الحوسبة العصبية الاصطناعية في الخلايا الحية

المقال الذي نُشر مؤخرًا في مجلة Nature Communications يجمع عمل باحثين من عالم الإلكترونيات والبيولوجيا التركيبية لتحقيق النتائج المعروضة في المقالة.

هذا البحث هو استمرار لعمل البروفيسور رامز دانيال وفريقه البحثي، د. منى روحانا حبيب ود. لونا رزق من كلية الهندسة الطبية الحيوية، ود. لؤي دانيال من كلية الكهرباء في معهد التخنيون، هدفه بناء حواسيب بيولوجية داخل خلايا بكتيريا.

استطاع البروفيسور رامز دانيال وزملاؤه في معهد التخنيون تحويل كائنات بسيطة مثل خلايا البكتيريا إلى شبكات عصبية اصطناعية (Artificial Neural Network, ANN) لتؤدي عمليات حسابية معقدة.

نتيجة البحث كانت برمجة الخلايا البكتيرية التي تلتزم بقواعد معينة لأن تعمل كشبكات عصبية يمكن تدريبها. يتم التحكم بهذه الخلايا بواسطة المفاتيح التي هي، في هذه الحالة، جينات مثبتة على وحدات المادة الوراثية أو الشيفرة الوراثية أو الحمض النووي (Deoxyribonucleic acid) والذي يتم اختصاره بالـ (DNA). 

الجينات هي الوحدة الفيزيائية الأساسية للوراثة والتي تعمل كشيفرة أو تعليمات محددة لتصنيع جزيئات البروتينات. أما جزيء الـ DNA فيكون قطعة حلقية صغيرة تسمى البلازميدات، يتم إدخالها إلى داخل خلايا البكتيريا بواسطة طرق مختلفة، منها التحوّل.

باستخدام الخوارزميات الجينية المخصصة التي طورها الباحثون، قاموا في النهاية بإنشاء بكتيريا تمثل أجهزة كمبيوتر ذكية.

كيف تعمل الخلايا العصبية الاصطناعية؟

الخلايا العصبية الاصطناعية، في الصورة، تعمل عن طريق تلقي العديد من المدخلات (ln₁, ln₂) في الصورة التي تتم معالجتها بواسطة الأوزان (Weights) ثم تتم معالجة قيمها باستخدام عمليات حسابية معقدة (Nodes) لإنتاج قيمة بين 1 و 0، والتي تشكل مخرجات الخلية (Out₁, Out₂)، من خلال مجموعة من العشرات أو المئات أو حتى الآلاف من هذه الخلايا العصبية الاصطناعية، يتم تشكيل الشبكة العصبية الاصطناعية (ANN) التي نحددها.
المدخلات هي القيم التي تتلقاها الخلايا العصبية. لذلك، من أجل جعل الشبكات العصبية تتعامل مع المشاكل أو الظواهر التي تواجهنا، يجب تحويلها إلى شكل رقمي يمكن للشبكة العصبية التعامل معه والتفاعل معه. وتتلقى الشبكة العصبية مدخلين اثنين، على الأقل.

الإخراج هو المنتج النهائي للشبكات العصبية. أما الأوزان فهي القيم التي يتم فيها ضرب المدخلات من أجل تحديد قيمتها أو أهميتها في عمل الشبكة العصبية ويتم تحديدها في البداية بشكل عشوائي تمامًا بواسطة خوارزميات معينة وعمليات حسابية. 

الكمبيوتر البيولوجي مثل أجهزة الكمبيوتر الأخرى التي تستخدم للإبلاغ عن نتائج معالجة البيانات التي ينتجها نظام معالجة البيانات (مثل الحاسوب) إلى العالم الخارجي. الكمبيوتر البيولوجي يستقبل المدخلات (Inputs)  وفي هذه الحالة يمكن أن يكون مواد/جزيئات كيميائية في البيئة أو بروتينات على سبيل المثال، يجمع كل المعلومات وينتج إشارة خرج (Output) وفي هذه الحالة يمكن أن يكون بروتينات معينة يتم تحديد تركيزها وفقًا لوظيفة حسابية أدخلت الى الخلايا الحية.

يوضح البروفيسور دانيال: "الخلايا الحية هي أيضًا وحدات حسابية، وبطرق عديدة تكون وحدات الحساب هذه أكثر كفاءة، البكتيريا، التي تطورت على مدى مليارات السنين من التطور، تقوم بعمليات معقدة للغاية مثل انقسام الخلايا، واستهلاك العناصر الغذائية والقضاء على النفايات. على عكس أجهزة الحاسوب الإلكترونية، المصممة بمفاتيح رقمية بسيطة فقط (0، 1)، توجد في الخلية الحية أيضًا مكونات تمثيلية بالإضافة إلى حلقات تغذية مرتدة تنتج تحكمًا ثابتًا في العمليات الحسابية المختلفة. كل هذا يسمح للخلية بأداء مهام معقدة بينما تستهلك القليل جدًا من الطاقة".

في عام 2012، قام البروفيسور دانيال بنشر أول عمل في العالم يستخدم القوانين التناظرية لبناء أجهزة حاسوب بيولوجية في العمل الحالي الذي تم نشره مؤخرًا، قمنا بتحسين القوانين التناظرية للسماح لجهاز كمبيوتر بيولوجي بأداء عمليات رقمية وفي الواقع اعتمدنا على قوانين الأنظمة العصبية الاصطناعية وهذا سمح لنا بتنفيذ المزيد من الوظائف الرياضية وأيضًا ميزات جديدة في مجالنا مثل تدريب البكتيريا على إجراء عملية حسابية معينة مثل عملية الجمع والقسمة.

استخدام الشبكات المتوازيةِ التي تستندُ على معالجين لإنجاز عملية واحدة

الشبكات العصبية الاصطناعية تعمل بواسطة الأرقام Digital، أي تعمل بنظام الأرقام الثنائية والذي يستخدم فقط رقمين 0 و 1، حيث تنتقل البيانات كما يفهمها الحاسوب على شكل ومضات كهربية تمثل قيمة الجهد ((1) للتعزيز و(0) للتوقّف، وبداخلها يوجد عملية حسابية معينة تجري عليها الأولوية الرياضية كالأقواس ثم الضرب والقسمة ثم الجمع والطرح.

هذه الشبكات يمكن ان تشتغل كبوابات منطقية (Logic gates) والتي تهدف إلى أداء وتنفيذ منطق معين يربط بين المخرجات والمدخلات المصاحبة لها ويتم ذلك من خلال عمليات على المتغيرات المنطقية ذات القيمتين صحيح أم خطأ. لذا يسمى هذا النظام ثنائياً ويرمز للقيمتين ب 0 و1.

البوابة المنطقية تعرف على أنها دارة كهربائية تحتوي في الغالب على اثنين من المدخلات وواحد من المخرجات، حيث تقوم البوابة باستقبال تيّارين كهربائيين ومقارنتهما ببعضهما البعض وإصدار تيّار جديد تعتمد قيمته على نتيجة المقارنة، هناك عدة أنواع من البوابات المنطقية منها ما هو بسيط وأساسي يدخل في تكوين وتركيب أنواع أخرى أكثر تعقيدًا. 

البوابات المنطقية المستعملة بالحاسوب منها بوابة "و" (AND) وبوابة "أو" (OR).

البوابة المنطقية "و" تشمل مدخلين ومخرج واحد فقط. إذا كان المدخل الأول A والمدخل الثاني B فان معادلة المخرج المنطقية للبوابة "و" هي A*B, يكون المخرج Output 1 عندما يكون كلا المدخلين inputs يساوي 1, أما في حالة ان قيمة احدى المدخلين او كلا المدخلين يساوي 0 فان قيمة المخرج ستكون 0

البوابة المنطقية "أو" تشمل مدخلين ومخرج واحد فقط. إذا كان المدخل الأول A والمدخل الثاني B فان معادلة المخرج المنطقية للبوابة "و" هي A+B, يكون المخرج 1 عندما تكون قيمة احدى المدخلين او كلا المدخلين يساوي 1.
عن طريق الخوارزميات الذكية نجح الباحثين في بناء شبكة بروتين في البكتيريا التي تستطيع أن تشتغل ك OR  وعن طريق تدريبها تستطيع أن تشتغل ك AND.

تطبيقات 

استعمالات للحواسيب البيولوجية في عدة مجالات منها الطب، التكنولوجيا لحيوية (بيوتك) الوقود الحيوي والزراعة. 

في مجال الطب يعمل الباحثون ومراكز الأبحاث والجامعات لتطوير حواسب بيولوجية داخل الخلايا ليقوموا بالتعرف على خلايا سرطانية والقضاء عليها بشكل دقيق دون المس بالخلايا غير المصابة.

في مجال البيئة يتم تطوير جراثيم قادرة على استشعار المواد الكيميائية السامة الموجودة في الماء أو الحقل وارسال هذه المعلومات عن طريق إشارات كهربائية، وأيضا تطوير جراثيم القادرة على تحطيم المواد الأولية الكثيفة لإنتاج الوقود الحيوي.

بواسطة المكونات الكهربائية وتطبيقات اصطناعية يتم ايضا تطوير أجهزة استشعار بيولوجية ذكية لتوليد الطاقة الكهربائية بواسطة البكتيريا المعدلة وراثيا.