نحو تحسين جودة حياة الأشخاص من ذوي الإعاقات

الافتتاحية:

صيرورات سكانية، اجتماعية، سياسية، فلسفية وغيرها تطرأ على قضية الأشخاص من ذوي الإعاقات في العقود الأخيرة بالعالم وتؤثر على مكانتهم في البلاد. التغيير الجوهري تمثل في الانتقال من التوجه التقليدي الذي يتميز بالشفقة والاحسان، الذي يتعامل مع الانسان الذي يعاني من إعاقة على أنه ضعيف ومحتاج وبحاجة إلى مساعدة إلى توجه يتميز بالمساواة، الذي يتعامل مع الانسان من ذوي الإعاقات على أنه جدير بالاحترام وبحرية اختيار نمط حياته وان يشارك بشكل فعال في كافة مجالات الحياة وكشريك كامل في المجتمع.

من الجدير ذكره أن سنوات ال 70 من القرن العشرين شهدت تعميقا لخطاب الحقوق إلى جانب إقامة حركات اجتماعية لأشخاص من ذوي التحديات في العالم الغربي الذين طالبوا الدولة بالاعتراف بمكانة متساوية وبدمجهم الاجتماعي الكامل. هذا الخطاب نقل مسؤولية إزالة القيود والمعيقات للدولة، من أجل خلق بنية قانونية وتطوير خدمات لدمجهم الكامل في المجتمع. حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقات تحولت لقضية مركزية على جدول اعمال الكثير من الدول. كان لهذه الصيرورات العالمية أثر كذلك في البلاد يتمثل في سن قانون المساواة لحقوق الأشخاص مع إعاقة (1998).
- شخص مع إعاقة بموجب نص هذا القانون: هو كل شخص يعاني من عجز جسدي، نفسي، ذهني أو سلوكي، لفترة زمنية مؤقتة أو لمدى الحياة الذي من شأنه أن يعيق القدرة على القيام بالأداء الوظيفي على الأقل في أحد المجالات الحياتية الأساسية.
- "عدم القدرة على القيام بالأداء الوظيفي في أحد مجالات الحياة الأساسية" وفق القانون تعني: العمل، التعليم، السكن، الترفيه وقضاء وقت الفراغ، مواجهة حالات الطوارئ وأيضا القدرة على القيام بأمور خاصة بشكل مؤقت، أو دائم، أو مولود بمعزل عن درجة الصعوبة.
- الإعاقات التي حددها القانون تتضمن: إعاقة نفسية، إعاقة جسدية نتيجة لمرض داخلي مزمن، إعاقة حركية أو شلل، إعاقة بصرية أو سمعية، إعاقة ذهنية، اضطرابات في الإصغاء والتركيز والعسر التعلمي.

مبادئ القانون:

حقوق الأشخاص مع إعاقات والتزامات المجتمع في إسرائيل لهذه الحقوق، تنبع من مبدأ المساواة.
يهدف هذا القانون لحماية كرامة وحرية الشخص مع إعاقة، وحقه لمشاركة متكافئة في المجتمع في كافة مجالات الحياة، والتجاوب مع حاجاته الخاصة بشكل يتيح له الحياة بأكبر قدر ممكن من الاستقلالية، بخصوصية واحترام، واستنفاذ كافة قدراته.
يحق لشخص مع إعاقة أن يتخذ القرارات التي تخص حياته بحسب رغباته وأولوياته.
في القانون تم تحديد المجالات التي على الدولة أن تدفع بها قدما بحسب مبدأ المساواة في العمل، التعليم، الصحة، السكن، الاتاحة (المنالية) والمواصلات العامة.
القانون ضمن حق الأشخاص مع إعاقة في الاتاحة، إلى جانب مجموعة مبادئ أساسية التي من شأنها أن تكون موجهة في مراحل سن القوانين اللاحقة.

في مجال الصحة:

قانون المساواة لحقوق الأشخاص مع إعاقة في مجال الصحة، يتطرق للإتاحة المطلوبة في كافة الخدمات الصحية للأشخاص مع إعاقات على اختلاف أنواعها. إتاحة للأشخاص مع إعاقة حركية، إتاحة للأشخاص مع إعاقة حسية (سمعية وبصرية)، وإتاحة للأشخاص مع إعاقة ذهنية.

في وزارة الصحة، (كباقي الوزارات)، تم تعيين مسؤول لمتابعة أمور المساواة للأشخاص مع إعاقة، وظيفته تطبيق القانون على كل ما يترتب عليه الأمر من خدمات صحية تمنح للمواطنين على المستوى القطري.

هذا ونص القانون، على أنه يتوجب على وزير الصحة تحديد تعليمات حول ملاءمة الإتاحة لضمان حصول الأشخاص مع إعاقة على الخدمات الصحية وللمؤسسات التي توفرها.

في هذا السياق، أذكر أنه في إحدى زياراتي لبلدة في المثلث شاهدت شخصا ممن يعانون من إعاقة حركية ينتظر في مدخل عيادة صندوق المرضى. فضولي دفعني لمتابعته. بعد عدة دقائق رأيت ممرضة تلتقيه خارج العيادة لتقديم ما يبدو كتعليمات أو توصيات. كان ذلك تجسيدا لافتا لأهمية القانون لا سيما ضرورة تطبيقه بمستوى قطري ليشمل جميع سكان الدولة.

قانون التأهيل للأشخاص مع إعاقة نفسية ودمجهم في المجتمع (2000) - سن بعد سنتين من سن قانون حرية الانسان وكرامته. الذي يهدف لتأهيل الأشخاص مع إعاقة نفسية وضمان دمجهم في المجتمع وذلك من أجل ضمان جودة حياة واستقلالية وظيفية بأقصى حد ممكن من خلال المحافظة على كرامتهم، بروح قانون حرية الإنسان وكرامته.

قانون حقوق المريض (1996) - يهدف لتحديد حقوق الأشخاص ممن بحاجة لعلاج أو ممن يتلقى العلاج الطبي، من أجل ضمان كرامته وخصوصيته. جاء هذا القانون لتنظيم العلاقات بين الطاقم الطبي ومتلقي الخدمة، وهو يعتبر القاعدة القانونية الأساسية لحقوق متلقي العلاج. تعليمات هذا القانون تنطبق على كل شخص يحتاج للعلاج أو يتلقى العلاج وتركز على كرامة الإنسان وخصوصيته:

المبادئ الأساسية لهذا القانون:

- الحق بالحصول على علاج طبي مكفولة لكل محتاج.
- لا بجوز للمؤسسة الطبية أو المعالج أن يميزوا بين المتوجهين لتلفي العلاج الطبي لأسباب تتعلق بالانتماء، الديني، العرقي، الجندري، القومي، مكان الولادة وغيرها.
- في حالات الطوارئ، يحق لكل محتاج، تلقي الخدمة الطبية بشكل غير مشروط.
- يحق لكل مريض أن يتلقى خدمة طبية لائقة، أن كان من حيث المستوى المهني والجودة الطبية وان كان من حيث التعامل الإنساني.
- يحق لكل مريض أن يحصل على معلومات حول هوية ووظيفة المعالج (مقدم الخدمة).
- يحق للمريض أن يطلب أو يحصل بمبادرته على رأي إضافي في العلاج المقترح له. وعلى الشخص المعالج والمؤسسة الطبية مساعدته لممارسة هذا الحق.
- يحق للمريض المحافظة على كرامته وخصوصياته أثناء تلقي العلاج الطبي.
جمعية حقوق المريض تعمل في البلاد منذ أكثر من 25 عاما وتعنى بتوفير الاستشارة وتمثيل الأشخاص الذين يعانون من أمراض ولم يحصلوا على العلاجات وفق توقعاتهم. لمعلومات إضافية بالإمكان زيارة موقع الجمعية في الإنترنت.

الأشخاص مع إعاقة - معطيات مقارنة بين المجتمعين العربي اليهودي في إسرائيل:

يتعرض الأشخاص مع إعاقة في المجتمعين اليهودي والعربي لمستويات مختلفة من التهميش، الأفكار النمطية والوصمات. بالإضافة، السكن في الضواحي والافتقار للخدمات بسبب البعد الجغرافي أو عدم الملاءمة اللغوية يحد من قدرة الأشخاص من ذوي الإعاقات والاندماج في المجتمع بروح قانوني "كرامة الانسان وحريته" و"المساواة لأشخاص مع إعاقة".

في الماضي كانوا يعزون الإعاقات المولودة في المجتمع العربي لزواج الأقارب. فمثلًا نسبة الأشخاص مع إعاقة بصرية مولودة مرتفعة أكثر في المجتمع العربي عنه في المجتمع اليهودي. غير أن اليوم وعقب التطورات في المجال الطبي وإمكانية الكشف المبكر عن مشاكل خلال الحمل وإمكانية منع استمراريته، نشهد انخفاضًا في نسبة الأطفال الذين يولدون مع إعاقات لأسباب وراثية.

  • تشير الأبحاث إلى أنه في المجتمع العربي حالات التشخيص ورصد الإعاقات قليلة وأحيانا متأخرة – إعاقات التي كان من الممكن الإسهام في علاجها في حال شخصت في مرحلة مبكرة.

  • عدد الأشخاص الذين يعرفون بأنهم مع إعاقات صعبة في المجتمع العربي تصل إلى %12 مقابل فقط %7 في المجتمع اليهودي.

  • نسبة الأشخاص البالغين مع إعاقة ممن لديهم أسرة في المجتمع العربي تصل إلى %53 مقارنة ل%26 في المجتمع اليهودي.

  • في المقابل نرى أن نسبة التوحد في المجتمع العربي أقل بستة أضعاف عن المجتمع اليهودي. وهذا يعود إلى قلة التشخيص المبكر في مجال التوحد.

  • فيما يتعلق بعدد الحاصلين على مخصصات الإعاقة من مؤسسة التامين الوطني، نلحظ بأن نسبة الأشخاص مع إعاقة نفسية هي أكثر انتشارا في المجتمع اليهودي، بينما في المجتمع العربي الإعاقة الأساسية هي الأمراض الصعبة المزمنة. فنلحظ بأن %17 فقط في المجتمع العربي يتقاضون مخصصات الإعاقة علـى خلفية الإعاقة النفسية مقابل %33 في المجتمع اليهودي.

قانون تأهيل الأشخاص مع إعاقة نفسية ودمجهم في المجتمع (2000) - معطيات ونتائج في المجتمع العربي:

رأيت أن من الأهمية بمكان التطرق لهذا القانون، لسببين رئيسيين:
  1. بسبب الاستفادة المحدودة من خدمات التأهيل في المجتمع العربي، حيث إن كافة الأبحاث تشير إلى أن %8 فقط من متلقي خدمات التأهيل في المجتمع العربي وهو أقل بكثير من نسبتهم في المجتمع اليهودي.

  2. ولأنني أعمل في هذا المجال فأنا مدركة للتأثير الإيجابي والتأهيل الجدي لأشخاص مع إعاقة نفسية ممن يشاركون في هذا البرنامج. كلي أمل بأن تحفز هذه المعلومات على حث وتشجيع الأشخاص مع إعاقة نفسية للاستفادة من خدمات التأهيل المختلفة.

قانون تأهيل الأشخاص مع إعاقة نفسية في المجتمع - المبادئ:

  1. يُمنَح الشخص مع إعاقة نفسية الحق الأساسي في التأهيل.

  2. خدمات التأهيل التي تمنح للشخص مع إعاقة نفسية تستند إلى موقف مهني.

  3. القانون ينص على أن الخدمات تمنح على أساس برنامج تأهيل شخصي، الذي يتعامل مع الشخص: احتياجاته، رغباته وطموحاته.

  4. كل شخص يعاني من مشاكل نفسية مشخصة من قبل طبيب نفسي، (وحدد له التأمين الوطني أو طبيب نفسي مختص نسبة %40 إعاقة)، يحق له التقدم بطلب تأهيل بشكل مستقل و\أو من خلال مهني\ة مرافق\ة.

  5. يقدم الطلب لمكتب وزارة الصحة في اللواء الذي يسكنه مقدم الطلب. بعد فحص الطلب وفي حال توفرت فيه شروط وزارة الصحة، يتم دعوة المتوجه للمثول أمام لجنة تأهيل، لمناقشة الطلب بحضور صاحب الشأن والمرافق\ة الشخصي (إذا كان\ت موجود\ة)، لإعداد برنامج تأهيل تشمل الخدمات المتاحة.

  6. خدمات التأهيل تشمل: نزل، خدمات سكن محمية في بيت المتوجه (بمرافقة عامل\ة اجتماعي\ة ومرشد تأهيل)، خدمات تشغيل (مرافقة تشغيلية في السوق الحر أو في أطر مصانع محمية أو مرافقة في تطوير مبادرة تجارية مستقلة)، استكمال التعليم (تعليم حاسوب، استكمال امتحانات التوجيهي أو البجروت)، نشاطات اجتماعية لقضاء وقت الفراغ (في المراكز الجماهيرية، النوادي التي تعنى بالمتضررين نفسيًا)، علاجات للأسنان، وتقديم الدعم والاستشارة لأسرة الشخص المتضرر نفسيًا.

  7. مسؤولية وزارة الصحة - وحدات التأهيل للأشخاص مع إعاقة نفسية في الألوية المختلفة، مسؤولة عن تطبيق القانون من خلال عدة منضمات التي توفر خدمات التأهيل.

  8. معطيات - حوالي 30،000 شخص مع إعاقة نفسية يستفيدون من خدمات التأهيل المختلفة. يشار إلى أن خدمات التأهيل تمنح للشخص طالما تعتبر أساسية لتأهيله وتساعده على تحقيق غاياته التأهيلية. في معظم الحالات بعد مسار تأهيل يمتد من سنة إلى سنتين ينتهي البرنامج التأهيلي بموافقة الشخص وبتوصية الطاقم المهني المرافق له. يحق للشخص المتأهل التوجه مجددا لطلب الخدمات وفق احتياجاته.

تطبيق القانون في المجتمع العربي:

  1. التحدي الثقافي - المريض النفسي في المجتمع العربي محاط بأفكار غامضة التي تستند علـى مصادر دينية وينظر إليه كقضاء وقدر. مساعدة الأشخاص مع إعاقة نفسية يتميز بالتوجه إلى مصدرين: رجال الدين أو المعالجين بواسطة السحر. في السنوات الأخيرة نلحظ ارتفاعا بالتوجه لتلقي خدمات الصحة النفسية المقترحة.

  2.  الوصمة والخوف من الانكشاف – الحاجة للحفاظ على السرية المعلل بالخوف من التبعات السلبية طويلة الأمد على كافة أفراد الأسرة.

  3. الافتقار للخدمات الملائمة من الناحية الثقافية – غالبية الخدمات المقدمة اليوم تستند إلى قيم ثقافية غربية – ليبرالية وهنالك صعوبة لتطبيقها في مجتمع محافظ.

  4. قلة الأخصائيين والمهنيين من المجتمع العربي الذين يتقنون اللغة والحساسية الثقافية المطلوبة.

للتلخيص:

في هذا المقال تطرقت لبعض التغييرات والمسارات الاجتماعية، القوانين والخدمات التي سعت لتحسين جودة حياة الأشخاص مع إعاقة. مجال الإعاقة هو مجال ثري وواسع جدا. لكل إعاقة مميزاتها الخاصة وبالتوازي أيضًا الخدمات الخاصة، وعليه أدعوكم للاضطلاع علـى المصادر المختلفة حول الموضوع لإثراء المعرفة واكتساب المعلومات.


كاتبة المقال: رونيت جولدينير وهي عاملة اجتماعية مختصة في مجال الأشخاص من ذوي الإعاقات.

رونيت جولدينير

عاملة اجتماعية مختصة في مجال الأشخاص من ذوي الإعاقات

شاركونا رأيكن.م