'صحتكم بالدنيا', تغريدة نستقوي بها، نحن الفلسطينيون، عادة عند المأزق، اقتصادي كان، مهني مجتمعي أو عائلي.

ونسأل 'كيف الصحة', للمارة كما للأقرباء، قلبنا الدافئ على صحة الجميع. نرفع كأسا 'بصحتكم'، نبارك احتفال أو عيد، فصحتنا التي لنا تعنينا.

تعلمنا عن قرب؛ 'على جلدنا'؛ مع نشوب جائحة كورونا، عن أهمية الصحة ووجع تراجعها إن غفلت عين وتاهت مشاعر خيّالة عربية أصيلة، تغمر، تقبل أو تصافح. فالصحة تصدرت عناوين الأخبار، صباحات الجارات، أحاديث المكاتب والمقاهي، وفكر الجميع؛ صغارا كبارا، ملأت أفواههم أحاديث عن كورونا، الصحة، الحجر الصحي والإغلاق.

على مدار سنتين، تبادل مجتمعنا شعور غير مسبوق من المسؤولية تجاه النفس والغير؛ كبار السن والفئة غير الحصينة. كما وجد الكثيرون الحاسة الماسة لاعتناق شخص الطبيب والباحث، مواكبين تحليلات محلية وعالمية، دراسات ومقالات علمية. أسرار هذا التفاعل كانت المصادر المفتوحة، تبادل المعلومات عالميا والتواصل المتواصل لمضامين عن كورونا عبر المنصات الاجتماعية. لن أتطرق هنا الى الجوانب السلبية العديدة التي واجهناها، والأساطير عن حلول وعلاجات ليس لها أساس، أو تفاعل مع مصادر غير موثوقة أو كاذبة، فهذه الظواهر شائعة في العالم أجمع، لربما بدرجات مختلفة.

الظاهرة الأهم بعيني كانت اهتمام الناس بتفاصيل تخص بصحتهم. تعمقهم وتوسع ثقافتهم الصحية حول كورونا، من أعداد وعوارض، أسباب وآمال لعلاج أو لقاح. أرقام ورسومات بيانية وتحليلات يومية بكميات هائلة تدفقت لعقولهم، فصارت يومياتهم.

ثقافتنا الصحية كفلسطينيين هي من أهم الأسس لضمان صحة سليمة طويلة الأمد. الثقافة لا تقتصر فقط على الرعاية الوقائية (وهي مهمة جدا لا شك)، بل أيضا على مواكبة التطورات الطبية، مستجدات العلاجات، والتحديثات العلمية عالميا التي تطرح بدائل وطرق لكشف الأمراض مبكرا وبدقة عالية. إضافة الى ذلك، علينا تطوير معرفتنا للغة الطبية إلى حد ما ليكن بوسعنا الحديث مع الطاقم الطبي بعمق أكبر مما هو عليه اليوم. ثقافة ملمة كهذه تفيدنا بنهاية الأمر باستكمال ما نحصل عليه من معلومات وخدمات طبية متاحة ضمن صندوق المرضى.
التغذية الثقافية عن الصحة والتطورات التقنية في عالم الصحة تؤهل كل شخص لطرح أسئلة سليمة يوجهها للطبيب أو المؤسسة الطبية، لفهم أعمق للوضع الصحي، وللبحث والحصول لربما على فرص تشخيص أو علاج أفضل وأبكر. مثلا من خلال اختيار مكان الفحص الطبي، فللأسف أحدث التقنيات والأجهزة الطبية لطالما نجدها في المشافي الخاصة أو المشافي العامة في مركز البلاد بعيدة عن المواطن العربي. كما وعدد الأجهزة والمعدات الطبية والعيادات المختصة في المناطق العربية أقل من غيرها، والبعض منها غير متوفر ويصعب الوصول له. على سبيل المثال، هنالك ٢١ جهاز أشعة مقطعية (سي تي) شمالي البلاد (حيفا شمالا)، ١٠ منهم في مدينة حيفا، بينما هناك ٥٦ جهاز سي تي في المركز جنوبا (معظمهم في قطاع تل أبيب)، حسب ما ورد في تقرير مركز البحوث والمعلومات في الكنيست، عام ٢٠٢٠.

فليست جديدة الثغرات في توفير الخدمات الطبية في البلدات العربية. فالطبيب العربي الذي يسعى لتقديم خدمات طبية مهنية وسخية لمجتمعه، لديه محدودية من اللوازم المستحدثة للاستخدام. فهناك أحيانا ميزات جديدة لها قيمة إضافية للفحص الطبي تأتي بوضوح أكبر بالتشخيص، وهذا يعني وضوح أكثر لإمكانيات العلاج، نجاعته أو حتى القرار بعدم الحاجة له.

وإن غابت عنا الإحصائيات حول هذا الموضوع، نجد العديد العديد من القصص الشخصية التي تشير الى أن العلاج الصحيح قدم متأخرا، أو لم يكن، أو أن الأجهزة الطبية الحديثة المناسبة لم تستخدم، وحتى في بعض الأحيان التدخل العلاجي لم يكن من الضروري، وما الى ذلك.

أضف إلى ذلك، أن اللغة الرسمية للتقارير الطبية هي اللغة العبرية مدمجة بمصطلحات طبية علمية قلة ما يفهمها شخص ليست لديه الخلفية العلمية ذات صلة بالطب. بحسب مصدر 'الكتاب السنوي لصحة السكان العرب في إسرائيل', نسخة ٢٠٢٠, فإن استهلاك المعلومات الطبية في عام ٢٠١٧ كان أكبر لدى الرجال والنساء اليهود مقارنة مع العرب (٥١٪ لدى النساء العربيات مقابل ٦٨٪ لدى النساء اليهوديات، و٤٣٪ لدى الرجال العرب مقابل ٥٦٪ لدى الرجال اليهود) وأن نسبة البحث عن معلومات حول الصحة عامة، الأمراض، العلاجات الوقائية والحقوق الصحية كانت لدى اليهود ضعف عما هي لدى العرب. معطى آخر مثير جدا هو أن ٤٥٪ من العرب يثقون بشكل كبير بنظام الرعاية الصحية مقابل ٢٣٪ فقط من اليهود. فأتساءل هل ينبع هذا من ثقة فعلية أم ضعف في الثقافة الصحية وإدراك المستحق؟

فإن نسخنا مقدرتنا الثقافية خلال زمن كورونا، لكل ما يخص بصحتنا، لاستطعنا أن نمتلك صحتنا وأن نتخذ زمام الأمور لنكن في صلب الصورة، شريكين في القرارات مع الطبيب، نفهم خطة العلاج وأبعادها، ندرك ما هي الخيارات الأخرى المتاحة من خلال الاضطلاع على مصادر مختلفة والاعتماد على معلومات ومعطيات تخص بالحالة.

وجب التوضيح أن الوعي الثقافي للصحة لا يبدل إطلاقا مواكبة طبية رسمية لدى الطاقم الطبي المختص والذي يعمل بمهنية لا متناهية وطاقات رهيبة تحرص على كل فرد فينا بشكل مباشر وغير مباشر. ننحني لهم شكر وامتنان.

دمتم سالمات وسالمين.


كاتبة المقال: د. حنان خميس وهي حاصلة على لقب الدكتوراة في الهندسة الحيوية الطبية من معهد التخنيون، تعمل في شركة Siemens Healthineers الألمانية؛ ومؤسسة شريكة وعضو مجلس إدارة في جمعية نساء عربيات في مجالي الهندسة والعلوم AWSc.

د. حنان خميس

مهندسة مختصة في مجال الهندسة الطبية، مديرة منتج في شركة Siemens Healthineers  الألمانية، ومؤسسة شريكة لجمعية نساء عربيات في مجالي العلوم والهندسة AWSc.

شاركونا رأيكن.م