التعرف على الموهوبين والمتفوقين

عن الموهبة والموهوبين والتفوق والمتفوقين

يختلف الأطفال الموهوبون عن الأطفال الآخرين بأن مهاراتهم الإدراكية تتطور بشكل أعمق. كلمة موهوب تنطبق على الطفل الذي يتميز في أحد مجالين، الإبداع أو الذكاء، أو في كليهما. يرتبط النمو العقلي والوجداني للطفل الصغير بكثير من العوامل، بعضها موروث والبعض الآخر مكتسب من البيئة التي يعيش فيها الطفل بما في ذلك الأسرة والأصدقاء، ثم الاهتمام بالتعلُّم واكتشاف الموهبة التي تحتاج إلى رعاية. 

في الواقع، ثمة صعوبة في وضع تعريف متفق عليه لمفهوم الموهبة أو التفوق ويختلف تعريف الموهوب عن تعريف المتفوق، لكن من أكثر التعريفات التي تلقى قبولاً هو التعريف الذي تبناه "مكتب التربية الأمريكي" وينص على أن الموهوبين والمتفوقين هم أولئك الذين يمتازون بقدرات عالية وقادرون على القيام بأداء بمستوىً عالٍ ويُظهرون قدرات تحصيلية وعقلية وابتكارًا أو تفكيرًا منتجًا وقدرة قيادية ومستوىً مرتفعًا في الفنون البصرية أو الأدائية.

ومع كل الاختلافات بشأن تعريف الموهبة والتفوق، إلا أنّ ثمة توافقًا على المعنى العام والإطار الشامل، إذ لا اختلاف على أن الفرد الموهوب أو المتفوق هو الفرد الذي يُظهر سلوكاً في المجالات العقلية المختلفة يفوق كثيراً سلوك أقرانه الآخرين، مما يستدعى تدخلاً تربوياً لإثراء وتنمية هذه القدرات والوصول بها إلى درجة من النمو تسمح بها طاقاته وقدراته.

من الراجح أن الموهبة والتفوق يستخدمان بمعنى واحد تقريباً، وذلك للدلالة على المستوى المرتفع من أداء الفرد في مجال ما أو أكثر من المجالات الأكاديمية أو غير الأكاديمية التي تحظى بالقبول والاستحسان الاجتماعي وذلك لسببين هما: 

(أ) أن الذكاء هو أحد العناصر والمكونات الأساسية اللازمة للتفوق في مختلف وجوه النشاط العقلي للفرد، وأن نوع الذكاء يختلف من مجال إلى آخر؛ فنجد الذكاء البصري مهمًّا في الفنون التشكيلية والذكاء الميكانيكي في الأعمال الميكانيكية.

(ب) أن قدرات الفرد ومواهبه ليست خاضعة لعوامل الوراثة فقط، وإنما تخضع في نموها لتفاعل تلك العوامل مع غيرها من العوامل البيئية والخبرات السابقة، إذ تأخذ هذه القدرات بالنمو إذا ما توافرت لها البيئة المناسبة وفرصُ التنمية والتدريب اللازمين.

كيف يتم اكتشاف الطلاب ذوي الموهبة في إسرائيل

تمثل عملية التعرف على الموهوبين والمتفوقين المدخل الطبيعي لأي برنامج يهدف إلى رعايتهم. وهى عملية في غاية الأهمية لأنه يترتب عليها اتخاذ قرارات قد تكون لها آثار خطيرة ويصنف بموجبها الفرد على أنه "موهوب أو متفوق" بينما يصنف آخر على أنه "غير موهوب أو غير متفوق". ونظراً لهذه الأهمية، فإنّ أيّ مرجع متخصص في مجال الموهبة والتفوق يكاد لا يخلو من جزء لمعالجة موضوع التعرف والكشف على هؤلاء الأفراد. ومن جهة أخرى، يتوقف نجاح أي برنامج لتعليم الموهوبين والمتفوقين، بدرجة كبيرة، على دقة التعرف عليهم.

تعتبر مقاييس القدرة العقلية العامة IQ، كمقياس "بينية" ومقياس "وكسلر" للذكاء، من الأساليب المناسبة والمعروفة لقياس القدرة العقلية العامة للموهوبين والمتفوقين، حيث تمثل القدرة العقلية المرتفعة أحد العناصر الأساسية في عملية التعرف عليهم. ويعتبر الفرد موهوباً ومتفوقاً إذا زادت قدرته العقلية عن انحرافين معياريين عن المتوسط وبلغت نسبة الذكاء (130) درجة وما فوق.

تجرى امتحانات التصنيف للكشف عن الموهوبين والمتفوقين في البلاد بمبادرة من قسم الطلاب الموهوبين والمتفوقين في وزارة التعليم. ويجري ذلك في جميع مدارس البلاد التي تتبع إلى إطار رعاية الموهوبين، ابتداءً من الصف الثاني أو الثالث. الامتحانات مبنية بطريقة تؤدي إلى اختيار طلاب الصفوة الذين تم تصنيفهم على أنهم ذوو موهبة فكرية فقط (الموهبة في مجال الرياضة أو الفنون لا تكتشف في الامتحانات) وهؤلاء يعادلون نسبة 1% حتى 3% من أكثر الطلاب تفوقًا في كل جيل.

عملية اكتشاف الطلاب الموهوبين تجري على مرحلتين 

المرحلة الأولى - "مرحلة اختبار التصفية"

تشمل هذه المرحلة جميع طلاب صفوف الثالث المعنيين بفحص مدى ملاءمتهم للمشاركة في نوادي الطلاب الموهوبين (المشاركة في الاختبار هي اختيارية). يجرى هذا الامتحان في المدرسة ويكون طاقم المدرسة (أو قسم المعارف في السلطة المحلية) المسؤول المباشر عنه وعن تصليحه، وفق التعليمات التي تتلقاها المدرسة من المؤسسة المسؤولة عن الاختبار. بعد الاختبار، تقع على المدرسة مسؤولية ارسال قائمة الطلاب الذين نجحوا في المرحلة الأولى إلى المؤسسة المسؤولة عن الاختبار، وذلك للمشاركة في المرحلة الثانية - مرحلة الاختيار أو الاكتشاف. ويجب أن تشمل قائمة الطلاب 15% من عدد الطلاب المشاركين في المرحلة الاولى الذين حصلوا على أعلى النتائج. نُشير ونُشدد هنا أن المدرسة هي المسؤولة عن اختيار الطلاب ويمكن لها ان تشمل في القائمة أسماءً لطلاب لم يحصلوا على علامات مرتفعة في المرحلة الاولى، لكنّها ترى أنه من المناسب أن توصي بهم. 

المرحلة الثانية - "مرحلة الاختيار أو الاكتشاف"

هذه المرحلة عبارة عن مجموعة اختبارات سيكومترية مُتعددة الإجابات. الامتحان السيكومتري مبني من 7-10 اختبارات مختلفة ومُتعددة تفحص قُدرات مُختلفة. حل هذه الاختبارات يكون ضمن وقت محدد ويتم فحص سرعة الحل أيضاً. المسؤول المباشر عن المرحلة الثانية هو المؤسسة الخاصة التي فازت بالمُناقصة التي نشرتها وزارة التعليم... وتجرى هذه المرحلة في مراكز خاصة في كل بلد وليس للمدرسة أي علاقة بهذه المرحلة أو أي تأثير عليها. 

تتن دعوة الطلاب الذين ينجحون في المرحلة الثانية للانضمام إلى أُطر خاصة بالموهوبين، والموجودة في منطقة سكنهم. 

ما هي أطر التربية الخاصة بالموهوبين في اسرائيل؟

هنالك ثلاثة أطر إثراء خاصة بالموهوبين: دورات ما بعد الظهر، يوم إثراء أسبوعي وصفوف للطلاب الموهوبين في المدرسة العادية. في الوسط العربي يُطبّق بشكل كبير إطار "يوم الإثراء الأسبوعي". 

يزور الطلاب المشاركون في دورات الإثراء في ساعات ما بعد الظهر المركز مرة واحدة في الأسبوع وعادة ما يكون هذا المركز قريباً من مؤسسة فوق ثانوية، من كلية أو في مركز جماهيري. يشارك الأولاد في دورتين يقومون هم باختيارهما من تشكيلة واسعة من الدورات في المواضيع المختلفة. البرنامج مبني بحيث يمكّن الأولاد من التعرف والاطلاع على عدد من المواضيع من مجالات مختلفة، ليست ضمن المنهاج الرسمي.

يسمح برنامج يوم الإثراء الأسبوعي للطلاب بالبقاء في الإطار الاجتماعي الذي يعيشون فيه، كما يمكنهم البقاء في مدرستهم أيضاً. يحظى الطلاب مرة في الأسبوع بالمشاركة في برنامج خاص يستمر يوماً كاملاً ويتضمن تشكيلة متنوعة من المواضيع العلمية التي يتم تدريسها بطرق تعليمية مختلفة ومغايرة عن المعتاد. في الوسط العربي، لكل مجموعة قرى متجاورة هنالك مركز للطلاب الموهوبين، منها المراكز الإقليمية في: كابول، شفاعمرو، الناصرة، عرابة، أم الفحم، باقة الغربية، الطيرة، الطيبة، كفر قاسم، القدس... وغيرها.

د. صلاح أيوب

مدير معهد "الأكاديميون العرب"

شاركونا رأيكن.م