المرأة في السياسة– تجربتي كنموذج

تستعرض الباحثة إيزابيل ويلكيرسون في كتابها The Origins of our Doiscontent السياسات الحزبية الأمريكية من منظور ما تسميه "منظومة سياسة الطبقية". السياسي الأبيض الذي ينتمي لطبقة سياسة تساوي بقوتها وهيمنتها أضعاف الطبقة السياسة التي ينتمي إليها السياسي الأسود. وإن كان رئيس جمهورية يدعى براك حسين أوباما.

هذا ما كان أيضا في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الأخير. السياسي اليهودي الذي ينتمي لطبقة سياسية حتما هي أعلى من تلك التي ينتمي إليها السياسي العربي. تماما كنظام الطبقات Cast في المجتمع الهندي القديم. فإن كنت عضو كنيست يهوديا سواء من حزب كبير، أو صغير، أو يساري، أو يميني سيكون لك ثقل سياسي هو ضعف ثقل عضو كنيست عربي ولك الحق في الاعتراض على مشاريع قوانين لا تروق لك، أما العربي فعليه أن يشكر هذا الائتلاف ليل نهار بمجرد قبوله بضمه إليه، لأن السياسة الإسرائيلية، كتلك الأمريكية، مبينة هي أيضا على نظام الطبقية. سادة وخدم.

تعتبر السياسة فضاء عاما يستمر الرجال في الهيمنة عليه. ففي العالم العربي معظم الأحزاب السياسية لا تزال شابة، والأحزاب العربية في كثير من الحالات تستخدم الهياكل المجتمعية للشبكات العائلية الشخصية والانتماءات القبلية أو الإقليمية للنجاح في الانتخابات. علاوة على ذلك، فإن وصول المرأة في العديد من الحالات إلى مواقع صنع القرار والتأثير السياسي والاجتماعي يعتمد على حسن نية قادة الحزب أو قدرتهم على استقطاب أصوات الناخبين. مع ذلك فقد تمكنت العديد من النساء العربيات من إثبات قدراتهن من خلال ترسيخ أنفسهن في مناصب قيادية.

في إسرائيل، أيضا، يهيمن السياسيون الرجال على السياسة. انظروا مثلا إلى تدهور نسبة النساء اللواتي نجحن في ترشحهن للانتخابات الأخيرة أو إلى العدد المتضائل للمرشحات في الأماكن المتقدمة في الانتخابات الحالية. هناك سياسيين يخشون صعود السياسيات الجيدات والمهنيات، اللائي يجلبن معهن جديدًا أنماط العمل والسلوك. نتحدث كثيرا عن ضرورة تغيير تشريعي مخصص حول موضوع التمثيل النسائي المناسب في قوائم الأحزاب المختلفة، ما يسمى بنظام الكوتا. أرى أن هذا الأمر شرط ضروري لكنه غير كاف. فكلما زاد عدد الرجال في الفضاء السياسي الذين يؤمنون بقدرة النساء على تغيير الواقع السياسي، ستمتلك النساء المزيد من الشجاعة لدخول السياسة. وكلما اقتنع الرجال وأيضا النساء بأهمية تولي مواضيع خارجة عن المألوف، سنتجه حتما نحو التغيير المنشود فليس على النساء في السياسة التحدث فقط في مواضيع نسائية- تعليم، رفاه اجتماعي، تشغيل النساء. علينا أن نعترف أيضا أن إحدى العقبات الأساسية في هذا المضمار هو الحاجز العاطفي. على المرأة أن تتخذ قرارا شجاعا أنها تريد المواجهة، ومن أجل التغلب على الحاجز العاطفي، فإن البيئة الداعمة والعامة والشخصية والعائلية والمجتمعية ضرورية.

دخولي إلى السياسة وانضمامي لحزب "ميرتس" كان من منطلق إيماني الصادق بالشراكة اليهودية العربية الندية. لكن حزب "ميرتس" ومع دخوله الائتلاف الحكومي أضل الطريق. عندها قررت أن أبقى صادقة مع نفسي وأن أصوت حسب ما يمليه علي ضميري. قررت ألا أكون "المرأة العربية الجيدة" التي من المفترض أن ترضي رفاقها اليهود. طالبت بالسعي لتولى ملفات شائكة للغاية فقد تسلمت ملف قريتي اقرث وكفر برعم، وقمت بعقد ثلاث جلسات مع رئيس الحكومة لبيد و12 جلسة مع نواب ووزراء في الائتلاف، ولما رأى لبيد التقدم الجدي في الموضوع أخذ يتهرب مني ويتنكر للتفاهمات السابقة. قررت كسر منظومة الطبقية داخل هذا الائتلاف الذي أصر على تمرير قانون المستوطنات، والذي تجاهل السلوك الهمجي والعنيف لشرطة الاحتلال في القدس الشرقية.

عندها كشف الوجه الحقيقي لمعسكر يدعي أنه معاد للفاشية ومناد للسلام. فقد وصلتني آنذاك آلاف الرسائل الالكترونية من مصوتي وأتباع أحزاب اليسار التي تتضمن الشتائم والتهديد بالقتل. ولا أزال حتى الآن متفاجئة من مستوى العنف وازدواجية المعايير.

لقد ذهب هذا الائتلاف إلى أبعد حدود الرياء في أشهره الأخيرة حين دعم أربعة قوانين فاشية جديدة: قانون لجنة القبول للبلدات اليهودية لأورباخ وستروك، وقانون إيلي كوهين الذي يحظر التلويح بالعلم الفلسطيني، وقانون كاتي شيتريت لتشديد العقوبة على رماة الحجارة الفلسطينيين، وقانون إيلي كوهين لمنح الأولوية في التوظيف لمسرحي الجيش. حينها فعليا يقول لك شركاؤك في الحكم: "نريد التوافق معك، ولكن وفقًا لشروطنا، داخل المربع الذي نرسمه لك، لا يُسمح لك بالمغادرة وفي النهاية قولي شكرا". حينها قلت لشركائي في الحكم:" لا". يتهمونني بأنني أسقطت حكومة يسار. وأقول لهم فخورة بكوني تلك التي قلت لا.


الصورة: من الحملة الانتخابية لحزب ميرتس في انتخابات الكنيست ال24، في تشرين ثاني \ نوفمبر 2021.

غيداء ريناوي – زعبي

نائبة سابقة عن حزب "ميرتس" ونائبة رئيس الكنيست سابقًا

رأيك يهمنا