دير بالك على أصابعك!

كان المرحوم والدي يدعو في صلاته: "اللهمّ أبعد عنّا الحكومة والحكيم!" والحكيم هو الطّبيب عند القرويّين في ذلك الزّمان، وَبُعدُهُ يعني الصّحة الجيّدة وأذكر أنّني التقيت بطبيب العائلة قبل سنوات في مناسبة عائليّة، وكانت علاقة مودّة تربطنا ببعض فسألني عن صحّتي، كما هي عادة النّاس، فأجبته ساخرًا: ما دمت لا أراك فأنا بخير والحمد لله! فتضايق في البدايّة من جوابي النّاشف ثم ضحكنا ملء صدرينا، وأمّا الحكومة وعلاقتها المُرّة القاسية مع هذا الشّعب الصّابر فسيرتها مثل سيرة الحيّة كما يقول القرويّون أيضًا، أي لا نهاية لها، منذ العثمانيّين والسّفر برلك، مرورًا بالانتداب البريطانيّ البغيض ومشي أجدادنا وآبائنا على شوك الصبّار، ووصولًا إلى حكومات إسرائيل المتتاليّة برئاسة بن غوريون والحكم العسكريّ حتّى بنيامين نتنياهو ودرَّره بأنّ العرب إرهابيّون وكلّ من يتعامل مع ممثليهم عدوّ للدّولة!

 

عرف شعبنا على جلده الحكم العسكريّ ومجزرة كفر قاسم ومجزرة يوم الأرض ومجزرة أكتوبر، وعرف الاضطهاد والتّمييز ومصادرة الأراضي. وقالوا عنّا: سرطان في جسم الدّولة، يجب استئصاله، وقالوا أيضَا صراصير مخدّرة في زجاجة، واقترحوا تهجيرنا الى الأرجنتين وكندا وسوريا ولبنان والأردن.. وأشياء أخرى عديدة.. إلّا أنّ ملك إسرائيل بنيامين نتنياهو هو أكثر الرّؤساء تحريضًا علينا. هو المحرّض الأوّل على وجودنا وعلى لغتنا وعلى هوائنا وعلى مائنا وعلى خبزنا.

 

اتّهمنا بالتّزوير في الانتخابات وبالهرولة إلى صناديق الاقتراع ثمّ اتفق مع ترامب (لا ردّه الله) على ضم مدننا وقرانا في المثلث الحبيب إلى السّلطة الفلسطينيّة كي يتخلّص من وجودنا، كما شرعن القوانين العنصريّة من قانون النّكبة إلى قانون القوميّة.
ونحن نعيش في وطننا وسنبقى إمّا عليه وإمّا فيه. ولكن ما الّذي جابك على المرّ؟ قال: الأمرّ منه. فلا بدّ لنوّابنا في البرلمان من أنّ يتعاملوا معه ومع وزرائه.

 

اجتمع نوّابنا مثلًا بالوزير نفتالي بنيت وبالوزير سموطرتش وهما أشد تطرّفًا من رئيس الحكومة، وحقّقوا لشعبنا حقوقًا وإنجازات بدون مقايضة وبدون مساومة. وما تنازلوا عن شعرة.

 

نحن نصرّ على أنّ نأخذ حقوقنا من الحكومة، من رئيسها ووزرائها ومسؤوليها. هذه ليست منّة من أحد. نحن أبناء هذا الوطن وندفع مليارات الشّواقل ضرائب لخزينة الدّولة، وأولادنا الأطبّاء والممرّضون والصّيادلة في الخطّ الأوّل من الفرقة الأولى في الجبهة ضدّ وباء كورونا، وعمّالنا يبنون البيوت ويعبّدون الشّوارع ويفلحون الأرض ويشغّلون آلات المصانع ويصنعون الأدويّة، ومدرّسونا يدرّسون التّلاميذ والطلّاب في المدارس والمعاهد العاليّة من بساتين الأطفال حتّى الجامعات. وعلماؤنا ينافسون على المرتبة الأولى. نريد حقوقنا ولا نستجدي.

يردّد الصّحافيون في الصّحف العبريّة ووسائل الإعلام الأخرى بأنّ على كلّ سياسيّ يصافح السيّد نتنياهو، رئيس الوزراء أنّ يتفقّد أصابعه بعد المصافحة فقد يفقد إحداها.

 

على رسلك يا بنيّ!
كن حذرًا.. دير بالك على أصابعك. إذا صافحت هذا الرّجل فقد تفقد إصبعًا... إصبعين... ثلاثة أصابع!!
ورحم الله والدي الّذي كان يقول: اللهم أبعد عنّا الحكومة...
ولكنّنا، يا أبي، نريد الحكيم!!

  


كاتب المقال: محمّد علي طه وهو أديب وكاتب ورئيس لجنة الوفاق الوطني.

محمد علي طه

أديب وكاتب ورئيس لجنة الوفاق الوطني

شاركونا رأيكن.م