الانتخابات الإسرائيلية ما بين السيئ والأسوأ
من نافل القول أن كل ما يجري في إسرائيل يؤثر على فلسطين، لأنها:
تجسد مشروعا استعماريا استيطانيا قام على حساب الفلسطينيين عام ٤٨، وطرد معظم الشعب داخل وخارج فلسطين، ومارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين الذي وصل الذروة بإقرار قانون القومية العنصري عام ٢٠١٨.
ولأنها شنت الحرب على العرب عام ٦٧، واحتلت الجولان وسيناء وبقية فلسطين وأخذ المشروع الصهيوني شكل الاحتلال للضفة والقطاع، وقامت بضم القدس وتعمل على تهويدها بما في ذلك المقدسات والأقصى بشكل خاص، وضمت الجولان واحتفظت بالاحتلال العسكري بوصفه شكلا أسوأ من أشكال الفصل العنصري، ومنعت قيام دولة فلسطينية على حدود ٦٧، وفرضت الحصار الخانق على قطاع غزة منذ إعادة انتشار قواتها فيه وقطعت أوصال الضفة بتقسيمها أ ب ج ووسعت الاستيطان بمعدلات رهيبة لدرجة أن عدد المستوطنين بالضفة قارب المليون مستوطن، وفرضت التبعية الاقتصادية على الاقتصاد الفلسطيني وقتلت أوسلو وما سمي عملية السلام وتتعامل مع الضفة والقطاع بسقف أمني اقتصادي بدون مضمون ولا أفق سياسي. وتواصل مخطط تصفية اللاجئين الفلسطينيين من خلال رفض حق العودة والتعويض، والسعي لتوطينهم في البلدان المقيمين فيها وتشجيع تهجيرهم إلى بلدان ثالثة، ولتصفية وكالة غوث اللاجئين وتغيير تعريف اللاجئ لينحصر فقط بالذين ولدوا في فلسطين، وهذا يلغي صفة اللاجئ عن معظم اللاجئين.
تأسيسًا على ذلك يكتسب إجراء الانتخابات في إسرائيل دائما أهمية كبرى ليس تعويلا على نتائجها، وإنما لرصد التحولات المحتملة على السياسة الإسرائيلية، فمنذ تحول إسرائيل نحو اليمين الديني والسياسي وانهيار اليسار وما يسمى معسكر السلام بات التنافس في إسرائيل بين اليمين واليمين الأكثر تطرفا، فكما لاحظنا لا يوجد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقة مع الفلسطينيين فروق جوهرية بين حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو عن حكومة برئاسة نفتالي بينت وحكومة برئاسة يائير لبيد،
رغم ما سبق قد تنطوي الاحتمالات والنتائج التي ستفضي إليها الانتخابات عن تغيير مهم سواء إذا فاز اليمين برئاسة نتنياهو لأن الحكومة ستكون أكثر تطرفا لان الحزب الثاني من حيث الحجم سيكون حزب "الصهيونية الدينية "بزعامة بن غفير وريث كهانا وصاحب برنامج الترانسفير ولاحظنا كيف أن "أبو يائير" كما جاء في كتابه الذي سيصدر حديثا مستعد للذهاب نحو خطوات ضم مناطق في الضفة وكيف أنه أقنع ترامب بذلك ثم تراجع الرئيس الامريكي السابق عن موافقته، أو إذا شكل اليمين بدون نتنياهو حكومة واسعة تحظى بثقة أكثر من ٨٠ عضو كنيست ستكون أكثر قدرة على تنفيذ سياسات أكثر تطرفا، لأن استبعاد نتنياهو إذا لم يستطع تشكيل حكومة سيمكن خليفته من إقناع معظم أحزاب اليمين بالمشاركة بالائتلاف الحكومي حيث أن بعض أحزاب اليمين تعترض على شخص نتنياهو ومستعدة للمشاركة في حكومة مع الليكود إذا لم يرأسها نتنياهو، وسعيه لفرض قيود على "الديمقراطية اليهودية" المتجسدة في إسرائيل، وخصوصا على المحكمة العليا تتسم بالدكتاتورية وليس على سياساته اليمينية.
وفي كل الأحوال إذا تشكلت حكومة برئاسة لابيد أو غانتس سنكون أمام حكومة يمينية بالنسبة للفلسطينيين تدعي أنها حكومة مركز يسار، أما إذا فاز نتنياهو وشكل الحكومة أو تشكلت حكومة يمينية موسعة بدونه سنكون أمام سياسة إسرائيلية أكثر تطرفا وسيزيد الطين بلة إذا فاز الحزب الجمهوري الأمريكي في الانتخابات النصفية في الشهر القادم، وإذا عاد ترامب لسدة البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو جمهوري على شاكلته ما يستدعي الاستعداد لمثل هذا السيناريو الواقعي منذ الآن.
وحتى نعطي أهمية للاستعداد للسيناريوهات المتطرفة نذكر أولا بما جاء في مقال بقلم يورام يوفال في هآرتس تناول فيه كيف سيتم طرد٢٠٠ ألف من عرب إسرائيل خلال يومين، في العام القادم، إذا فاز اليمين في الانتخابات القادمة حيث يمكن أن يكون في هذه الحالة سموترتيش وزيرا للدفاع، بن غفير وزيرا للعدل وتسفي فوغل وزيرا للأمن وثلاثتهم من غلاة المتطرفين، حاثا العرب على زيادة نسبة التصويت لمنع هذا السيناريو.
ونذكر ثانيا بما جاء في دراسة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي وهو ليس محسوب على التيارات الأكثر تطرفا، حيث أوصت في حال نشوء حالة فوضى وتوقف أداء السلطة بأن تنتقل إسرائيل الى سياسة المبادرة لفرض وقائع على الأرض أبرزها، تحديد شخص لخلافة عباس والسعي لتنصيبه، وستكون هناك فرصة لضم أراض في المنطقة "ج" لإسرائيل، ولتشجيع تقسيم الضفة إلى كانتونات ورعاية قيادات محلية ودفع الخيار الأردني واعتراف إسرائيل بحماس وإجراء اتصالات معها وتشجيع انتخابات والافراج عن مروان البرغوثي كقائد قوي مقبول على جميع الفصائل.
أعتقد أن ما تقدم بالغ الدلالة ولا يحتاج إلى تعليق سوى أن ضعف وانقسام وتوهان القيادات والفصائل والنخب الفلسطينية بدون مؤسسة وطنية جامعة ورؤية شاملة واستراتيجيات موحدة وقيادة واحدة وبدون قرار وإرادة، سيشجع الإسرائيليين على المضي بفرض الحل الاسرائيلي بصيغه المختلفة التي لا تختلف جوهريا عن بعضها البعض إزاء الفلسطينيين، بغض النظر عمن يحكم اسرائيل، والعكس من ذلك صحيح، فإنهاء الانقسام ووحدة المؤسسة والإرادة والبرنامج والعمل سيفرض إرادة وحقوق الفلسطينيين على الإسرائيليين بغض النظر عمن يحكمهم.
د. هاني المصري
كاتب ومحلل سياسي ورئيس المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية - مسارات