أجلس في الكرسي المتحرك المريح، في الطابق السابع عشر من عمارة برج الختم في أبو ظبي، بينما يقف أمامي شابان يناقشان معي إمكانية شراكة العمل ما بين تطبيق "توازن" وشركتهم، أحدهما داعم للفكرة بكل قوته والآخر متردد. 

تهمني جدا إمكانية هذه الشراكة، لكنها يجب أن تقوم على أسس واضحة حول كل بنود هذه الشراكة وإمكانية تطورنا المشترك، وأشعر بالقوة من هذا الاتحاد ما بيننا، لكن تردد الشريك الآخر جعلني أراجع نفسي. 

تضيء شاشة هاتفي وتأتي رسالة واتس آب من ابنتي على مجموعة الأسرة "أم محمد لم تحضر الطعام، ماذا سنأكل؟"

أم محمد، سيدة أربعينية تساعدنا (استبدلت الكلمة من "تساعدني" إلى "تساعدنا") في المنزل مرتين في الأسبوع، قد قررت عمل الحجامة ليلة أمس، رغم إخباري لها أنني مسافرة للعمل هذا الاسبوع وسأحتاج مساعدة في الطبيخ.

بالطبع لم أعد أركز في العارضة أمامي ولا قراءة الرسم البياني وفهم الخطة المقترحة، وما عدت أرى أحدا منهما فكل ما استطاع دماغي رسمه هو ثلاثة أفواه مفتوحة وجائعة في المنزل، وكوني الأم الفاشلة المسؤولة عن جوع أطفالها.

وفجأة تذكرت! نسيت أيضا أن أغسل ملابس عمر لكرة القدم.

لا لا، ما الذي حدث لعقلي؟

في هذه اللحظة، تغيرت كل معالم وجهي، أصبح واضحا أنني لم أعد أهتم بكل ما هو أمامي. 

إذ لم يعد السفر إثمي الوحيد، ولا حجامة أم محمد إثمي الثاني أنا الآن أُم فاشلة لن يذهب طفلها إلى لعبة كرة القدم لأن أمه تنسى أيضا أن تغسل ملابس أطفالها.

سألني أحدهما عن رأيي في فكرة اتخاذ دولة جديدة في الشرق الأوسط لم ندخل إليها حتى الآن في "توازن" وطرح إمكانية الدخول إليها معا، بينما أعارك أنا دماغي المشغول في كيفية بعث رسالة لابنتي الكبرى أرشدها لتنقع ملابس أخيها الرياضية بماء وصابون غسيل، وبعض المعطر وتفركهم قليلا، ثم تعصرهم جيدا، ثم أن تضع الملابس في النشافة، لعشرين دقيقة فقط، قبل أن تأتي جارتنا ليلى لتأخذه للملعب مع ابنها.

يجب أن أبعث الرسالة الآن. وإلا سيفوت الأوان. 

لكن كيف سأبعث رسالة صوتية أمامهم؟

في نهاية المطاف، استأذنت أن أخرج لدورة المياة، وبعثت رسالة صوتية لها من هناك، وانتظرت قليلا حتى أطمئن أنها رأتها وأنها فهمت المطلوب، 

لكنها لم ترها، انتظرت بضع دقائق أخرى ثم اتصلت بها، دون جدوى ايضا. 

عدت أدراجي، إلى المكتب. 

تقوقعت في كرسيي المتحرك. أشعر بالضيق الشديد…

انظر اليهما وأفكر.

في السنوات الأخيرة، رأيت الكثير من الرجال الذين يتبعون أحلامهم وأعمالهم بعيدا، أحيانا إلى بلدان أخرى أيضا، تاركين وراءهم في الكثير من الأحيان امرأة وأطفال. 

يفكرون كثيرا، كما أفكر من إمكانيات توسع الشركة في بلدان متعددة والعلاقة المركبة ما بين شركاتنا والمستثمرين، وتسليم العطاءات في وقتها، والتنافس في السوق، وتطوير المنتوج بالطريقة الصحيحة. 

لكن أحدا منهم لا يفكر في ملابس الرياضة، أو طعام الغذاء.

أنا لا آتي بشيء جديد، ولا أبحث هنا عن حلول، كل ما أريده هو وضع الأمور على الطاولة.

خلال كل مسيرتي في العمل، أستطيع أن أجزم أن أصعب مهمة في الحياة هي التربية، هذه المسؤولية اليومية اللانهائية في الإنشاء والاحتواء، أن تكون مسؤولا عن حياة ونفسية اطفالك، يوما بعد يوم، ساعة بعد ساعة، ومتابعة تأقلمهم وعلاقاتهم، والانتباه لتلك النظرة المختلفة في أعينهم إن كانت. 

أصعب مهمة على الإطلاق هو أن تكون حاضرا من أجل عائلتك، وبشكل حقيقي في تفاصيل حياتهم، فالعمل في الخارج هو مجرد عمل؛ يبدأ وينتهي، ويتغير، ويتبدل، ويسوء، ويتحسن.

لكن هذا العمل المتناهي، اللامنطقي، الممتع والمرهق، والمجنون هو العمل الحقيقي، هو الحياة. 

لذلك أود اليوم أن اقول لك، ضعي أكياس أحجار الآثام التي تحملينها على ظهرك اليوم جانبا. حركي كتفيك. وابتسمي.

سونا زعبي - عثمان

مؤسسة ومديرة تنفيذية في "توازن" - أول تطبيق للعلاج الذاتي والتأمل واليقظة باللغة العربية في العالم

Hana alzubi
اكدع وارق واجمل امراه بدنيا ياروحي والي الامام
الخميس 2 آذار 2023
ام محمد
من أروع ما قرأت
الجمعة 3 آذار 2023
تانيا
رائعه ثم رائعه! ♥️
الجمعة 3 آذار 2023
Yasmeen fahoum
العدالة نصف المجتمع والمرأه هي كل المجتمع هي الامرأه العاملة والمتعاملة والواقعية والعملية ان تكوني جزء من عملك هدا ان دل فهو دل ع اتمام عملك كأم لذلك نصف الاخر اتى بوقت صح لانك قمتي باتمام كامل لانجازاتك كأم
الجمعة 3 آذار 2023
سهى عثمان
احلى سونا واجدع أم وزوجه
الجمعة 3 آذار 2023
قسم
عملت مع سونا مع قرب، لديها طاقة وروح تبعث الأمل في روح الفريق، متأكد لديها مثل هذه الطاقة تماماً مع أولادها وعائلتها 🤍
السبت 4 آذار 2023
أمل
رائعة في وصفك للواقع، نجحت في تجسيد تلك اللحظات التي نعيشها جميعا كأمهات عاملات طموحات 👌
الاثنين 20 آذار 2023
الفت
من اجمل واعمق الكلمات صدقت بكل كلمه والاهم بعد قرائتي رفعت اكتافي ابتسمت
الأربعاء 22 آذار 2023
شاركونا رأيكن.م