يجب التأثير في السّياسات الإسرائيلية لصالح مجتمعنا العربيّ
منذ دخلنا الانتخابات البرلمانِيَّة في الكنيست عام 1996، ونحن ننادي بتوحيد القوائم العربيّة، واعتبرنا الوَحْدة قيمة عُلْيا في عملنا البرلمانيّ السّياسيّ؛ ومن هذا المنطلق أسمينا حزبنا السّياسي "القائمة العربيّة الموحَّدة". ومن أجل الوحدة والحفاظ عليها كنا نحن في الحركة الإسلاميّة دائمًا من يضحّي ويتنازل للآخرين، ولولا تضحيات الحركة الإسلاميّة لما استمرّت القائمة المشتركة خلال السّنوات الأخيرة بسبب الصّراعات المقيتة على الكراسي الّتي اشتعلت بين بقية الأحزاب، بدءًا من ترتيب المقاعد، مرورًا بأزمة التّناوب عندما شغر مقعد النائب السّابق باسل غطاس، والموقف المشرف حينها للأستاذ إبراهيم حجازي رئيس المكتب السّياسيّ للحركةِ الإسلاميّة، وانتهاءً بمبادرة الدّكتور منصور عبّاس رئيس القائمة العربيّة الموحَّدة في الانتخابات الأخيرة بتراجعه عن المقعد الثاني إلى المقعد الرّابع لصالح رئيس التّجمع الوطنيّ الدّيمقراطي آنذاك د. امطانس شحادة من أجلِّ الحفاظ على وحدة المشتركة وعدم خروج التّجمع منها.
دخلنا انتخابات الكنيست كي نخدم أهلنا ونسعى في حل مشاكل مجتمعنا العربيّ الحارقة، بأسلوب عمليّ واضح، يغلّب مصالح مجتمعنا الحقيقية على الشّعارات التّي لا تكفي وحدها، والَّتي لم تحقق إنجازات، كما ثبت خلال سنوات طويلة ماضيّة، ودون أنّ نتنازل عن ثوابتنا الوطنيّة والعقائديّة، ومن موقع العزة والكرامة والنديّة الكاملة.
ولطالما تعرضنا لحملات تشكيك وتخوين من قبل الأحزاب العربيّة الأخرى، الّتي كانت دائمًا تشكك بنهجنا وبنوايانا وتخوّن خطواتنا، ثم حين يتضح للناس وللمجتمع صحة مواقفنا، سرعان ما تبدأ هذه الأحزاب بالتراجع، بل بمحاولة سرقة الإنجاز الذي خوّنونا بسببه. والأمثلة على ذلك كثيرة. أذكر منها:
إنجازنا الكبير بإلغاء ضريبة الأملاك، الذي حاولوا سرقته بعد ذلك.
وإنجازنا الكبير حين أيّدنا الانسحاب من غزة، من موقف سياسيّ مبدئي محض دون أي مقابل، كما أيدّته كلَّ الفصائل الفلسطينيّة في غزة والضّفة والشّتات، في حين عارضته بقيّة الأحزاب العربيّة في الكنيست وعلى رأسها الحزب الشّيوعيّ والتّجمع والتّغيير.
في حينه، كتبت جريدة "الاتحاد" التابعة لحزب الجبهة "كيف ستنظر غدًا في عيون أطفال غزة يا دهامشة"، ووقفت الأحزاب العربيّة الأخرى مجتمعة ضد الانسحاب من غزة، في نفس الصّف مع غلاة المستوطنين والمتطرفين الصّهيونيين، ومع غلاة اللّيكود الذين انشقوا عن شارون في محاولة لإسقاط حكومته ومنعه من الانسحاب من غزة، حيث اضطر شارون للتوجه لحزب العمل لضمه للحكومة من أجل إتمام الانسحاب من غزة آنذاك، وقفت بقية الأحزاب العربيّة وصوتت في الكنيست ضد انضمام حزب العمل لحكومة شارون. بينما نحن في الموحَّدة، وبفارق أصواتنا، نجحنا في إنقاذ حكومة شارون- العمل لنمكنّه من الانسحاب من غزة، وكان هذا انتصارًا وإنجازًا كبيرًا لشعبنا الفلسطينيّ ولأهلنا في غزة هاشم. ولم تمر أيام قليلة حتى كانت الأحزاب العربيّة الّتي عارضت الانسحاب أولَ المحتفلين بالإنجاز التّاريخي والانسحاب من غزة، حتى أنَّ جريدة الاتحاد كتبت حينها أنَّ الانسحاب من غزة "مسمار في نعش الاحتلال".
في تلك الفترة أيضًا كنّا قَدْ تفاوضنا مع حكومة شارون على أنّ نمتنع عن التّصويت على ميزانية الدّولة، ومقابل ذلك نجحنا بتحصيل مئات ملايين الشواقل لأبناء شعبنا ولسلطاتنا المحليّة في الداخل، ونجحنا في شطب ما تبقى من ديون ضريبة الأملاك بشكلٍ نهائيّ.
نحن في الحركة الإسلاميّة بين النّاس ومع النّاس طيلة أيام السّنة، نعرف احتياجاتهم وهمومهم وآلامهم ومشاكلهم. وحين دخلنا الكنيست دخلناها لنساهم في حلِّ هذه المشاكل وللتخفيف من آلام شعبنا. من أجلِّ ذلك كنا دائمًا نحاول التّأثير في السّياسات الرّسمية العنصريّة تجاهنا كأقلية قوميّة منكوبة، وأنّ يكون لنا دور فاعل في السّاحة السّياسية لما فيه مصلحة أبناء شعبنا، دون التّنازل عن مبادئنا وثوابتنا الوطنيّة والعقائديّة. بالمقابل، كان هناك دائمًا إجماع صهيوني على منع الأحزاب العربيّة من أنّ يكون لهم تأثير ودور في تغيير السّياسات الرّسمية، كلاعب شرعي في السّاحة السّياسية.
لقد نجح الدّكتور منصور عباس رئيس القائمة العربيّة الموحَّدة منذ دخل الكنيست في كسر هذا الإجماع وإضعاف مواقف الأحزاب الصّهيونية الّتي طالما أرادت إبقاءنا بعيدين عن الملعب السّياسي. فقبل هذا التّحرك، كانت جميع الأحزاب الصّهيونية تتبارى فيما بينها من يشرّع قوانين عنصرية أكثر ضد المواطنين العرب في الدولة، كقانون القومية وكامنتس والنكبة ومنع الأذان، وغيرها. وفي الجولات الانتخابية السابقة كانت جميع الأحزاب الصّهيونية تتبارى بدعايتها الانتخابية أيها يكون أكثر تحريضًا علينا. وأمام هذه الحملات العنصرية رأينا الأحزاب التي كانت محسوبة على المركز- يسار، مثل: كحول لفان ويش عتيد والعمل، تتهرب في دعايتها من الأحزاب العربيّة وتعلن عداءها لها ونزع الشّرعية عنها، ظنًا منها أنها بذلك ستحصل على المزيد من الأصوات الصّهيونية، الأمر الذي ساهم في زيادة الانجراف نحو اليمين في أوساط المصوتين اليهود. وكانت هذه الأحزاب تقول بشكل واضح: "لن نجلس مع العرب ولن نعتمد عليهم في تشكيل أي حكومة". وما تنكّر جانتس وحزب كحول لفان لتوصية المشتركة عليه منّا ببعيد.
واليوم، وبعد الخطوات التي قام بها الدّكتور منصور عباس، نرى أنّ نفس هذه الأحزاب، المركز- يسار، وحتى الليكود، أصبحت لا تمانع في الاعتماد على القوائم العربيّة لتشكيل ائتلاف بعد الانتخابات الحالية إذا ما سنحت لها الفرصة بذلك لإقامة حكومة.
وإذا نظرنا إلى دعاية الأحزاب اليمينيّة وعلى رأسها اللّيكود وساعر، بدلًا من التّحريض على المواطنين العرب كما كان في الجولات السّابقة، نراهم اليوم يتوجهون للمجتمع العربيّ ويطلبون ودّهم وأصواتهم ويعدون بتحسين ظروف حياتهم كمواطنين شرعيين لهم كامل الحقوق في الدّولة، ويرون بالأحزاب العربيّة شريكًا شرعيًا في التّأثير على السّياسات الإسرائيليّة، بدلًا من التحريض عليهم. وإن كنا لا نجهل أن هذه الشّعارات شعارات انتخابيّة تهدف لكسب أصوات المواطنين العرب، إلا أننا لا يمكن أن ننكر أن هذا التّغيير الكبير والواضح في السّياسات العامة والخطاب العام تجاه الأقلية العربيّة في الدّولة أصبح واقعًا مُعاشًا.
نعم، نريد أنّ نكون مؤثرين وأنّ يكون لنا دور فاعل ومؤثر في السّياسة الإسرائيليّة بما يخدم مصالح شعبنا ويحلّ مشاكلنا الكبيرة الحارقة، دون أنّ نتنازل عن أي مبدأ من مبادئنا الوطنية المجمع عليها. نعم نريد أنّ نحافظ على صبغتنا المحافظة، وعدم التّصويت على قوانين تدعم الشّواذ وتدعو لتأجير الأرحام وللمس بمحاكمنا الشّرعية ومكانتها، ومثلها من القوانين الكثير.
هل هناك وطنيّة أكثر مما حصّلناه نحن وما ندعو إليه؟ أي ثابت وطني أهم من تحريرِ ترابٍ فلسطينيّ كما الانسحاب من غزة؟ وأي ثابت وطني أهم من الحفاظ على أخلاق مجتمعنا واحترام موروثه الحضاري ومعتقداته وتقوية نسيجه الداخلي أمام ما يهدده من عنف وجريمة من جهة؟ ومن تشريع المثلية والشّذوذ الّذي ينقض ثوابتنا الاجتماعية ويهدم كياننا كبشر أسوياء من جهة أخرى. وأي ثابت وطني أهم من الحفاظ على أرضنا ووجودنا حين ألغينا ضريبة الأملاك بعد أن أغرقت أصحاب الأراضي العرب ديون لا قبل لهم بها مما اضطرَّهم إلى بيع أراضيهم ومصادرتها؟
هذا ما تدعو له القائمة العربيّة الموحَّدة - الحركة الإسلاميّة، وهذا ما يدعو له الدّكتور منصور عباس، وهذا ما يريده السّواد الأعظم من أبناء شعبنا.
كاتب المقال: المحامي عبد المالك دهامشة وهو رئيس القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية) الأسبق.