حصيلة 55 عامًا من توثيق الجولان، في الفيديو الأرشيفيّ والأفلام السينمائية
بدأ التصوير والتوثيق عبر الفيديو في الجولان في الستينيات من قبل الوكالة البريطانية للأخبار Bathe وذلك عقب حرب العام 1967. ولم يكن قد تم تصوير الجولان بتقنية الفيلم أو الفيديو قبل ذلك. صور مراسلو الوكالة بعض الفيديوهات القصيرة بصيغة إخبارية، وفي الفترة ذاتها صورت الوكالة الفرنسية تقريرًا يظهر فيه مختار قرية سكوفيا المهجّرة حديثًا وهو يتحدث عن حالة التشرد واللجوء التي يعيشها اللاجئون. الفيلم المكتمل الأول الذي يتناول موضوع الجولان بعد الاحتلال هو فيلم "بعيداً عن الوطن" للمخرج قيس الزبيدي الذي حققه لصالح التلفزيون السوري في العام 1968 وقام بالتصوير مع الأطفال في مخيم "سبينة" للاجئين من الجولان.
مقطع إخباري يظهر فيه مختار قرية سكوفيا المهجرة، 1968
على الجهة الأخرى وفي شريط فيديو بيتي أفرج عنه الأرشيف الإسرائيلي مؤخرًا، توثق عائلة إسرائيلية زيارة أحد أبنائها الجنود في المنطقة المحتلة وتظهر فيه القرى السورية المحتلة وبقايا معسكرات الجيش السوري. وقد بدأ التلفزيون الإسرائيلي منذ نهاية الستينيات يصوّر بين الفترة والأخرى بعض التقارير الإخبارية الموجزة عن الجولان، أحدها تقرير حول توصيل الكهرباء لقرية مسعدة.
مشهد من فيلم ذاكرة لمحمد ملص، 1975
توقف التوثيق حتى منتصف السبعينيات حين بدأت تظهر أفلام سينمائية تسجيلية، حيث جلبت حرب 1973 اهتمام مخرجي الأفلام، كالمخرج السوري محمد ملص الذي ولد في الجولان وتربطه علاقة خاصة به، فقدم عام 1974 فيلمه القصير الصامت "قنيطرة 74" وفيه يصور شخصية فتاة تتجول في مدينة القنيطرة ومشاهد الدمار الحاصل وكأنها وتبحث عن ذاكرتها. في العام ذاته قدم المخرج جيم كرانمر الفيلم الوثائقي "القنيطرة موت مدينة" لصالح الجمعية الأمريكية للسلام وتظهر فيه مشاهد الدمار الذي خلّفه الجيش المحتل قبل انسحابه من المدينة. يعود محمد ملص ويتابع توثيقه للجولان بفيلمه الوثائقي القصير "ذاكرة" في العام 1975 ويصور فيه قصة وداد ناصيف، المرأة التي لم تغادر القنيطرة أبداً خلال فترة وقوع المدينة تحت الاحتلال.
مشهد من فيلم القنيطرة موت مدينة، 1974
مع إعلان إسرائيل ضم الجولان نهاية العام 1981 تسارعت الأحداث وأعلن سكان الجولان الإضراب العام والمفتوح في شباط 1982، فبدأت وكالات الأنباء تعد تقارير إخبارية شبه يومية وبكثافة غير مسبوقة. استمرت هذه الحال حتى نهاية الإضراب منتصف العام 1982. لم يستمر هذا الاهتمام الإعلامي طويلاً، فسادت بعدها فترة ندَرَ فيها التوثيق حتى العام 1992، حين أنجز محمد ملص فيلمه الروائي الطويل "الليل"، الذي تدور أحداثه في مدينة القنيطرة حتى الاحتلال. بعدها بدأت السينما السورية تقدم موجة من الأفلام التي كان الجولان في مركزها أو في خلفية أحداثها، كما في أفلام المخرج عبد اللطيف عبد الحميد والمخرج غسان شميط الذي كرّس معظم أفلامه من أجل قضية الجولان، كما في فيلمه "شيء ما يحترق" عام 1993 الذي ركّز فيه على معاناة النازحين في تجمعاتهم وواقعهم الصعب. في العام 1997 قدم المخرج عمر أميرلاي الفيلم الشخصي القصير "طبق السردين" ويحكي فيه قصته مع الجولان وفلسطين مع ما تبقى من مدينة القنيطرة ويستضيف فيه المخرج محمد ملص، ابن المدينة، وهو يتجول في مدينة القنيطرة المدمرة.
فيلم طبق السردين، 1997
بعد بدء المفاوضات بين سوريا وإسرائيل نهاية التسعينات بدأت تلوح في الأفق فرصة إعادة الأراضي المحتلة في الجولان إلى سوريا وبدأت وسائل الإعلام تهتم بالمنطقة من جديد وتبعها مخرجو الأفلام الوثائقية. فشهدت المرحلة اللاحقة تغطية إعلامية من قبل وكالات الأنباء، وتم إنتاج عدة أفلام سورية وإسرائيلية كانت بمعظمها أفلاماً وثائقية. ففي العام 1999 قدم المخرج الإسرائيلي عيران ريكليس في فيلمه "حدود" قصة جولانية كواحدة من قصص الحدود التي تتجول فيها الكاميرا على الحدود اللبنانية والأردنية والمصرية والسورية، فيتابع قصة عروس جولانية تريد العبور إلى سوريا لتتزوج من قريب عائلتها، لكنها تمر بصعوبات المرور بسبب تغيير الإجراءات الإسرائيلية. وقام ريكليس فيما بعد بتحويل هذا المشهد إلى فيلم روائي طويل تحت عنوان "العروس السورية" العام 2003، بمشاركة كاتبة السيناريو الفلسطينية سهى عرّاف. في الفترة ذاتها قدمت المخرجة السورية إيناس حقي فيلمها الوثائقي المعبر عام 2005 الذي يتابع تعقيدات زيارة أهالي الجولان المحتل إلى وطنهم سوريا، كما بدأت قناة الجزيرة بالتحضير لفيلم عن الجولان تم عرضه في جزئين تحت عنوان "منطقة دون مخرج".
مقاطع من أرشيف عائلة إسرائيلية، أغسطس\آب 1967 (دون صوت)
في العام 2007 قام عدد من المهتمين بقضية الجولان في سوريا بإنجاز الفيلم الوثائقي "الجولان في عيونهم" وتم عرضه في مسرح سينما "الأندلس" في القنيطرة المدمرة، تحت سقف وجدران السينما المتداعية وبحضور عائلات جولانية تهجرت من المدينة إثر الاحتلال عام 1967. تضمن الفيلم شهادات حيّة موثقة حول قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير المدينة. في السنة نفسها قدم غسان شميط فيلمًا ثانيًا عن الجولان هو فيلم روائي طويل بعنوان "الهوية" يروي قصة عائلة جولانية تحت الاحتلال.
يبقى محمد ملص مخلصاً لقضية الجولان ويعود في العام 2009 ليقدم فيلمًا روائيًا قصيرًا تحت عنوان "محارم محارم" وهو قصة طفل نزحت عائلته من الجولان. وفي العام 2013 أنجز ملص فيلمه الروائي الطويل "سلم إلى دمشق" الذي يخصص فيه مشهداً لطالب جامعي قدم من الجولان المحتل للدراسة الجامعية في دمشق.
في بداية العقد الأخير قام عدد من المخرجين من جنسيات مختلفة بتحقيق عدة أفلام وثائقية هامة، منها فيلم المخرج الأمريكي الناشط آدم شابيرو "الجولان القصر المحروس" عام 2010، ثم الفيلم البلجيكي "صرخة" 2010، والفيلم الأيرلندي "تفاحة الجولان" 2013.
تريلير فيلم تفاحة الجولان، 2013
تميزت السنوات العشرون الأخيرة بمبادرة مخرجين من الجولان إلى صناعة أفلام وثائقية وروائية عن المنطقة، حيث قدّم وسيم صفدي عدة أفلام وثائقية قصيرة، منها "حصار" و "في مهب الريح"، وقدّم إيهاب طربيه عام 2012 فيلم "المنسيون"، وهو فيلم روائي قصير، وأمير فخر الدين الفيلم الروائي القصير "بين موتين" عام 2015. وفي نقلة نوعية عام 2022 لرواية قصة الجولان سينمائيًا أنجز أمير فخر الدين فيلمه الروائي الطويل الأول "الغريب" وإيهاب طربية فيلمه الروائي الطويل الأول "طعم التفاح أحمر". وقد عُرض هذان الفيلمان في مهرجانات دولية.
يمكن النظر إلى الأفلام التي تناولت موضوع الجولان على مدى أكثر من خمسين عامًا على أنها غير كافية. تركزت في مراحل تاريخية مختلفة جرى فيها تسليط الضوء إعلاميًا على المنطقة، فكانت الأفلام تعالج هذه القضايا وأبرزها معيشة وهوية سكانه السوريين تحت الاحتلال وعلاقتهم بدولتهم الأم سوريا، بينما تناول عدد قليل من الأفلام الروائية قصصًا تركزت في موضوع العبور من وإلى سوريا. من جهة أخرى، وثقت محطات التلفزيون ووكالات الأنباء الحدث اليومي، مما ساهم في مراكمة أرشيف هام رغم قلته، يمكن من خلاله مشاهدة لحظات خاصة في حياة الجولانيين في المنطقة المحتلة.
سليم أبو جبل
درس المسرح والأدب العربي وكتابة السيناريو، يعمل كصحافي وناقد سينمائي. أسّس المهرجان المتنقل "أفلام من خلف الجدار" ونادي رام الله السينمائي. عمل كمبرمج أفلام لمهرجان "أيام فلسطين السينمائية" ومهرجان "حيفا السينمائي المستقل". تم اختياره عضو لجنة تحكيم في مهرجانات سينمائية وصناديق دعم الأفلام. حاز فيلمه الوثائقي "روشميا"على عدد من الجوائز من مهرجانات عربية ودولية