هل اقترب موت الحركة البشرية؟
لكوني أؤمن بالكلام الذي سأكتبه أدناه، كنت شريكًا في تأسيس مجموعة "انسياب" في حيفا قبل أكثر من عامين. و"انسياب" هي عبارة عن مجموعة ارتجال (jam) تمارس الحركة الحرة متعددة الثقافات مثل السيرك، التسلق، فنون القتال، الرقص، الجمباز، الباركور، اليوجا وغيرها من انواع الحركة. ضمن هذه المجموعة، نؤمن أن جميعنا أساتذة وتلاميذ، نلتقي تطوعًا ونفتح أفاقًا أمام الجمهور الواسع لانضمام إلينا آملين أن نساهم ولو قليلًا في زيادة التنوع الحركي.
الحركة أساس الحياة
الحياة تبدأ بحركة وتنتهي عند انتهائها، فهي جزء لا يتجزأ من يومنا. عند الاستيقاظ، خلال غسل الأسنان، وعند الكلام، أو تناول الطعام وحتى في لحظة الثبات كالوقوف أو الجلوس هناك حركة. أجسامنا هي أثمن أداة نملكها، وعلينا الاستثمار بها، فهي الحياة.
الحياة العصرية المتخمة بوسائل الراحة، وبدائل البشر في ممارسة أعمل مختلفة، جعلتنا جميعًا مذنبون في ما آلت إليه أجسامنا من تراكم الصدأ على قدرتها الحركية، لقد قتلنا الحركة البشرية بفعل التطور التكنولوجي، لكني أؤمن أن هناك أمل في تغيير بعض ممارساتنا والعودة إلى الأصل، فأجدادنا لم يخطؤوا حين قالوا "الحركة بركة".
رغم كل التطور الحضري والتكنولوجي وقدرتنا البشرية الهائلة في التغلب على المشاكل، وتوفير الوقت، وزيادة الانتاج، إلا أننا بفعل هذا التطوّر خلقنا مشاكل جديدة كليًا. لقد صممنا بيئة غير ودودة للحركة، فالماكنات تقوم بما كنا نقوم به؛ وابتعدنا عن الأرض وما تقدمه لنا من امكانات حركيّة، تعودنا على الرخاء والراحة التي اعتقدنا أنا ستطيل أعمارنا وتتيح لنا المزيد من فرص التطور دون أن نفكر كثيرًا في الثمن! ولم نسأل أنسفنا لماذا يعاني البشر على اختلاف أعمارهم – الأولاد والشباب وكبار السن – من آلام ناتجة عن نقص الحركة.
أنت أم ألكساندر المقدوني؟
نحن البشر نقدّر الراحة ونسعى إليها، وعلى مد العصور قمنا بتغيير البيئة لتُلائم احتياجاتنا. فكروا بأحد أعظم الملوك على مر التاريخ وتخيلوا جميع وسائل الراحة التي كانت متاحة له، ثم قارنوها بوسائل الراحة المتاحة لديكم. ستلاحظون فجأة بأن الملك لم يكن لديه مكيّف، ولا وسائل نقل مريحة وسريعة، ولا مقعد طبي، ولا أحذية أديداس، ولا مصعد، ولا مياه شرب مصفاة، ولا مياه ساخنة تنساب من الحنفية، ولا كمية معلومات هائلة تظهر أمام عينيه بكبسة زر!
الحركة البشرية معجزة!
هل تعلمون أنه لا يوجد مخلوق آخر يتمتع بالتنوع الحركي الموجود لدينا? فكروا في التنوع الحركي الموجود لدى البشر وستفهمون المقصد. تخيلوا لاعبة جمباز، أو من سباح ماهر يتحرك في الماء بانسياب سمكة، أو راقصة معاصرة تتنقل بين وضعيات كثيرة تتطلب مرونة وقوة لا يستهان بها. هذا التنوع يمتد لمجالات أخرى غير الرياضة فعمل الطبيب الجراح يحتاج مرونة أيضًا، وكذلك النادل في مطعم او حتى رائد الفضاء. التنوع الحركي لدى البشر يمتد على نطاق واسع جداً من المجالات يصل لغة الجسد، والتمثيل والموسيقى والحرف اليدوية.
الجسم خبير
جسمنا يعمل وفق مبدأ استعمله أو افقده (use it or lose it). راقبوا أطفالاً حديثي الولادة وسترون أنهم مرنين كالمطاط، ثم يتعلمون الزحف والمشي ومن ثم القفز واللعب. بمرور الوقت يتبدّل الحال فيجلسون لساعات متواصلة، ويفتقدون مساحة مريحة وداعمة للعب والحركة.
حين نقوم بتعويد أجسامنا على الكسل وقلة الحركة فسيتخلى الجسم عن المحافظة على صحة الأنسجة ولا يكلف نفسه عناء الحفاظ عليها. كيف نعيد الحركة للحياة إذا؟ ببساطة عن طريق زيادة جودة الحركة والتنوع الحركي لدينا. اخرجوا للغابات، تسلقوا الأشجار، اصعدوا الدرج، مارسوا الرياضة، ازرعوا والعبوا وارقصوا.
كاتب المقال: سميح جبران وهو مهندس حواسيب، رائد أعمال، مدرب حركة ومؤسس مختبرات القرد الداخلي.