نحن وحكومة المتطرفين.. واقعنا المركب ونقطة التفاؤل الوحيدة
في كلمتها من على المنصة خلال المظاهرة التي أقيمت مساء السبت 21.1.2023 في تل أبيب، انتقدت د. ورود جيوسي، رئيسة المعد الأكاديمي العربي في بيت بيرل، وضع كلمة المتحدث العربي في آخر لائحة المتحدثين وتحدثت عن أهمية النضال المشترك ضد الحكومة. وعلى هذا الانتقاد، على توقيته وموقع إطلاقه، وعلى فكرة مشاركة العرب أصلًا في هذه الاحتجاجات، هنالك الكثير ما يقال. فمن جهة، نحن أمام أكثر حكومة عنصرية في تاريخ إسرائيل، أي منذ نكبة شعبنا وإقامة دولة إسرائيل حتى اليوم، أكثرها تطرفًا وعنصرية ضد العرب من ناحية الأسماء والتصريحات على الأقل، وبالتالي قد نكون فعليًا من أكثر المتضررين منها. ومن جهة أخرى، إذا كانت معظم هذه المظاهرات تنظم فقط احتجاجًا على التغييرات التي تنوي الحكومة إقرارها في جهاز القضاء، ومعظم المتظاهرين الذين يطالبون بإنقاذ الديمقراطية يقصدون فقط إنقاذ جهاز القضاء ويتجاهلون، بل ويؤيدون، كل الممارسات غير الديمقراطية وغير الإنسانية وغير الاخلاقية التي تقوم بها هذه الدولة تجاه شعب كامل تحت الاحتلال في الضفة والقدس وتحت الحصار في غزة، فإن مكاننا كفلسطينيين حتمًا ليس في هذه المظاهرات وليس مع هؤلاء، لذلك أقول إن الأمر مركّب وهنالك الكثير ما يقال حوله.
والحقيقة أن الأمور المركبة ليست غريبة عن واقعنا. فحياتنا كلها مركبة في هذه البلاد، والمشاهد التي تدل على ذلك نراها يوميًا. في العملية التي وقعت في حي نفي يعقوب في القدس قبل أيام، كان المستوطنون يهتفون "الموت للعرب" بينما يقوم مسعف عربي، في الوقت نفسه، بإنعاش المصابين. وحتى في هذه المظاهرات التي تقام منذ تشكيل الحكومة الجديدة في تل أبيب ومناطق أخرى، المظاهر التي تعكس مدى تعقيد الصورة كثيرة وبارزة، من رفع الأعلام الفلسطينية من قبل بعض اليهود اليساريين، إلى شاب عربي يعمل مستشارًا لنتنياهو وينشر صورته بجانبه متفاخرًا. حتى النواب العرب، تعرض رئيس "قائمة الجبهة والعربية للتغيير"، أيمن عودة، لانتقاد بل واعتداء من قبل متظاهر يهودي معارض للحكومة، لأن هذا المتظاهر يعتبر أن أيمن عودة والقائمة المشتركة كانوا سببًا بإسقاط الحكومة السابقة وجلب حكومة اليمين ولا يحق له التظاهر ضدها. وهذه هي الذريعة التي اعتمادًا عليها لم يتوقف النائب منصور عباس، رئيس "القائمة الموحدة"، عن انتقاد الأحزاب الأخرى التي - حسب أقواله - ساهمت بإسقاط حكومة لبيد بينيت، وبالتالي تسببت بمجيء هذه الحكومة. ورغم أن الأمر ليس دقيقًا، فحكومة لبيد بينيت سقطت لأنها فقدت الأغلبية بعد تفتت حزب بينيت وبسبب رفض مازن غنايم وغيداء ريناوي زعبي (من الائتلاف وقتها) التصويت على قانون تمديد قانون الأبارتهايد في الضفة الغربية، والذي تم ربط التصويت عليه بصمود الحكومة. ولكن بلا شك، فإن ادعاء المتظاهر الغاضب من أيمن عودة كان صحيحًا. فالقائمة المشتركة وقتها ساهمت في إسقاط الحكومة، أو لم تساهم بالحفاظ عليها على الأقل، لأنها ببساطة كانت حكومة قاسية وسيئة، سجلت أرقامًا قياسيًا في القتل في الضفة وفي اقتحامات المسجد الأقصى وغيرها، وحتى لو قدمت بعض الميزانيات أو أقرت بعض الخطط التي هنالك أيضًا الكثير مما يقال عنها. لكن حتى لو فعلت ذلك، وحتى لو كان الاحتمال كبيرًا بأن يكون بديلها هو اليمين المتطرف، فإن كل هذا لا يعني أن على العرب أن يدعموا حكومة مثل هذه، والمسألة لم تكن يومًا مسألة أموال. فترامب في صفقة القرن عرض عشرات المليارات لكنها كانت مرفوضة. والمسألة في تعاملنا مع الحكومات الإسرائيلية لم تكن يومًا متعلقة بهوية الأحزاب التي تعارض الحكومة وقد تستبدلها في حال إجراء انتخابات، فكل بديل في إسرائيل كان دمويًا ومعاديًا لشعبنا، وتجربة دعمنا لبراك ضد نتنياهو والذي قام بعد ذلك بمجازر في الانتفاضة الثانية هي خير دليل.
صحيح، المشاركة العربية في مظاهرات الاحتجاج ضد الحكومة حتى الآن خجولة، والدعوات للتظاهر أيضًا خجولة، فلا منطق في أن تضغط الأحزاب العربية على الناس كي يشاركوا في مظاهرة سيتحدث فيها روني الشيخ، مفتش عام الشرطة الإسرائيلية سابقًا ورجل الشاباك السابق والذي تفشت الجريمة في فترته في مجتمعنا والذي حاول التغطية على قتل الشرطة للشهيد يعقوب أبو القيعان بل ووجه الاتهام له أيضًا. ولا وجه للأحزاب أن تضغط على المجتمع أن يشارك في مظاهرة بجانب بيني غانتس وتاريخه الحربي وغيره من العنصريين. حتى لو كانت التغييرات في جهاز القضاء ستضر بنا أكثر من غيرنا، فرغم الكثير من المواقف العنصرية للمحكمة العليا، حافظت على هامش معين استطعنا كفلسطينيين الاستفادة منه. وحتى لو كانت المشاركة العربية في المظاهرات قد تغيّر شيئًا ولو بشكل بسيط في صفوف المركز واليسار، بأن يفهموا رسالتنا وموقفنا، أنه لا يمكن أن تكون هنالك ديمقراطية وفي نفس الوقت تحكُّم بشعب آخر واحتلاله، بأن الديمقراطية لا تتجزأ، إما ديمقراطية في كل البلاد من النهر إلى البحر أو لا شيء. لذلك أقول إن هنالك الكثير مما يقال وإن المشاركة في المظاهرات من جهة قد تفيد بأن نغيّر شيئًا ولو بسيطًا في صفوف الشارع الإسرائيلي، ليس داخل اليمين، إنما بين أولئك الذين يعارضون اليمين، وإنه يجب أن يكون لنا موقف ضد التغييرات في جهاز القضاء التي ستمس بنا أكثر من غيرنا، وقد تكون أول غزواتها، قانون يشطب الأحزاب العربية أو يشطب بعض النواب العرب أو المزيد من المس بلغتنا العربية. ولكن هذه المشاركة من الجهة الأخرى تضعنا إلى جانب أشخاص لا يجمعنا معهم أي شيء وهذه المظاهرات تقام احتجاجًا على جهاز قضائي لا ينصفنا أصلًا.
عمومًا، مع كل مخاطر هذه الحكومة ومع كل التصريحات والممارسات، ومع كل الوجوه المتطرفة التي فيها، ما زلت أعتبر أن أفضل ما في هذه المرحلة وفي هذه الحكومة بالذات، أولًا هو أنها تظهر الوجه الحقيقي لدولة إسرائيل أمام العالم بدون أية مؤثرات تجميلية، وثانيًا، أنها تنقل الصراع الحقيقي إلى الشارع وأمام العالم، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الصراع على الأرض، الاحتلال، بمشاريعها ومجاهرتها بتوسيع الاحتلال وبالاعتداء على المقدسات، وهذا جيد لنا كفلسطينيين، هذا يبدد أكاذيب إسرائيل أنها تبحث عن السلام، وهذا يحرجها أمام العالم، وأمام المطبعين الجدد بالذات. لذلك، بقدر ما تقلقنا هذه الحكومة، بقدر ما يمكن أن نقول إنها قد تخدم موقفنا وقضيتنا. وفي النهاية، كل السيناريوهات مرت على شعبنا، كل الشخصيات وكل أنواع الحكومات، وصمد هذا الشعب رغم كل شيء، وما زال عنيدًا كما كان وأكثر، وما زال ولّادًا أيضًا. ومثلما يقول المثل الشعب "اللي بترميه السما، بتتلقاه الأرض".
(استخدام الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected])