الجولان.. ليس فقط جبل الشيخ وقطف الكرز

يرتبط اسم الجولان بشكل تلقائي في كل مرة نذكره فيها بجبل الشيخ والاستجمام في الثلج أو بالكرز، وربما في بعض المسارات المائية والشلالات. هكذا هو الحال بيننا نحن أهل الداخل، إلّا إن في الجولان، في هذه الهضبة، في هذه المنطقة، الكثير من الأمور التي تستحق بأن نعرف عنها أكثر، وأن نعلم أولادنا عنها، خصوصًا أن مناهج التعليم الإسرائيلية لن تذكر الجولان، إلّا كساحة حرب، إنْ ذكرته أصلًا.

عندما أذهب لزيارة الجولان، حتى لو أردت زيارة شمال الهضبة ومنطقة القرى السورية المحتلة (مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا وعين قنية)، غالباً ما أصعد إلى هضبة الجولان من جنوبها، من منطقة الحمة السورية، قرب تقاطع الحدود بين الأردن وسوريا والأرض الفلسطينية (إسرائيل اليوم). فالتجول في سهول الجولان، مرورًا بتل الساقي، الذي شهد السهل المجاور له واحدة من أشرس معارك الدبابات في القرن الماضي، ومرورًا بالقرى السورية المهجرة التي لم يبق منها إلا بعض الحجارة السوداء، وهي الحجارة البركانية التي تميز البناء في هذه المنطقة، ومعظمها محاطة بلافتات التحذيرات من الألغام.

كل تاريخ إسرائيل في الجولان عبارة عن دبابات وبقايا حرب، عمومًا كمعظم تاريخ هذه الدولة في كل المناطق، ولكن في الجولان بالذات تشعر بأنك في أرض محتلة، فلا يُظهر المُحتل فيها إلا آلياته العسكرية وتشعر بأن القوات الإسرائيلية مرتابة دائمًا، تمامًا كارتياب كل لص بعد قيامه بسرقة ما.

في الجولان سحر لا يشبهه أي سحر، التجول في تلك المنطقة ورؤية بقايا القرى المهجرة، ربما لأنها هجرت في العام 1967 وليس كالقرى الفلسطينية التي هجرت عام 1948، بمعنى أن السنوات التي مرت على تهجيرها أقل، تشعر وكأن هذه القرى قد هجرت بالأمس، أو أن أهلها ذهبوا في زيارة لضيعة مجاورة وسيعودون بعد قليل، وهي ضِيَع فعلًا وليست قرى، ففي اللهجة السورية اسمها ضيعة.

لم يذكر الجولان في الكتب الدينية كأرض مقدسة، لكنك تشعر وأنت تتجول فيه كأنك في أرض مقدسة، فيها شعور بالأمان رغم أنها ساحة حرب وتأهب دائم، وفيه خير وافر، وفيه جمال رهيب في كل فصول السنة، وفيه ناس كرام يرحبون بكل ضيوفهم ويتحملون غلاظة البعض ولكن أجمل ما فيهم هو حفاظهم على موقفهم وتمسكهم بهويتهم السورية.

حتى لو اعترف ترامب أو غيره، وحتى لو نصبت إسرائيل المزيد من قواتها ودباباتها، وحتى لو بنت عشرات المستوطنات، لا يمكنها أن تخفي حقيقة أن الجولان هي أرض محتلة، وأنها لن تكون يومًا ارضًا إسرائيلية. هذا في حال سلّمنا بأن الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1948 وقامت عليها، هي أرض إسرائيلية.

في زيارتكم إلى الجولان، في الأعياد والأيام القادمة وفي مواسم الكرز ، اجعلوا الزيارة أطول، تجولوا في ربوع هذه الأرض، زروا القرى المهجرة (ولكن احذروا من حقول الألغام)، انظروا من الجولان إلى الأراضي السورية، فنحن كلنا أصلًا جزء من سوريا الكبرى، وما هذه الأراضي إلا أرضنا التي حرمتنا إسرائيل من زيارتها رغم القرب الجغرافي. من الأمور القليلة الإيجابية التي نتمتع بها نحن في الداخل الفلسطيني، هي قدرتنا على زيارة الجولان المحتل، تمامًا كقدرتنا على زيارة القدس في أي وقت، وهذه نعمة يجب أن نستمتع بها. والأهم، أن نتعلم عنها وأن نعلّم أولادنا عنها وألا تقتصر زياراتنا إلى الجولان على أكل الكرز فحسب.

بكر جبر زعبي

كاتب وصحافي ومحرر موقع "بكرا"

إياد مداح
يعطيك العافية أستاذ بكر، مقالة رائعة. انما أردت أن أشير الى أن الجولان أيضًا دينيًا هي منطقة شهدت جزءًا من سيرة السيد المسيح عليه السلام. سأرفق رابطًا فيه معلومات عن هذه المعلومة أيضًا للمعرفة. https://www.albayan.ae/paths/books/2008-05-11-1.636982
الأربعاء 19 نيسان 2023
اسعد ابوخير
اعتقد جازما ان الغد (بكرا)لنا ولن يكون سوى ذلك هذه الأرض جبلت بدماء اباءنا واجددنا وسوف تعود ،الرياح بداءت تهب في نواصينا
السبت 22 نيسان 2023
منى خليل
الكزر الجولان الشيخ شاركونا رأيكن .م
السبت 10 حزيران 2023
رأيك يهمنا