العنف ضد المرأة بين غياب القانون والقضاء العشائري!

حكاية استبرق بركة..

في زيارة كانت الأصعب بالنسبة لي حين توجهت لمنزل الفتاة المغدورة " استبرق بركة " في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، بصعوبة كانت والدة استبرق تروي تفاصيل مقتل ابنتها على يد زوجها ضرباً حتى الموت ، تقول " يوم الاحد اتصل فينا زوج استبرق فجرً قال انه بنتكم في المستشفى، روحنا بسرعة هناك فكرنا انها تعبانة او اشي ولكن انصدمنا لما الدكتور بلغنا انها توفت"

حسب تقارير الطب البشري والشرعي الذي عاين جثة استبرق تشير بأن ما بين 60 - 70 % من أعضاء جسدها الداخلية تهتكت نتيجة للضرب العنيف حيث وصلت الى المستشفى جثة هامدة.
المؤلم أن استبرق التي لم يتجاوز عمرها ال 17 عاماً كانت حاملاً حين تعرضت للضرب من قبل زوجها وحسب والدها بأن سبب قتل ابنته ليس واضحاً حتى الآن مرة يقال بأنها اعترضت على أمر يتعلق بالعائلة ورواية أخرى بأن الزوج فقد مبلغاً من المال فقوبل اياً كان ما صدر منها بالضرب المبرح ، قتلت استبرق هي وجنينها..

في معظم حالات الضرب التي تتعرض لها النساء يبدأ الأمر بالتوجه للمخاتير أو العشائر لحل الخلاف دون التوجه للشرطة او القضاء، وكثيرة هي الحالات التي تم حل الخلافات فيها عشائرياً، ولكن 60% من هذه القضايا يعود فيها الزوج او الاب او الابن للضرب مرة أخرى.

توجهت عائلة الجاني زوج استبرق الى الحل العشائري ولكن رفض والدها أي حلول ويطالب بالقصاص فقط من قاتل ابنته، والد استبرق يبكي “هذه بنتي قطعة من روحي راحت هي والي في بطنها من كثر الضرب ، مش متخيل بنتي نور عيني راحت هيك بس عشان قالت كلمة ما عجبت زوجها او عملت تصرف ما عجبو، ما بقبل الا القصاص زي ما قتل بنتي وعذبها يتعذب وينقتل."

المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عبر عن قلقه الشديد ازاء تنامي ظاهرة العنف المبني على النوع الاجتماعي وازدياد جرائم قتل النساء. كما يشير المركز بقلق إلى استمرار ظاهرة الزواج المبكر الأمر الذي يفاقم المعاناة التي تتعرض لها الفتيات والنساء في مجتمعنا الفلسطيني. ووفق توثيق المركز فقد قتلت (4) نساء في الأرض الفلسطينية المحتلة على خلفيات مختلفة خلال العام 2021، بينهن امرأة في الضفة الغربية و(3) نساء في قطاع غزة.

حكايات أخرى..

تسع سنوات من العنف الجسدي واللفظي عاشته هذه السيدة "رفضت الكشف عن اسمها " من قبل زوجها.. خمسة أطفال كانوا السبب الأساسي لتحملها هذا العنف من قبل زوجها الذي القي القبض عليه بتهمة تعاطي المخدرات.. وهي تسعى قضائياً منذ أشهر للحصول على حضانة الأطفال، تقول "كان يضربني باي اشي قدامه مش مهم ايش مرة قصلي شعري مرة تكسرت سناني ومرة كسري ايدي يعني كان يوميا انضرب، ولا اشي ممكن يخليني اتحمل الا الاولاد عندي تلات اولاد وبنتين بقول ايش ممكن يصير الهم كيف ممكن ياكلو انا تحملت عشانهم مش عشان حدا ابدا."

الاطفال الخمسة كانوا ضحية هذا العنف ايضا والذي ترك اثاراً واضحة على سلوكهم في كل مرة كانوا يشاهدوا والدتهم تعنف من قبل والدهم كما وصفت والدتهم "الاطفال عندي كان يصير معهم رعب بس يضربني قدامهم يصيروا يصرخوا ويصوتوا كمان كنت الاحظ عليهم انهم بس يلعبوا يعيدوا سيناريو الي صار معي من ابوهم وهم بلعبوا غير تكسير الاغراض يعني اشي القلب ما بتحملوا."

أين وكيف الخلاص من هذا العنف؟!


50٪؜ من النساء المتزوجات في غزة تعرضن للعنف بالضرب هذا العام وفق مركز الإحصاء الفلسطيني ، 1٪؜ منهن فقط لجأن الى الشرطة، ويؤكد مختصون أن خوف النساء من التقدم بشكوى ضد الزوج أو أحد افراد العائلة يعد عائقاً اساسياً في قدرة القانون أن يتخذ مجراه، وبعض النساء تشعر بأن القانون لا يحميهن وفي حال تقدمت بالشكوى لا توجد ضمانات على قدرة القانون أن يحميهن.

في حالات أخرى تلجأ النساء المعنفات جسدياً أو لفظياً أو معنوياً إلى مراكز حماية الأسرة، حيث يوجد في غزة بيت الأمان التابع للحكومة ومركز حياة المنبثق من مركز الأبحاث والاستشارات القانونية لحماية المرأة حيث يتم استقبال النساء المعنفات فيه والعمل على حل مشاكلهم على المستوى القانوني ايضا حسب طبيعة الحالة وان كان هناك خطورة على حياة المرأة تتشارك الشرطة والنيابة مع المركز لأخذ تعهدات من المعنف بعدم التعرض.

بعد التعامل مع الحالة المعنفه نفسيا يتم التعامل مع الاطفال مباشرة فهم اكثر عرضة للتغييرات السلوكية والنفسية بعد مشاهد العنف التي مروا بها داخل اطار العائلة، اكد مختصون ان الاطفال يمرون بداية بصدمة نفسية و انهيار عصبي وفقدان للثقة وقد يتحول في حالات اخرى مستقبلا لأمراض نفسية، تقول أيات ابو جياب وهي مختصة نفسية "العنف داخل اطار المنزل قاسي جدا على الاطفال ومباشرة يبدا الاطفال بتغيير سلوكهم تجد العدوانية والانطواء والعزلة ويؤثر ذلك على تحصيلهم الدراسي، وتخلق لديهم استعداد على ممارسة العنف ضد الاخرين، تجد هذا الامر في المدراس مثلا او مع الجيران وخلافه."

المصالحة الودية تنفي العقوبة

أكثر من 5 حالات قتل للنساء سجلت منذ مطلع هذا العام رصدها مركز الميزان لحقوق الانسان، بينما تواجه المؤسسات النسوية والحقوقية صعوبات عند تدخلها في حماية ضحايا العنف، بدءً من غياب القانون الرادع وصولا لرغبة البعض في حل المشكلات في حيز العائلات الممتدة أو العرف العشائري فقانون الصلح الجزائي يشجع على استمرار العنف، وتعتبر البيئة القانونية القائمة حالياً في فلسطين لا تزال فضفاضة وغير رادعة، بجانب العادات والتقاليد الموروثة التي تلعب دوراً أساسياً في تعزيز ظاهرة تعنيف النساء وقتلهن تحت مبررات ومسوغات عديدة لها علاقة بمفاهيم سائدة مثل “شرف العائلة”، أو “سلوكيات المرأة ”… مفاهيم تدور في فلك “لوم الضحية ” و“إنقاذ الجاني” من العقاب.

في النهاية تحسب للجمعيات النسوية مجهودها الكبير في احداث تغيير في ملف العنف ضد النساء الا ان العوائق كثيرة، فليس سهلا ان تبلغ المرأة تعرضها للعنف من زوجها او والدها.. ومن الصعب ان تأخذ حقها قانونيا في مجتمع شرقي تحكمه العادات والتقاليد والخوف من "الفضيحة" فتحل معظم القضايا في إطار النظام العشائري وقضايا اخرى تبقى دفينة المنازل.


شاركونا رأيكن.م