الإنفلونسيرز: ما مدى تأثيرهم؟ وكيف تتم الملاءمة بينهم وبين المنتج أو الخدمة؟

لا شك بأن عالمنا المتغيّر والسريع ترك آثاره على مجال الإعلام والإعلان الذي بات يتغير بمعدلات سريعة وتتغير معه طرق الترويج بالسرعة ذاتها، وما كان يصلح منها قبل أعوام معدودة لم يعد صالحًا اليوم.

الاستعانة بوجوه معروفة من مجالات مختلفة للتأثير على مسار تسويقي معين ليست حديثة العهد فمنذ سنوات طوال وكبرى الشركات تستعين بأصحاب الوجوه المعروفة ونجوم الرياضة والفن للتسويق لمنتجاتهم، لكن اتساع هيمنة الإنترنت خلال العقد الأخير، وسيطرة منصات تواصل جديدة على المشهد، خلقت حالة جديدة لنجوم جدد من "أولاد الإنترنت" أي إن ركيزة عملهم خُلقت وانطلقت بسبب نشاطهم وفاعليتهم على الشبكة بمختلف منصاتها التي تجتذب ملايين الشباب والمتابعين بشكل يومي.

تأكيدًا على ما ورد، فمن المهم أن تعرف عزيزي\تي القارئ\ة بأن القيمة الإجمالية للتسويق عبرهم نمت من 1.7 مليار دولار 2016 إلى نحو عشرة مليارات دولار العام الماضي، وسط توقعات بأن تبلغ هذا العام - 2022 - 13.8 مليار دولار.

الآن دعونا نطرح الأسئلة التالية: ماذا تعني كلمة المؤثر؟ وعلى من عادة يطلق هذا اللقب؟ لغويا تعني كلمة مؤثر الشخص أو الشيء الذي يؤثر في شخص آخر، أما في مجال التسويق فإننا نطلقها على شخص لديه القدرة على التأثير في المشترين المحتملين لمنتج أو خدمة من خلال الترويج لهم أو التوصية بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يضيف المؤثر مصداقية جادة لعلامتك التجارية.

وفقا لهذا التعريف؛ يمكننا القول إنه يوجد كثير من المؤثرين وكثير من المنصات الاجتماعية، وبين الطرفين ما يشبه العلاقة التكافلية والمربحة في الوقت ذاته، وهذا ما يجعل التسويق كمفهوم اقتصادي يبدو حاليا مختلفا تماما عما كان عليه قبل عقد من الزمان.

مع عشرينيات القرن الحادي والعشرين يظهر ما يمكن أن نطلق عليه "اقتصاد المؤثرين"، الذين يجنون الأموال من خلال البيع المباشر والاشتراكات للمتابعين، ما يجعلهم إلى حد كبير عنصر ضغط على العلامات التجارية الشهيرة، سواء كانت في سوق السيارات أو الأحذية والحقائب أو أدوات التجميل، ومع تنامي قدرة المؤثرين على البيع المباشر عبر المنصات الاجتماعية، سواء منتجاتهم الخاصة أو منتجات العلامات التجارية المفضلة لديهم، فإنهم باتوا محط جذب لأصحاب العلامات التجارية المختلفة للترويج لمنتجاتهم. ومع هذا يشير بعض الخبراء في مجال التسويق إلى أن هناك تحديات قوية تتعلق بتسويق المؤثرين، وربما تضع شكوكا حول قدراتهم التسويقية الحقيقية.

التسويق عبر المؤثرين يمزج بين اثنين من أدوات التسويق الهامة، وهما التسويق باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والتسويق بالمحتوى، وأحيانًا التسويق بالمديح word of mouth كما أن التطور التكنولوجي يقدم دعمًا مستمرًا لنشاطات المؤثرين سواء باستخدام البث الحي أو القصص أو الصور، استخدام محتوى الفيديو يلعب دورًا جوهريًا في زيادة تفاعل الجمهور مع المنتج، ورفع معدلات المبيعات حيث تساعد مقاطع الفيديو الدعائية في تعزيز ثقة العميل في العلامة التجارية، وجذب عملاء جدد، ومن المتوقع زيادة قيمة خدمات التسويق عبر المؤثرين في المستقبل، ونمو هذه السياسة التسويقية وازدهارها، مما يفتح بابًا كبيرًا للتعاون بين الشركات والمؤثرين.

 

كيف تصبح مؤثرًا عبر الشبكات الاجتماعية؟

في هذا المقال سنحاول تحديد أنماط أو أنواع المؤثرين بحسب فئتهم أو اهتماماتهم أو عدد متابعي حساباتهم على الشبكة؛ وذلك لصعوبة تحديد المؤثر وتصنيفه من خلال تقييم المضمون والمحتوى الذي يقدمه كون الأمر نسبيا وغير قابل للقياس بشكل مطلق أو واضح ويتعلق بمجموعة من العناصر.
تصنيفنا حسب فئات متنوعة يأتي وفقًا لمقاييس الشركات التجارية والاقتصادية العالمية بالتعامل معهم، لكن قبل الخوض في ذلك دعونا نسأل: كيف يمكن أن يصبح الإنسان مؤثرًا على الشبكات الاجتماعية؟ وهل هناك ما يشبه "الوصفة السريّة" لتحقيق ذلك؟
الإجابة على هذا الشق من السؤال هي: لا. ليست هناك معادلة سحرية تنشر محتواك وتجذب المتابعين لحسابك لكن التوصية الأبرز للوصول إلى هذه النتيجة يتلخص بنصيحة أساسية.

"المحتوى ذو الجودة العالية" هو غالبا الجواب الأمثل عن السؤال: "كيف أصبح مؤثرًا ناجحًا؟" من المهمّ للغاية أن تنشر محتوى فريدًا وأصليًا يتوافق مع جمهورك.

بغضّ النظر عن نوع المحتوى الذي تقدّمه، يجب أن يكون دائمًا قيّمًا ذا معنى. يمكن للمحتوى الذي تنشره أن يتخذ أشكالاً عدّة، وذلك اعتمادًا على المجال الذي اخترته والمنصّات التي اعتمدتها، فقد يكون واحدًا أو أكثر بين المنشورات المكتوبة والمدونات، الصور ومقاطع الفيديو.

أضف إلى ذلك أن عليك أن تضفي لمستك الخاصّة التي تميّز المحتوى الذي تقدّمه عن بقية الأفراد الذين يسعون هم أيضًا لأن يكونوا مؤثرين عبر منصات التواصل الاجتماعي، اجعل لنفسك صوتك الخاصّ وعلامتك المتفردة التي تميّزك من الآخرين.

 

أنواع المؤثرين وتصنيفاتهم..

الآن نعود لتصنيف المؤثرين وهو تصنيف تعتمده الشركات العالمية الكبرى حول العالم كما أسلفنا.. وإليكم التصنيف بحسب الفئات التالية:

 

1- المشاهير

كيف يصنف المؤثر بأنه مشهور بنظر الشركات الكبرى؟ ببساطة أي شخص لديه أكثر من مليون متابع يعتبر من المشاهير، ترتبط شهرتهم بعمل محدد سواء في المجال الفني، أو الرياضي أو في الموضة والأزياء وغيرها من المجالات والاهتمامات ما يساعدهم على تطوير قاعدة المتابعين باستمرار.
هذا النوع من المؤثرين يكون الأعلى تكلفة والهدف من التعامل معهم الوصول لأكبر قدر من الجمهور في وقت قياسي بغض النظر عن الميزانية إلا أن تأثير المنشور يستمر لأيام وليس لحظيًا فقط.

طبعًا اختيار المؤثر المناسب للمنتج أو للعلامة التجارية هو أمر أساسي لرفع احتمال التفاعل الإيجابي مع المادة الإعلانية.


2- Macro Influencers

يتراوح عدد متابعيهم بين 100 ألف إلى مليون شخص، وتتضمن هذه الفئة أصحاب المدونات ومدوني الفيديو والمذيعين ومقدمي البرامج، أكثر ما يميزهم الخبرة الواسعة في التعامل مع السوشيال ميديا ومعرفتهم الجيدة بطريقة بناء العلامات التجارية والطريقة الصحيحة للتسويق إلا أن التكلفة للمنشور الواحد تظل مرتفعة لكنها أقل بكثير من المشاهير.
تعتبر كلمة هؤلاء موثوقة بين متابعيهم ويعملون باهتمام لأجل المحافظة عليها.

3- المؤثرون الصغار

لديهم 100 ألف متابع أو أقل، التعامل معهم مفيد للعلامات التجارية الصغيرة والناشئة بسبب حرصهم على المصداقية والترويج للمنتجات بطرق مبتكرة، كما أنهم يتمتعون بشبكة علاقات جيدة على المستوى المحلي وتكلفة المنشورات تكون مناسبة.

4- المؤثرون الصغار جدا Nano Influencers

يتراوح عدد متابعيهم ما بين 1000 إلى 10,000 شخص، رغم القاعدة الجماهيرية المحدودة إلا أن التفاعل على صفحاتهم يكون كبيرا بسبب حضورهم القوي على السوشيال ميديا وحرصهم الدائم على التواصل مع الجمهور، ويمكن للعلامات التجارية الصغيرة الاستفادة من التعامل معهم وتحقيق الأهداف المرجوة لكن الأمر يحتاج إلى القليل من الصبر.

بعض الشركات والعلامات التجارية باتت تفضل البحث عن هؤلاء منعًا لدفع الكثير من الأموال لقاء الإعلان حيث بتنا نشهد حملات تجارية عديدة تعتمد على مجموعة كبيرة من هؤلاء المؤثرين ضمن إعلان واحد بدلا من توظيف مؤثر كبير واحد يكلف الكثير من المال، من المهم التأكيد أن استخدام أكثر من مؤثر صغير في حملة تجارية معينة يضمن أيضًا وصولها ‘إلى جماهير متنوعة وشرائح مختلفة وأحيانًا ضمن توزيع مناطقي مختلف قد لا يحققه مؤثر كبير واحد.

5- المتخصصون

يتمتع هؤلاء المؤثرون بمكانة مميزة وعلاقات واسعة لكن في مجالات محددة جدا مثل المؤثرين في مجال السيارات أو في الأعمال اليدوية وبالتالي التعامل معهم يُسّهل الوصول إلى فئة محددة ومعروفة من الجمهور.
يحظى هؤلاء بثقة كبيرة، منهم من يهتم بنشر معلومات طبية وتحديثها حتى يكسب ثقة الجمهور المتابع ويحدث ذلك بشكل سريع وفعال إذا كان المؤثر يعرض أمرًا من صلب تخصصه ومعرفته وبالتالي يثق الجمهور بمصداقية المعلومة.
تضم الشبكة مؤثرين متخصصين كثر منهم في السياسة ومنهم من يقدم محتوى علميا أو طبيا أو إعلاميا وغيرها، وهناك من يقدمون معلومات عن التجميل والاهتمام بمعايير الجمال، هؤلاء أيضًا متخصصون في مجالهم.

 

6- النشطاء

يفضلون العمل على القضايا العامة مثل قضايا حقوق المرأة أو الحفاظ على البيئة، ويمكن للعلامات التجارية الاستفادة من التعامل معهم للترويج لبعض الأنشطة خلال مناسبات محددة مثل يوم الأرض أو للتأكيد على قضية ما تدعمها الشركة.
هذه الفئة هي الأقل تفاعلا مع المواد التسويقية ويعتمدون الجدية في طرحهم اليومي لذا نجدهم أبعد عن عالم الإعلانات والتسويق.

7- قادة الفكر

تشمل هذه الفئة من المؤثرين رواد الأعمال والأكاديميين والمختصين في مجالات محددة، ويمكنهم الترويج لبعض العلامات التجارية التي تناسب مجالهم وتدعم طريقة تفكيرهم بخاصة وأن لديهم شبكة علاقات واسعة ويتمتعون بقدر كبير من المصداقية لدى الجمهور.
التعامل مع المؤثرين يخدم أهداف التسويق بدرجة كبيرة، لكن من المهم اختيار المؤثر بطريقة صحيحة دون النظر إلى عدد المتابعين الكبير لأنه قد يكون مضلل ولا يعكس بالضرورة تفاعل حقيقي.

 

كيف تتم الملاءمة بين المؤثرين وبين المنتج أو الخدمة؟ ووفقا لأية معايير؟

تحديد أغراض الحملة الإعلانية هو مفتاح رئيسي لاختيار المؤثر المناسب، ومن أهم أهداف حملات التسويق المؤثرة أربعة أهداف هي دعوة العملاء والمستهلكين المستهدفين لتجربة منتجك أو خدمتك، أو التوعية والتذكير بالعلامة التجارية لشركتك، أو زيادة المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو رفع معدلات المبيعات وزيادة الإقبال.

عليك اختيار الهدف بوضوح، والتأكد من أن عقد العمل يعكس بدقة تفاصيل الاستراتيجية وطريقة التنفيذ، مثلًا إذا كان الهدف هو الإعلان عن منتج جديد، فهل هناك ملخص لمحتويات المنتج ومكوناته وطريقة استخدامه يجدر بالمؤثر الالتزام به لمشاركته مع الجمهور؟ أم أن هدف الحملة أن يصبح المؤثر سفيرًا للعلامة، وبالتالي تعتبر علاقة مستمرة طويلة الأمد، عندها يمكنك إعداد عقد عام مع إضافة تكلفة لكل مهمة إضافية يقدمها المؤثر.

نقطة إضافية تعتبر غاية في الأهمية هي السمعة الإيجابية للمؤثر الذي قمنا باختياره، إلى جانب استجابة الجمهور وتفاعلهم معه سواء في العالم الافتراضي أو في العالم الحقيقي. وبما أن السمعة الجيدة مرتبطة بالمصداقية والشفافية، فلا بد من التأكد من امتلاكه متابعين حقيقيين، وليس حسابات وهمية. إحدى الأدوات لتتأكد من ذلك، مقارنة عدد المتابعين والتفاعل ونسب المشاركة الفعلية في المنشورات.

 


كاتب المقال: مصطفى قبلاوي وهو إعلامي وناشط بارز في شبكات التواصل الاجتماعي.

مصطفى قبلاوي

إعلامي وناشط بارز في شبكات التواصل الاجتماعي

شاركونا رأيكن.م