هل نحن ذاهبون إلى الهلاك؟!

برز مصطلح الاحتباس الحراري كثيرًا في السنوات الأخيرة.

وقد كنا قبل بضع سنوات نتحدث عن الظاهرة بأنها مجرد خطر يهدد الأجيال القادمة وعلينا أن نمنحه بعضًا من تفكيرنا وربما نفكر بحلول مستقبلية كي لا تتضرر الأجيال التي ستلينا كثيرًا!

ولكن في السنوات الأخيرة، أو بالأحرى في السنوات الثلاث الأخيرة، بدأ الحديث عن الاحتباس الحراري يتخطى كلام المنظرين وقلة من العلماء دائمي التشكيك.

كيف لا وفي دول مثل الدول الاسكندنافية المحاذية للقطب فاقت درجات الحرارة في صيف 2021 الخمسين درجة مئوية؟!

تلك الدول التي كانت تعتبر درجات الحرارة الثلاثينية جهنمية، فلا وجود أصلا لمفهوم مكيفات الهواء هناك.

وكيف لا وبلاد الثلوج الأوروبية تعاني منذ سنتين على الأقل من جفاف في أنهر وبحيرات لم تعرف مثل هذا الحال من مئات السنين. فجأة أصبح قلق الأجيال القادمة واقعًا مخيفًا نعيشه الآن!

لكن، ما هو الاحتباس الحراري؟ وما هو سببه؟

لنبدأ بالسبب. إنه نحن البشر.

لقد مر كوكبنا الأزرق على مدار مليارات السنين بتطورات عديدة جعلته كوكبًا صالحًا للحياة، كوكبًا بغلاف جوي ودرجات حرارة معتدلة، دافئًا في النهار وربما حارًا قليلًا ودافئاً في الليل، بحيث تتمكن الحياة من التعايش مع عدم وجود شمس لاثني عشر ساعة. وكل هذا بفضل غلافنا الجوي.

فالمريخ، على سبيل المثال، تهبط درجة حرارته ليلًا إلى أكثر من 130 درجة تحت الصفر. 

ويعود السبب إلى عدم وجود غلاف جوي كافٍ يحتبس قليلًا من الحرارة و"يدّخرها" لساعات الليل.

أما كوكب الأرض، فإن غلافه الجوي هو الذي يجعل ليله ونهاره معتدلين. ويعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون الغاز المسؤول عن نعيم الحياة على الأرض.

فأشعة الشمس التي تضرب سطح الأرض خلال النهار تنعكس عن السطح عائدة إلى الفضاء.

ولكن قسمًا من هذه الاشعة لا يجد طريقه على الفضاء، بل يصطدم بجزيئات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ويعود إلينا ليبقينا دافئين.

إذًا ... ثاني أكسيد الكربون جيد! نعم، إنه جيد. ولكن بنسبته التي لا تتعدى 0.03% في غلافنا الجوي.

هذه النسبة الضئيلة هي كل ما نحتاجه ليبقي لنا كمية كافية من الحرارة تبقي على حالة التوازن على سطح الكوكب. هذه الكمية يجب ألّا تقل وألّا تزداد. هي جيدة هكذا.

ولكن ... منذ فجر الثورة الصناعية على الكوكب ونحن نطلق المليارات من أطنان ثاني أكسيد الكربون إلى غلافنا الجوي. وقد استطعنا رفع نسبة ثاني أكسيد الكربون لأكثر من 0.04% خلال أعوام قليلة. ومع كل دقيقة تمر، ومع كل مصنع يفتتح، تزداد هذه النسبة بشكل جنونيّ. هذه الزيادة ستعني ارتفاعًا أكثر وأكثر في كميات الحرارة المحتسبة. 

يعتمد توازن الكوكب على عدة عوامل، أهمها تغير الفصول. فأمننا الغذائي الزراعي والحيواني معتمد جدًا على تقلبات الفصول. ولكن، أين هي تلك الفصول؟ لقد بدأ الجميع يلاحظ وبدون حاجة إلى تحليل العلماء: لم يعد هنالك فصول!

أصبحنا ننتقل من الصيف على الشتاء وعلى العكس دون المرور بتغيرات مرحلية تذكر.

أصبح هذا الأمر مقلقًا، ذا لم يكن مرعبًا، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. 

بالنسبة لنا، نحن البشر، قد نتغلب على هذه التقلبات ببعض رفاهية تكنولوجيا التكيف والتأقلم. لكن ماذا عن المزروعات؟ وماذا عن الحيوانات؟ ماذا عن الاشجار ومواسم ثمارها وتكاثرها! لقد بدأنا نلحظ أزهار بعض الاشجار والنباتات في غير مواسمها. بدأنا نواجه مشكلة في وضع حقول القمح والذرة وفي أمراض غير متوقعة. وهذا ليس من المستقبل. هذا يحدث الآن!

أمطار في أماكن غير معتادة على ذلك، ما حدث في الإمارات مؤخراً. 

ارتفاع في درجات حرارة البحار والمحيطات والأقطاب. وبالتالي اختلال في منظومة الطقس، وخصوصًا شمال الكوكب (ملاحظة: نحن ومعظم اليابسة في شمال الكوكب). 

أصبحنا اليوم في موقف الخوف الفوري من جنون طقسي لن يرحم لا المزروعات ولا الحيوانات ولا البشر.

ولكن ... هل هناك من حل؟ 

نعم هنالك إمكانيات لحلول، أهمها الاستثمار في طرق لمعالجة انبعاث الغازات من وحش الصناعات العالمية.

وهنا أود أن أنوه إلى أننا كبشر، إذا ما بدأنا اليوم بمعالجة شاملة وجذرية لكل مشاكل التلويث فلن نرى نتائج ذلك إلا بعد ما لا يقل عن ثلاثين عامًا من الآن. فلماذا لا نبدأ، إذًا؟ في الحقيقة، أنا لا أعرف، أهو الجنون أم الجشع أم الحماقة أم ماذا؟

في العام السابق اجتمع قادة دول العالم وقرروا أنه لا مكان للتأجيل وأصدروا بيانات تلزم الجميع بالبدء بوضع حلول فورية للإصلاح. ورصدت ميزانيات هائلة لذلك. ولكن فجأة دخلت أوروبا في حرب وتوقف كل شيء.

والكارثة ... لو أن 10% مما تصرفه هذه الدول على الحرب الدائرة الآن، والتي زادت من كميات التلويث أضعافًا مضاعفة عما كانت، لإيجاد حلول لبدأنا بإنقاذ الكوكب وبالتالي انقاذ أنفسنا. لكن هذا لا يحدث. كلهم يعلمون أن المخاطر تفوق كل الحروب. وأن الكوكب على شفا هاوية. ولكنهم مستعدون من أجل السلطة والدمار لصرف كل ما في خزائنهم لكي يعيشوا اللحظة وليذهب الكوكب إلى الجحيم من بعدهم.

نتمنى حقًا لهذا الجنون أن يتوقف وأن نفهم ونعي ونستوعب أن هذا الكوكب الصغير هو شيء فريد في الكون، ولكنه لن يكون كذلك إن لم تعد البشرية إلى رشدها.

د. عبد الله خطبا

مدير مركز فضاء الناصرة

شاركونا رأيكن.م