مع اقتراب الأول من أيار 2022: هل النقابات المهنية ذاهبة للزوال أم للتجديد؟!

يجمع المراقبون لنشاط وتنظيم النقابات المهنية ودورها في الإطار الوطني المحلي أو المستوى الإقليمي والعالمي، أن هذه النقابات في هبوط كبير ومستمر في العقود الثلاث الأخيرة. وينعكس هذا الهبوط على مستوى عدد المنتسبين للنقابات عموما، وبعمق الهوة بين العمل المنظم والعمل غير المنظم، وبعمق الهوة بين عمال منظمين أقوياء وذوي نفوذ مقابل نقابات منتظمة لكنها ضعيفة التأثير. وغيرها من الانعكاسات.

أما الفشل الأكبر للنقابات فكان بعدم أخذ أي دور فاعل ومؤثر بأزمتين كبيرتين: الأولى بكل ما يتعلق بجائحة كورونا وتأثيرها على سوق العمل والعاملين: والثانية موضوع الهجرة العالمية لسوق العمل وكيفية التعامل معها.

خلفية

يتطور عالم العمل بصورة مستمرة نتيجة للتغيرات الديموغرافية والتكنولوجية وتكامل الاقتصاد العالمي والهجرة والسياسة. وتقدر منظمة العمل الدولية عدد العاملين على مستوى العالم والتي تبلغ أعمارهم 15 عاما فما فوق بثلاثة مليارات شخص. يعمل ملياران تقريبا أو 61.2 % منهم بشكل غير نظامي وغالبا ما يكون ذلك في القطاع غير النظامي المتمثل في شركات غير مسجلة أو العمل لحسابهم الخاص، وتقدر منظمة العمل الدولية نسبة البطالة بحوالي 192 مليون شخص حيث لا يزال العالم يتعافى من صدمة الأزمة المالية في عام 2008 وتؤدي الاتجاهات الديموغرافية الحالية إلى ضخ 40 مليون شخص إلى سوق العمل كل عام. وتختلف معدلات النمو السكاني اختلافا كبيرا عبر مناطق العالم ومن المتوقع أن تصبح إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وكذلك جنوب آسيا موطنً ا لنسبة 38 %من القوى العاملة العالمية بحلول عام 2030 بعد أن كانت تمثل 26 %في عام 1990، حيث إن تلك المنطقتين تعتبران موطنًا لغالبية العمال الفقراء والضعفاء في العالم، فمن المتوقع تزايد متوسط الحصة العالمية من العمال المتضررين من ظروف العمل السيئة ما لم يتم إحراز تقدم كبير في مجال تحسين جودة الوظائف في كافة أنحاء العالم وخاصة في تلك المناطق.

ومن بين الثلاثة مليارات شخص في سوق العمل، فإن 516 مليون منهم أو 17 %من الأعضاء المنظمين نقابيا. وباستثناء النقابات العمالية في الصين، والنقابات العمالية في بيلاروس وكوبا يصل إجمالي عدد الأعضاء في النقابات العمالية في العالم إلى 214 مليون ويبلغ معدل الكثافة في النقابات حوالي 10 % فقط.

باختصار، ينضم شخص واحد إلى نقابة عمالية من بين كل عشرة أشخاص عاملين وشخص من بين كل ستة عاملين في أماكن عمل منظمة ورسمية.

سيناريوهات مستقبلية

هناك أربعة سيناريوهات مستقبلية محتملة:

التهميش التدريجي للنقابات العمالية من خلال الاستمرار في التوجهات الحالية مع انخفاض معدلات إنشاء النقابات والانضمام لها فتصبح النقابات العمالية أقل أهمية وقوة في تشكيل أسواق العمل الناشئة الجديدة).

ازدواجية التمثيل والسياسات الخاصة بالنقابات. عوضا عن حدوث تدهور تدريجي، ستقوم النقابات بالدفاع عن مركزها وتقاوم من منطلق قوتها الحالية في الشركات الكبيرة، والعمال المهرة والحرفيون في مجال الصناعة والترتيبات اللوجستية، والمتخصصون في القطاع العام والخدمات الاجتماعية. وفي ظل ظروف زيادة عدم الاستقرار في العمل، فإن هذا ينطوي على تمييز حاد بين الشركات النقابية وغير النقابية مع حصول الشركات النقابية على حصة أقل.

الإحالة حيث تترك النقابات بصورة تدريجية المجال لأشكال أخرى من العمل والتمثيل الاجتماعي بناء على التشريعات (ضمانات بحد أدنى للأجور وأجور المعيشة، ومجالس العمل، ومجالس الانتاجية وهيئات تحكيم ومراجعة، ومبادرات أصحاب العمل والمشاركة ونماذج المشاركة. شركات قانونية ووكالات العمل الوسيطة واستشاريون وأشكال عفوية وغير متصلة من العمل الاجتماعي والمجتمعي.

إحياء دور النقابات، حيث ستتوصل النقابات إلى طريقة لتعزيز الممارسات الحالية لتجديد النقابات العمالية، وتغيير الاتجاه الحالي، وتنشيط النقابات، والتوسع للوصول إلى ما يتجاوز قاعدة العضوية الحالية، والنجاح في تنظيم أجزاء من القوى العاملة الجديدة غير المستقرة في الاقتصاد الرقمي. أي باختصار قراءة سوق العمل المتغير في عالمنا المربك والمركب، والتوصل إلى صيغة جديدة وتعريف دقيق لدور النقابات والتحديات المنوطة بها.

ملامح أساسية لسوق العمل حتى 2040

مرونة عالية في التنقل من مكان عمل لآخر بمدة زمنية قصيرة، مع عدم الالتزام بمكان عمل واحد. خاصة مع ارتفاع العمل من البيت.

ازدياد مضطرد لسنوات العمل مع ارتفاع سنين المعيشة، توسع كبير لمشاركة النساء في سوق العمل.

انقراض العديد من المهن التقليدية وظهور جديدة مكانها لتحتل الصدارة.

ازياد غير عادي في المهن الفردية (فري لانسر)، مع كل ما تحمله هذه الظاهرة من انعكاسات على سوق العمل، وبالأساس على علاقات العمل.

ازدياد كبير في هجرة العمالة، خاصة من الدول الفقيرة والتي لا تنعم بالاستقرار الأمني. وبالذات من أفريقيا وجنوب آسيا.

في الختام، يشهد عامنا اليوم تغييرات مفصلية وعلى رأسها تغير العالم من هيمنة أمريكا الأحادية إلى عالم متعدد الأقطاب، الأمر الذي سيعكس أثره على سوق العمل وبالتالي على دور النقابات المهنية وتحدياته. فهذا الامر يحتاج لمتابعة وتحليل مستقبلي آخر.

د. سهيل دياب

دكتور في العلوم السياسية وناشط سياسي ونقابي

شاركونا رأيكن.م