العنف ضد المرأة - دوافعه وأسبابه بحسب الفكر الشعبي

 يسألون ونسأل وسؤال يُسأل، ما هي الدوافع التي تقودنا للعنف ضد المرأة؟ وهل لتراثنا الشعبي أثر في ذلك؟

من أين نبدأ العرض واستعراض كواليس القضية؟ وما سبب انتشاره واستمراره رغم القيود والقوانين الدنيوية والدينية؟
تعالوا معي في مسح سريع لبعض مركبات تراثنا الشعبي، لعلنا نستوضح الأمر.
أول درجات التمييز يبدأ من تفضيل الذكور على الإناث بل ورفض ولادة الأنثى، حيث نستوضح ذلك من مجموعة من أمثالنا الشعبية:
البنت، بتجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار
صباح الحيّة ولا صباح البنيّة
موت البنات من المفخرات
ألف ولد مجنون ولا بنت ختون
البنت ما هي رجوه
البنت إن ضحكت وبيّن سنها، الحقها ولو بحضن أمها
البنت إن ضحكت وبيّن نابها الحقها ولا تهابها
نتبيّن من خلال هذه القلّة من الأمثال رفضنا لولادة البنت لأنها مصدر العار الذي يلحق بالعائلة.

مرحلة ما قبل الولادة
عندما تشعر الوالدة بآلام المخاض، تسرع حماتها لدعوة بعض القريبات لحضور الولادة، وذلك كي تساعد القابلة إذا ما لزم الأمر في عمليّة "الدحدلة" هذا إذا كان المولود "معارضا" أي إن رأسه لم تتم استدارته بحيث تصعب الولادة، عندها يضعون " المِطِلقة" على الحصير ويبدأن في "دحدلتها" بحيث تمسك كل ثلاث نساء من جهة من الحصيرة ويرفعونها فوق الأرض ويدحدلونها من البطن إلى الظهر كي يستدير رأس المولود إلى أسفل كي يستطيع الخروج من رحم أمه.
هنا تأتي إحدى النساء المدعوات وتغني هذه المهاهاة:
حطّي لباسك بالتطقة
وعنّي عنين الناقة
جيّابة الصبيان
ما عليها عاقة
وعندما يظهر نوع الجنين، وإذا كان ذكرا تغني حماتها:
تستاهلي يا نفسا
قفة ذهب ملزوزة
وتجيبي الصبيان
وتضلي معزوزة
أما والدتها فتغني:
مفرحتش يما بالصبي
قد ما فرحت بخلاصك
خشبة ثقيلة
بعيون حسّادك
أما إذا كانت المولودة أنثى، وقد تعسّرت الولادة فتغني:
قراصيا ونجاص
معباي بقفاص
لا فرحتنا بصبي ولا ببنت
إلاّ فرحتنا بالخلاص.
وفي المرحلة الثانية يأتي دور الأغنية على لسان الوالدة التي ترحب بمولودها الذكر فتقول:
ليلة ليلة هنيّة
والقناديل مضويّة
والعدوّة مرميّة
كلو من هالليلة

يومٍ جيتو يا صبيان
الحوش كلو فرحان
والعدوّه مش قادره تنام
كلو من هالليلة ...
أما في حال ولادة البنت، وإذا كانت بعد عدة بنات تغني الأم:
يومٍ قالولي بنت
في ليله زيّ الزفت
واللي تعشّى فاز بعشاه
وأبوها مقبّع بالبشت
يومٍ جيتي يا فطّوم
البيت كلو مهموم
وأمك نامت ما تعشّت
وبات طبيخها بالطابون

وفي مجال تعزيتنا لأم البنت، إذا كانت البنت هي بكرها نقول لها:
مسعدة يل تنجلي البكرك بنت وثنيك صبي
واضح من هذا المثل أن قبولنا لولادة البنت هي نفعية إذ إنها ستساعد أمها في الأعمال لمنزلية
أو
هاي حبّة من الرمان بكرا بتجيبي الصبيان
تفسير المثل:
هنالك اعتقاد شعبي أن بكل كوز رمان (ثمرة واحدة من الرمان) هنالك حبة واحده تسمى "الحبّة المباركة" وهنا نطلب أن تكون هذه البنت مثل حبة الرمان المباركة، أي تبقى وحيدة بين إخوتها.
وبعد
هنالك أمثال لم ندرك عمقها ولا السبب الذي لأجله قيلت..
البنت ضرّة أمها
وقد فسّرنا هذا المثل على أن البنت تغار من أمها وتريد أن تقلّدها بكل تصرفاتها الى أن تكرر المثل بصيغة أخرى
ضرّتها من صرّتها
أي إن ضرّة الأم هي ابنتها التي ولدتها من رحمها. وهنا توقفنا عند معطى إحصائي يفيد بأن 80% من الاعتداءات الجنسيةعلى البنات تتم على يد الأب أو الأخ والأقرباء المقربين، إلى جانب ما سمعنا عن مثل هذه الحالات بيننا.
وهنا يحضر بقوة المثل القائل عن صعوبة تربية البنات إذ نقول:
"راسهن بدو فرارة، وطي..(مؤخرتهن) بدها نطارة" بمعنى أنه على الأم أن تُكثر من تفتيش شعرهن خوفا من وجود القمل والصيبان في شعورهن (فرارة)، والحرص عليهن من الاعتداءت الجنسية (مؤخراتهن بدها نطارة) "والنطارة" هي الحراسة.
ونأتي للمرحلة التالية، مرحلة الزواج.
هل كان للبنت رأي في تزويجها؟ هل معظم البنات قد تزوجن بمن يردنَ؟ ولا أقول بمن يحببن لأن الحب عار يلحق من تجاهر به.
لنتابع بعض أغاني الأعراس وما تحمل من ملامة للأهل الذين زوجوا بناتهم رغما عنهن، وكيف عبّرت الأغاني عن ذلك.
تقول الأغنية على لسان العروس:
قولوا لأبوي الله يخلّي أولادو
استعجل عليي وأطلعني من بلادو
يا ريت أبوي يحلف عليي الليلة
وأنا العزيزة أنام بين العيلة...
وأغنية أخرى تتحدث عن الألم الذي يحدثه زواج البنت الغريبة
يا زارعين الصبر كنّو الصبر كوّز
الله يعين اللي عندو بنت تتجوّز
تفاح في السوق يا شاري تعال اشري
يما رماني الهوى واصبحت معتلّة...
وكذلك:
هيج يا بحر واطلع قصايد
احنا تغرّبنا وهيك الله رايد
وعند وداع العروس نغني:
عَ المودعي عَ المودّعي
تعو يا رفاقه تا نتودّعي
لبست اسواره وشلحت اسواره
من تلا الحاره طُلّي وارجعي
وسؤال هام جدا، هل ظلم الرجل المرأة قدر ظلم المرأة للمرأة؟؟
سؤال قد يبدو غريبا ومستبعدا وبعيدا عن الواقع...
هيا نتعرف على بعض الأمثال الشعبيه التي توضح ذلك.
الخلاف الأزلي الأبدي بين الكنة والحماة وهذا الخلاف يظهر للعيان بين الكثير من عائلاتنا، مرة بشكل مستور ومرة بشكل فاضح، والنتيجة عائلة مفككة وزوج حائر بين أمه وزوجته والضحية الأكبر الأولاد.
ولتوضيح هذه العلاقه التي نستقيها من الأمثال التي تشرح مقتضى الحال، بمعنى أن خلفية المثل تأتي على خلفية التجارب الواقعية.
مكتوب ع باب الجنّة ما في حماة بتحب الكنّة
قالوا يا حماة مكنتي كنّه، قالت كنت ونسيت (عندما تمارس الحماة العنف ضد كنتها)
على بنتها حنونة وعلى كنتها مجنونة
بتقول الحماة لبنتها قومي حد جوزك دفّيه، وبتقول لكنتها ابعدي عن ابني خنقتيه.
الكنة أول سنة عروس، وثاني سنة جاسوس، وثالث سنة حيّة بسبع روس.
انكوي بالنار ولا تقعد حماتي بالدار.
ولا ننسى أغاني المهاهاة التي توضح العلاقة بين الكنة والحماة.
تغني الحماه:
يلّي قاعده حدّ ابني
ما فيكي اشي عاجبني
وإن ما عملتي متل ما بدّي
لتلاقي بيت الضرة مبني
فتجيبها الكنه:
وحياة شالك وشنشالك
فال الله ولا فالك
لأنهب مالك واشغل بالك
وبعد سنه بفرجيكي حالك
ولا تغيب عنا بعض الأغاني التي تقارن بين الأم والحماة، وهذه بعض أبياتها:
يا دلّي ويا دلّي
أنا وحدي أحسنلي
بخشّة امك ما بقعد
فيها البقّ بيوكلني
خشّة أمي احسنلي
خشة أمي مرشوقة
فيها الصبايا الممشوقة....
أخيرا
ألا تكفي هذه النماذج لنستوضح أسباب وأصل وكواليس العنف ضد بناتنا ونسائنا والتي تنتهي بالعلاقات الزوجية التي هي في واجهة العنف ضد المرأة؟
ماذا تنتظرون من رجل تربى على مثل هذه القيم المقيتة في التعامل مع زوجته؟

 


كاتبة المقال: نائلة لبّس وهي باحثة في التراث الغنائي النسائي.

نائلة لبس

باحثة في التراث الغنائي النسائي

شاركونا رأيكن.م