السينما كأداة لمنع العنف الجنسي كسلاح في الحرب

يبدأ الفيلم The Man Who Mends Women (اخراج ثيري ميتشيل 2015) بصور ساحرة من بلاد جميلة، نخالها في البداية افتتاحية لفيلم يندرج تحت مسمى وثائقيات ناشيونال جيوجرافيك، لكننا سرعان ما نصطدم بواقع وحقيقة مختلفان، عندما تقول فتاة صغيرة جميلة في دقائق الفيلم الأولى: ""لقد تعرضت للاغتصاب"" ثم تسرد على مسمعنا قصتها مع مسلحان قاما باغتصابها خلال الحرب الأهلية في الكونغو.. فيما نشاهد صورًا فظيعة لقتل الناس خلال الحرب يرافقنا صوتها وهي تتمنى أن يعاني هذان الرجلان كما عانت - قبل موتهما! يبدو واضحًا ان اختيار المخرج لحركة الكاميرا وزاوية الصورة التي تقدم لنا تفاصيل وجه الفتاة ذات الشفاه الجميلة والعيون البريئة والبشرة الناعمة، اشارة الى ما يختبئ من ألم وراء هذا الجمال، وهو إشارة الى ألم جماعي يختبئ وراء المناظر الطبيعية الساحرة لجمهورية الكونغو.

مشاهد مروعة يحتويها الفيلم، لكن المشاهد لا تساوي شيئًا أمام واقع هؤلاء النساء اللواتي عانين على مدار سنوات من استباحة اجسادهن من قبل الجماعات المسلحة، جريمة تأتي كجزء من الحرب المدفوعة بالرغبة في السيطرة على أرض غنية بالثروات الطبيعية، والنساء غير القادرات على حماية أنفسهن!

تناول الفيلم عددا من شهادات النساء اللواتي وصفن الفظائع المرتكبة ضدهن، فبعضهن اغتصبن على مرآى أفراد العائلة التي لا تقوى على الرد. تراكمت هذه القصص وتحولت الى قضية ترافق طبيب النساء دنيس مكويجي الذي قررالانطلاق في حملة لحماية هؤلاء النساء، اذ حمل معاناتهن وانطلق بها الى الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة ضمن مسعاه لوقف العنف الجنسي ضد النساء خلال الحرب. من هنا انطلقت حملات عدة لوقف العنف الجنسي في مناطق الصراع، لكن يبدو ان عدم وجود آليات ردع حقيقية تجعل من هذا الاستغلال فعلا مستمرا.

ولعل العنف الجنسي خلال الحرب في الكونجو كان واحدًا من اكثر المواضيع التي تناولتها افلام روائية ووثائقية، وليس هذا غريبًا على ضوء شهادات الناجيات اللواتي نتعرف الى قصصهن من خلال افلام مثل: The Greatest silence/ Fighting the silence/ Weapon of war/ Pushing the Elephant.

في مرحلة ما، ومع ظهور مأساة انسانية جديدة في الشرق الأوسط، بدأت العيون تتجه نحو سوريا، فلم تعد الافلام التي تعالج قضايا النساء في الكونجو وحيدة، وبدأت تظهر على الشاشات أفلام أخرى تصور الاساءة للنساء خلال الحروب والصراعات السياسية والعرقية والاثنية، لكن هذه المرة بطلاتها من السوريات.

ففي فيلم ""مسافر حلب اسطنبول"" (اخراج انداش اوغلو 2017) تظهر الجماعات المسلحة على الحدود السورية التركية وهي تقتاد بعض النساء من بين اللاجئات الى مكان لا نراه، فتحتمي اللاجئة مريم (صبا مبارك) بطفلة لاجئة وحيدة واختها الرضيعة متذرعة بكونهما ابنتيها لتحمي نفسها من مصير عشرات اللاجئات اللواتي يقعن ضحية للمسلحين اللذين يستخدموهن كتأشيرة لتسهيل عبور بقية اللاجئين.

الأفلام المرتكزة على أزمة اللجوء السورية تعكس معاناة النساء، لكن هذه المعاناة تظهر أيضًا في أفلام أخرى ولو بصورة غير مباشرة، الا ان طريقة عرضها كفيلة بأن تترك لخيالنا مساحة لفهم المعاني المبطنة. فالفيلم التونسي ""أخوان"" ( اخراج مريم جعبر 2018) يتحدث عن شاب يعود الى عائلته بعد غياب، وتولد لدى الاب شكوك حول انضمام ابنه لخلايا داعش الارهابية، خاصة حينما يعود متزوجًا من فتاة سورية منقبة. في صمت الفتاة وهي ترافق والدة زوجها في الاعمال المنزلية نتعرف الى احدى سبايا داعش، وهن النساء اللواتي ارغمن على توفير الخدمات الجنسية للمسلحين من خلال زواج بالاكراه ومسميات اخرى لا تقلل من فظاعة ما يرتكب ضدهن من اغتصاب تحت غطاء متذرع بالدين.

في العام 2019 أطلقت وزارة الخرجية البريطانية مسابقة لانتاج افلام تناهض استغلال النساء جنسيا في مناطق الصراع، وذكر بيان المنظمين ان الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي تستخدم كأسلحة حرب، وهي جرائم تتراوح بين الفعل الوحشي والتعذيب وحملات ممنهجة هدفها التطهير العرقي. ولان الأفلام أداة قوية لتسليط الضوء على العنف الجنسي في الصراع والمساعدة في إحداث تغيير حقيقي؛ فقد تم اتخاذ القرار باطلاق هذه المسابقة. لم اقم بالبحث عن الفيلم الفائز في ههذ المسابقة التي أعلن عنها قبل سنتين، لان هذه القضية لا تحتاج الى محفزات وجوائز كي تنطلق الى شاشات العرض ومن هناك الى الميدان حيث تحتاج الناجيات الى الدعم.

لقد عرف التاريخ كثيرًا من القصص حول الانتهاكات التي مارسها جنود ضد نساء، فالحرب الصربية سجلت حوادث اغتصاب للنساء المسلمات كجزء لا يتجزأ من الحرب العرقية، وكذلك دول الاحتلال حيث حلّت. ولكن السؤال الملّح هو ما الذي يحدث بعد عرض الافلام والخروج في تظاهرات ورفع الوعي، من ينصف هؤلاء النساء، وأي فيلم باكانه تعويضهن عن الأذى النفسي والجسدي الأبدي؟!

• تمت اتاحة الافلام للمشاهدة، مع التنويه الى ان بعضها يتضمن مشاهدًا صعبة!

سماح بصول

صحافية وناقدة سينمائية

شاركونا رأيكن.م