سرطان الأطفال وتأثيره على الوالدين
مقدمة
تشخيص السرطان لدى الطفل يشكل عبئًا وضغطًا كبيرًا على كافة أفراد الأسرة والمحيط القريب، ويخلق حالة من عدم اليقين في حياة الوالدين، بسبب ما يحدثه الامر من خلل في الوظائف الأساسية في حياتهم كأفراد أو أزواج أو أسرة.
منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها الشك بإصابة الطفل بمرض السرطان، يهتز الاستقرار في الحياة الأسرية؛ وتنشأ حالة جديدة تتطلب تغييرات في الأدوار داخل الأسرة، وإعادة التنظيم واتخاذ القرارات التي لم يختبرها أفراد الأسرة من قبل.
خلال سنوات عملي في قسم أمراض الدم والأورام لدى الأطفال في مستشفى رمبام، انكشفت على كم الألم والصعوبات التي تمر على العائلات بتعاملهم مع مرض السرطان لدى الأبناء في مراحله المختلفة وما يتطلبه الامر من موارد وأدركت مدى أهمية تعامل الاهل مع الطفل المصاب بالسرطان وتأثيره المباشر على تكيف الطفل والأسرة مع المرض وسبل التعاطي معه.
خلفية
مرض السرطان هو بمثابة مجموعة من الأمراض التي تتشارك فيما بينها بتطور ورم جراء انقسام غير قابل للسيطرة لخلية واحدة أو لعدد صغير من الخلايا. في الماضي، كان المرض يعتبر مهددًا للحياة، وفرصة الشفاء منه كانت متدنية والعلاجات التي قدمت كانت مختلفة من مريض لآخر. بينما في السنوات الأخيرة ارتفعت معدلات الشفاء، وأصبح المرض يعتبر مزمنًا وليس بالضرورة نهائيًا. كما تشمل علاجات السرطان اليوم: العلاج الكيميائي والإشعاعي والاستئصال الجراحي (الجراحة) وزرع النخاع العظمي والعلاج البيولوجي والمناعي. كما تتم ملاءمة أنواع العلاجات بحسب نوع المرض وتجاوب المريض معها. في بعض الأحيان يعتمد العلاج على دمج انواع مختلفة من العلاجات. تساعد هذه المجموعة من العلاجات على شفاء 75٪ من الأطفال المصابين بسرطان الأطفال.
مراحل المرض
في المقالات والكتب العلمية التي تتناول المرض والأزمات، ننظر إلى مسار المرض كسلسلة من المراحل، ولكل مرحلة خصائصها الفريدة.
مرحلة التشخيص - عادة ما يتم الكشف عن السرطان بشكل مفاجئ وبدون تحضير مسبق. يوصف تلقي نبأ التشخيص بأنه حدث صادم، "زلزال"، للوالدين والأطفال. مرحلة التشخيص هي أصعب مرحلة في المرض. غالبًا ما تكون ردة الفعل الفورية للوالدين والطفل هي الصدمة وانعدام الثقة ولا يتقبلون المعلومات الأولية المقدمة لهم. تستمر هذه المرحلة من بضع دقائق إلى أيام. الإنكار في هذه الفترة يساعد على التكيف ويساعد الشخص على استيعاب المعلومات تدريجيا وبطريقة مضبوطة. الخوف من احتمال وفاة الطفل حاضر وقوي للغاية في هذه المرحلة من التشخيص، رغم أنه يستمر في المراحل المتقدمة، وهناك ارتفاع في الضائقة النفسية مقارنة بالمجتمع العام، وهناك أعراض نفسية (مثل القلق والاكتئاب) في بعض الحالات، قد تمتد إلى ستة أشهر من يوم التشخيص.
في الفترة الأولى من المرض، يتواجد الطفل والاهل في عالم جديد وغريب بالنسبة لهم، قسم الاطفال مرضى السرطان في المشفى، الطاقم العلاجي، المصطلحات الطبية وأسماء الأدوية والإجراءات غير المألوفة تزيد من الشعور بالارتباك وعدم السيطرة. أما بالنسبة للإخوة، قد تكون الفترة الأولى فترة ارتباك وخوف. الأطفال، حتى الشباب في سنهم، يدركون ما يحدث في الأسرة. وهم على علم بأن شقيقهم \ شقيقتهم دخلوا إلى المستشفى وأن زيارات ومراجعات تتم الآن لدى لطبيب والمستشفى. يلاحظون أن والديهم قلقان وأنهم يحاولون تهدئة بعضهم البعض. عليهم أن يعتادوا على أن الوالدين يتغيبان لفترات طويلة عن المنزل. قد يجد الأشقاء أنفسهم مع أقارب أو أصدقاء ويشعرون بتراجع الاهتمام باحتياجاتهم.
مرحلة العلاج - في هذه المرحلة يواجه المريض آثارًا جانبية جسدية إثر العلاجات إلى جانب حالة التكيف النفسي والاجتماعي مع المرض واسقاطاته على حياة الأسرة بأكملها، الذي يتميز بزيارات متكررة إلى القسم ومبيت متكرر في المشفى والتكيف مع الإجراءات الطبية. عملية العلاج طويلة وصعبة ومرهقة. يصاب العديد من الأطفال بمشاكل سلوكية وأحيانًا اضطرابات نفسية. هذه الاضطرابات مؤقتة في الغالب. يمر أفراد الأسرة بواحدة من أشد الصدمات التي يمكن أن تحدث في الحياة الأسرية تليها عملية التكيف العاطفي في ظل المرض، وحياة مصحوبة بالآمال والقلق وعدم اليقين وعدم القدرة على التخطيط وانعدام السيطرة.
إلى جانب الاضطراب النفسي، في هذه المرحلة، يتعين على الوالدين اكتساب مهارات جديدة ومعقدة في تربية الأطفال، بما في ذلك الحاجة إلى أن يكونوا شركاء في العلاجات التي يخضع لها الطفل، ودعمه في اللحظات الصعبة والتعامل مع حالة عدم اليقين. ومع ذلك، هناك احتمال ألا يستجيب الطفل للعلاج أو يعاني من آثار جانبية طويلة المدى (جسدية أو عصبية - سلوكية أو نفسية - اجتماعية). يواجه الأهل عبء العمل اليومي وصعوبة في أداء الأدوار المختلفة. ويقوم أحد الوالدين بأخذ المسؤولية ويكون الراعي \ المرافق الأساسي للطفل. العلاج قد يكون مرهق ويمتد على مدار ساعات وأيام ويتضمن: الاستحمام، والمساعدة في ارتداء الملابس، والمساعدة في تناول الطعام، والرعاية الطبية المستمرة في المنزل حسب الحاجة، والسفر إلى المستشفى، والاهتمام بتشغيل وترفيه الطفل، والمبيت معه في المستشفى بحسب الحاجة. هناك صعوبة أخرى يجب على الأهل التعامل معها وهي القلق بشأن الأشقاء المعافين - غالبًا ما يشعر الأهل بالذنب بشأن "إهمال" الأطفال المعافين، بسبب العناية المكثفة بالطفل المريض. يعاني الأشقاء من سوء المعاملة من جانب الوالدين، والعزلة والصعوبات العاطفية. إن مشاعر التمييز هذه من جانب الأطفال الآخرين في الأسرة تجعل من الصعب على الوالدين التعامل معها. من القضايا المهمة التي تحصل خلال مرحلة العلاج، التغييرات في العلاقة الزوجية: فعملية التكيف مع مرض الطفل قد تخلق ضغوطات في العلاقة الزوجية، التركيز على الطفل المريض واحتياجاته واهمال الاحتياجات الزوجية.
مرحلة الاستراحة - تعني هذه المرحلة أنه لم يعد هناك دليل على وجود المرض، فقد استجاب الجسم بشكل إيجابي للعلاجات ويخضع لعلاج متابعة. بعد هذه المرحلة تبدأ مراقبة عملية التعافي. يتم تحديد "التعافي" بعد مرور خمس سنوات دون وجود دليل على المرض. قد تبدو مرحلة الراحة والعودة إلى الروتين والانتقال إلى فترة المتابعة كمرحلة سهلة. ومع ذلك، غالبًا ما يشعر الاهل للأطفال الذين تعافوا من السرطان بضيق عاطفي يستمر حتى بعد انقضاء علاقتهم بالمستشفى. في هذه المرحلة، الكثير من الأهالي يتيحون المجال لأنفسهم التعبير عن عما يجتازونه، وذلك على ما يبدو لأنهم لم يعودوا بحاجة لتجنيد كافة قواهم لمكافحة المرض على المستوى اليومي. أحيانا، تتطور علاقة تعلق مع المشفى والطاقم العلاجي، ومعها قلق بالغ من العودة بمفردهم إلى البيت. في هذه المرحلة، يستوعب الاهل ما مروا به من تجارب منذ بداية التشخيص وفترة العلاج، يحصل هذا لأنهم الآن ليسوا مضطرين إلى حشد كل قواهم من أجل المواجهة اليومية مع المرض. في بعض الأحيان، يتطور تعلق زائد بالمستشفى والطاقم العلاجي، وهناك قلق هائل من العودة إلى المنزل بمفردهم.
بعض الأطفال يمرون بمراحل إضافية:
مرحلة الانتكاسة- في هذه المرحلة يتلقى المريض علاجات أكثر شدة بسبب عودة ظهور المرض، ويصاحبها ردة فعل عاطفية مماثلة لتلك التي ظهرت في مرحلة التشخيص، ولكن أكثر شدة. عودة ظهور المرض يشكل أزمًة حادة تنضوي على الشعور بالتهديد الوجودي، وعدم اليقين بشأن المستقبل، والغضب، والإرهاق، والارتباك، والشعور بالذنب، والحزن، وعدم اليقين، والعجز. في هذه المرحلة يبذل الوالدان جهودًا للتغلب على الصدمة واليأس، والتوصل إلى قرارات حكيمة بشأن العلاج، مع قبول حقيقة أن النتائج خارجة عن سيطرتهم. إنهم يبحثون عن أفضل الطرق لعلاج طفلهم وفي نفس الوقت يستعدون لموته المحتمل. يعاني الأهل في هذه المرحلة من الانفصال عن بيئتهم الاجتماعية والعائلية ويبلغون عن مستوى عالٍ من التوتر والأعراض الجسدية (مثل اضطرابات النوم وفقدان الشهية وفقدان الوزن وغيرها من الأمور). المحيط القريب تعب من تقديم العون للوالدين والطفل، وتكون حالة من الصمت حول الطفل ومرضه.
المرحلة النهائية - في هذه المرحلة، يتم إيقاف العلاجات الفعالة والانتقال إلى العلاجات الداعمة (على سبيل المثال، عقاقير مضادة للألم). تتميز هذه المرحلة بالتعامل مع الحزن والفقدان المتوقع للمريض.
إن أهل الأطفال المصابين بمرض السرطان في حالة وجودية معقدة ومستحيلة. إن معرفة نهاية مرض الطفل أمر غير مفهوم ولا يمكن تصوره. عادة، بعد الصدمة الأولية، يتحرك الوالدان، لطلب المعلومات، والتشاور مع الخبراء، ومعرفة الأدوية أو العلاجات. إنهم يشعرون بالإرهاق الشديد وانهيار دورهم كأهل قادرين على حماية طفلهم، لكنهم يحاولون الحفاظ على الأمل ووضع خطط للمستقبل.
إن وصف مراحل المرض يوجهنا إلى رؤية سرطان الطفولة على أنه مرض مزمن يصيب العديد من جوانب حياة المريض وأسرته، ويؤكد الدور الكبير للوالدين في هذه المراحل.
تتأثر قدرة الطفل على التعامل مع السرطان بشكل كبير بالعائلة وردود افعال أفرادها ورد فعل المنظومة الأسرية بأكملها. يواجه الوالدان فكرة أن طفلهم قد يموت بسبب مرض السرطان ما يتسبب في ظهور أعراض صادمة كالضائقة والقلق.
الوالدية هي القدرة على رعاية وبناء بيئة تسمح بالنمو والتطور لكل إنسان. هي عملية معقدة، وكونك أبًا أو أمًا لطفل مصاب بالسرطان يعني فهم واحتواء أبعاد هذه التجربة. تواجه هذه التربية تحديًا وجوديًا وذهنيًا، يؤثر على الآباء والأمهات على حد سواء منذ يوم اكتشاف المرض وبدء العلاج وبعده بسنوات عديدة.
إلى جانب الآثار السلبية للمرض على الطفل المريض وأفراد أسرته، يمكن أيضًا ملاحظة الآثار الإيجابية. لاحظ أهل الأطفال المصابين بالسرطان أن حياتهم أصبحت ذات معنى أكبر أثناء علاج مرض الطفل، وتعلموا أن يقدروا أطفالهم وأسرتهم وأصدقائهم أكثر من ذي قبل، وأن التعامل مع المرض جعلهم محصنين أكثر في مواجهة الصعوبات.
في الختام، الأهل الذين يشكلون نظام دعم أولي لأطفالهم، يواجهون تحديات كثيرة في علاج سرطان الطفل، والعلاج لا يعتمد فقط على التعاطي مع المرض، بل يدمج متابعة احتياجاته التعليمية والاجتماعية والسلوكية، والذهنية، والنفسية، والعاطفية، والجسدية. نتيجة لذلك، يزداد شعور الوالدين بالتوتر، لكن هذا الضغط لا يؤدي بالضرورة إلى انعدام القدرة على القيام بالوظائف الوالدية، وتتراوح إسقاطات هذه الحالة من التكيف الناجح وحتى افتقار القدرة على التكيف.
كاتبة المقال: د. سوار مخول - خوري وهي عاملة اجتماعية ومعالجة نفسية ومحاضرة في قسم العمل الاجتماعي في كلية "تل حاي الأكاديمية" وكلية "صفد الأكاديمية".
د. سوار مخول - خوري
عاملة اجتماعية ومعالجة نفسية ومحاضرة في قسم العمل الاجتماعي في كلية "تل حاي الأكاديمية" وكلية "صفد الأكاديمية"