شهادة مناضل
للكتابة عن الجولان العربي السوري المحتل لا بد من ذكر بعض المعلومات عن تلك المنطقة التي لا يمكن الاستغناء عن ذكرها.
جغرافيّاً، مرتفعات الجولان هي الجزء الجنوبي الغربي من سورية؛ إدارياً، هي جزء من محافظة القنيطرة وعسكرياً، هي الجبهة المواجهة لإسرائيل، تلك الجبهة التي كلفت الشعب السوري غالي التضحيات استعداداً ليوم تحرير فلسطين.
عندما شنت إسرائيل عدوانها على الدول العربية في العام ١٩٦٧ لم تصمد تلك الجبهة المحصنة والمسلحة إلا لبضع ساعات، سقطت بعدها بين أيدي القوات المعتدية ليتبين أن الغالبية العظمى من سكان الجولان، ولأسباب متعددة، قد غادروا المنطقة وبقيت ست قرى في شمال الجولان مأهولة بالسكان.
لم يتجاوز عدد السوريين الذي بقوا في قراهم السبعة آلاف نسمة وكانت نسبة الجيل الشاب قليلة بسبب نزوح عدد كبير منهم لأسباب متعددة وكانت الخلافات السياسية تفرض جواً من التباعد والفرقة.
لم تمر أيام قليلة، وبمبادرة ذاتية وبشكل ضيق من جانبنا، حتى بدأ الاتصال السري مع السلطات السورية لتنسيق النشاط المعادي للصهاينة.
الاحتلال الإسرائيلي للجولان مثله مثل أي احتلال في العالم يستجلب المقاومة له من السكان المحليين. وعندنا، لم يتأخر الوقت حتى بدأت خلايا المقاومة تتشكل رغم الظروف الصعبة التي كنا نمر بها.
اهم الصعوبات كانت قلة عدد السكان الذين لم يغادروا قراهم حيث لم يصل عددهم السبعة آلاف نسمة معظمهم من كبار السن. كانت نسبة الشباب قليلة بسبب وجود عدد كبير منهم خارج الجولان أيام الحرب يمارسون وظائفهم وأعمالهم فأصبحوا نازحين.
واجهتنا معضلة كان لا بد من التغلب عليها هي أننا في الجولان مختلفون في الرؤية السياسية. وقد عمق البعثيون بعد سيطرتهم على البلاد تلك الهوة واستئثارهم بكل الوظائف وحرمان غيرهم منها، بل أكثر من ذلك تصرفوا بعدائية تجاه كل من خالفهم الرأي.
للتغلب على قلة العدد وعلى الخلافات السياسية ولكي تكون مقاومة الاحتلال والتصدي لمخططاته ناجعة، كان من الضروري تجاوز الخلافات والعمل سوية علّ النجاح يكون حليفنا. وهذا ما كان.
خلايا المقاومة التي بدأت بعدد قليل من الأفراد توسعت وزاد عددها وتمركز نشاطها في اتجاهين: أحدهما- جمع معلومات عسكرية عن قوات الاحتلال وإيصالها إلى استخبارات جيشنا السوري للاستفادة منها؛ والثاني- رفض سياسات الاحتلال الهادفة إلى طمس هوية الجولان السورية.
أخذت سلطات الاحتلال العمل على تطبيق بعض القوانين الإسرائيلية، لكن بصيغة قرارات تصدر عن الحاكم العسكري لمنطقة الجولان وقد نجحنا في رفضها وأعقنا تطبيقها علينا لسنوات.
على الجانب العسكري، استطعنا جمع معلومات عسكرية مهمة جداً امتدت على امتداد الاراضي المحتلة من قناة السويس إلى مرصد جبل الشيخ وكان لتلك المعلومات دور فعال وهام جداً في الانجازات التي تحققت في أول أيام حرب ١٩٧٣ وقد اعترف بها موشي ديان، وزير الحرب الاسرائيلي يومها.
في بداية العام ١٩٧٣ اكتشفت سلطات الاحتلال أمر خلايا المقاومة وتم اعتقال معظم العناصر فتعرضوا لأحكام قاسية بعضها لسنوات طويلة وبعضها لعدة سنوات انتهت، لكن سرعان ما عاد الذين انتهت محكوميتاهم إلى ممارسة دورهم النضالي في حين اعتقدت السلطة المحتلة بأنه أصبح بإمكانها تمرير مخططها الهادف إلى جعل الجولان جزءًا من كيانها واستصدرت قراراً حكومياً يفرض الجنسية الاسرائيلية على سكان الجولان . تصدى أبناء الجولان لذلك القرار ورفضوه بإصرار ولكي يؤكدوا موقفهم الثابت أصدروا وثيقة وطنية تحرم على أبناء الجولان طلب الجنسية الاسرائيلية أو القبول بها.
بعد أن أفشلنا قرار الحكومة الاسرائيلية وسلطاتها العسكرية بفرض الجنسية علينا وكردّ على هزيمتها، أصدرت الكنيست قانوناً اعتبرت بموجبه مرتفعات الجولان أراضي اسرائيلية ويصبح بموجبه أبناء الجولان الرافضون للجنسية مواطنين تطبق عليهم معظم القوانين الإسرائيلية.
نجحنا أيضاً في التصدي لهذا القانون وأثبتنا للقاصي والداني أن الجولان سوري الانتماء والهوية ولا يمكن المس بذلك.
نجحت مجموعة المقاومة التي بدأت بأفراد وازدادت وتوسع نشاطها واستطاعت إفشال كل المخططات الخبيثة، بفضل الإصرار على التشبث بالانتماء إلى شعبنا ووطننا وكان ذلك بفضل التعاون الوثيق بين كل الفعاليات الوطنية، من رجال دين ورجالات مجتمع ونساء مهتمات بالشأن العام وعناصر شابة متحمسة لانتمائها الوطني.
لعب الأشخاص الذين شكلوا خلايا المقاومة الأولى في الجولان دوراً مركزيا في التواصل مع الشخصيات الفاعلة في المجتمع والتنسيق فيما بينهم لإنجاح الموقف المقاوم وقد وفقنا فيما سعينا إليه.
الإيمان بالهدف والاستعداد للتضحية، مهما غلت، في سبيل تحقيقه والتحلي بالحكمة واحترام رأي كل المتواجدين في الخندق ذاته ونبذ الانانية وحب الذات – هي عناصر تمنح أية مجموعة، مهما قل عددها، القدرة على تحقيق أصعب الأهداف.