النساء العربيات في سوق العمل: ما بين الحق والواقع
"المحامية مها شحادة - سويطات
قبل أسبوع من كتابة هذه السطور، توجهت إليّ عبير، أم لثلاثة أطفال، مشتكية إقالتها من عملها وعدم حصولها على تعويضات إقالة. أقيلت عبير من عملها كسكرتيرة بسبب تقليصات قام بها مكتب الهندسة المعمارية، بعد أن عملت فيه على مدار ثلاث سنوات. من خلال حديثي معها تبينت الحقيقة المؤلمة، أنها حُرمت من حقوقها الأساسية: حقها في عطلة سنوية، في بدل نقاهة، في أيام عيد، في مرضية ومخصصات التقاعد، لتصل قيمة مستحقاتها هذه إلى مبالغ كبيرة، تفوق تعويضات الإقالة.
تمثل قضية عبير مكانة ووضعية النساء العاملات بشكل عام والعربيات بشكل خاص في سوق العمل، الذي ازداد سوءا في العامين الأخيرين بسبب جائحة الكورونا وما أدت إليه من أزمات اقتصادية وإقالات واسعة الانتشار. عبير ليست وحيدة، إذ تصلني مئات التوجهات سنويا، لنساء عاملات حرمن من حقوقهن الأساسية التي ينص عليها قانون العمل. وبالرغم من نضالات حقوقية على مدار سنوات عديدة والمطالبة في العدالة للعاملات من قضية الرواتب لظروف العمل وساعات العمل الطويلة، إذ لا يزلن النساء في سوق العمل في العام ٢٠٢٢ يحصلن على رواتب أقل من الرجال، وحتى أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور، ويعملن في وظائف جزئية ومؤقتة، لدى مقاولين أو في وظائف لا تناسب مهاراتهن وعلمهن. حقوقهن تُمسّ، يعانين من تمييز على أساس جندري، ديني، وقومي، بسبب الأمومة والحمل وحتى بسبب مكان سكناهن. وعندما يواجه السوق أزمة ما، فالنساء العربيات أول من يقال وآخر من يعاد.
بالرغم من ظروف التشغيل المسيئة والمخالفة للقانون إلّا أن قلة قليلة من العاملات العربيات تقوم بالمطالبة في حقوقها أو التوجه الى القضاء لأسباب عديدة، على رأسها نقص الوعي للحقوق، شح الأدلة والثمن الباهظ والموارد المادية والنفسية لمواجهة العقبات والعوائق التي تمنعهن من مقاضاة المشغل. من الصعب على العاملات إيجاد القدرة المادية للدفع لمحامي، ولا الوصول للمحكمة للجلسات ولا القدرة على ممارسة وفهم اللغة العبرية، ناهيك عن نظرة المجتمع والبلدة والحارة لهن إذا تجرأن الاشتكاء على المشغل الذي يكون أحيانا من ذات البلد أو الحارة. فالعاملة العربية تدفع ضريبة مادية وأيضا اجتماعية للمطالبة بالحقوق الأساسية التي يضمنها القانون.
الا أنه بالرغم من التحديات والصعوبات، هنالك الكثير من النجاحات. على سبيل المثال حصلنا مؤخرا على قرار محكمة مهم وغير مسبوق. إذ ألزمت محكمة العمل سلطة الاثار وشركة مقاولة (شركة قوى عاملة)، دفع عشرات آلاف الشواقل لعاملة عربية تعويضا على المسّ الشديد في حقوقها. حسنية، هي امرأة عاملة مناضلة في سنوات الخمسين من عمرها، عملت ما يقارب الأربع سنوات بالحفريات بسلطة الاثار من خلال شركة مقاولة (شركة قوى عاملة)، بظروف تشغيل صعبة وبأعمال شاقة جدا بالرغم من سنها المتقدم. عملت حسنية لمدة 8 ساعات يوميا وتقاضت 150 شيقل فقط كراتب يومي، نقدا في مغلف أبيض، دون أي حق إضافي من الحقوق الأساسية التي تضمنها قوانين العمل، كالحد الأدنى للأجور والعطلة السنوية وصندوق التقاعد وغيرها من الحقوق. حسنية كغيرها من النساء العربيات العاملات، لم تحصل أيضا على وثيقة تفصل ظروف عملها ولا على اتفاقية عمل ولا على قسيمة راتب، وبعد إنهاء عملها لم تحصل على أيّة تعويضات. حسنية لم ترض بهذا المسّ الصارخ، إذ توجّهت مرارا وتكرارا للمشغلين مطالبة بحقوقها دون جدوى.
لذا قمنا بالتوجه لمحكمة العمل مطالبين أولا بالاعتراف بحسنية كعاملة سلطة الاثار بتشغيل مباشر، لا كعاملة شركة المقاولة، وبتصحيح الغبن وتعويضها عن كافة الحقوق التي يضمنها القانون. وهنا برزت أمامنا العثرات والتحديات التي تعانيها النساء العربيات العاملات في طريق تحصيل حقوقهن. حسنية اضطرت للحضور للمحكمة عدة مرات ولمواجهة المشغلين وأكاذيبهم وألاعيبهم وتنصلهم من كافة حقوقها ومن فترة عملها وظروف تشغيلها. حسنية اضطرت لدفع ثمن باهظ مادي ومعنوي لتجميع الأدلة ولإثبات قضيتها وحقها. واضطرت رفض التسويات الزهيدة التي عرضت عليها من قبل المحكمة والأطراف إيمانا بصدقها، حتى حصلت على قرار محكمة غير مسبوق وبغاية الأهمية، لا يضمن حقوقها فقط، بل يعترف بوجود علاقة تشغيل مباشر بينها وبين سلطة الآثار ويرفض طرق التشغيل المسيئة التي عانت منها هي ومئات العمال والعاملات غيرها.
""قضية خطيرة يستغل فيها القوي الضعيف""، هكذا وصفت المحكمة قضية حسنية وأقرت أنه يتوجب على سلطة الآثار وشركة المقاولة تعويض العاملة بمبلغ يفوق مئة ألف شاقل ودفع تكاليف إجراءات المحكمة بمبالغ استثنائية في محاكم العمل. وبخطوة غير مسبوقة طلب القاضي من الوحدة القانونية للمحاكم تمرير القرار للجهات المختصة بوزارة العمل، حتى تذوّت الاستنتاجات المتعلقة بالعاملات والعمال الاخرين.
في السنوات الأخيرة تتغنى الدولة برفع نسبة النساء العربيات في سوق العمل. إلا أن قضية حسنية وغيرها من النساء العاملات اللاتي يتم استغلالهن والتعامل معهن كقوة عاملة رخيصة ومؤقتة ومستبدلة من غير حقوق، تؤكد أنه لا يكفي دمج النساء بسوق العمل بل على المؤسسات الحكومية تشديد الرقابة وتطبيق القانون حول ظروف العمل وحقوق النساء العاملات، خصوصا بعد أزمة الكورونا. هنا يأتي دور الدولة بالقيام بدورها في تطبيق الحقوق وخصوصا لدى الشرائح المستضعفة، ودور المحاكم بالتعامل بيد من حديد بقضايا شبيهة حتى لا يهضم حق النساء العاملات والعمال المستضعفين مرتين، مرة من قبل المشغل ومرة المحكمة، ودور المحامين بعدم القبول بتسويات زهيدة بل أن يكونوا محاربين من أجل حقوق الشرائح المستضعفة، وهنا يأتي دورنا كمؤسسات مجتمع مدني لرفع الوعي وتمثيل الحقوق والعمل أمام الدولة لإزالة العقبات التي تمنع وتصعب على النساء المطالبة بحقوقهن، والأهم من كل ذلك دورنا ومسؤوليتنا كمجتمع أن نضع حقوق العمل في رأس سلم أولوياتنا.
المحامية مها شحادة - سويطات
محامية بجمعية "ايتاخ-معكِ: حقوقيات من أجل العدالة الاجتماعية" وباحثة في العلوم الاجتماعية