائيل. ومع أهمية تحليل ما يجري في إسرائيل، إلا أن المذهل والفظيع في المشهد الإسرائيلي هو أنّه يدور فوق أرض فلسطين، وكأنّ لا وجود لشعب فلسطين.


عن موقع القدس العربي.

د. جمال زحالقة

رئيس حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" في أراضي ال48

رأيك يهمنا