ماذا قدّمنا للنقب؟ قضيتنا الأهم ومخزون الأراضي العربية الأكبر

ألاحظ أحيانًا في حديثي مع بعض الأشخاص برودًا ولا مبالاة ملحوظة إذا كان الحديث عن النقب أو أحداث تحصل في النقب، وأتحدث عن أشخاص من الجليل والمثلث، وكأن النقب في عالم آخر، أو كأن ما يحصل في النقب لا علاقة لنا به، أو في أحسن الأول كأن قضية النقب قضية منفصلة عن قضايانا في الداخل.

ربما هو البعد الجغرافي، وربما هو الاختلاف بنوعية المجتمعات، بين المجتمع القروي أو المدني في الشمال والمثلث، والمجتمع البدوي في النقب، وربما لكثرة انشغال الناس بقضاياهم القريبة. ولكن، يغيب عن هؤلاء، أن قضية النقب هي القضية الوجودية الأخطر والأكبر بالنسبة لنا كفلسطينيين في الداخل، فبعدما نجحوا بتهويد أجزاء كبيرة من الجليل ومصادرة معظم أراضيه، وبعدما استطاعوا تحديد بلدات المثلث ومساحتها ونفوذها بمستوطنات من كل الجهات، بقي النقب هو مخزون الأراضي العربية الأكبر في البلاد، وبالتالي، الهدف الأول للمطامع الصهيونية وليس من فراغ أن وزيرة الداخلية الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، أييلت شكيد تضع مشروعها لإقامة مدن يهودية جديدة في النقب كأكبر وأهم إنجازاتها.

رغم أنها في السنوات الأخيرة باتت تذكر بشكل أكبر بكثير، ولكن، لا تأخذ قضية النقب نصيبها من الاهتمام الشعبي والإعلامي في مجتمعنا وفي صفوف الفلسطينيين عامة، فعمليات الهدم، والتضييق، وعدم الاعتراف بالقرى والتسبب ببقائها بدون أي خدمات في محاولة للضغط على أهلها للقبول، هذه ممارسات لا تحدث في أي مكان بالعالم بالعصر الحديث، باستثناء النقب.

إن صمود أهل القرى مسلوبة الاعتراف وإصرارهم على عدم ترك قراهم ومضاربهم رغم الاغراءات من جهة والتضييقات من جهة أخرى، يستحق بأن تُكتب عنه الروايات والكتب، فإسرائيل منذ النكبة تحاول جمع أكبر عدد من أهل النقب بأصغر مساحة جغرافية، نجحت في ذلك برهط، وأغرت الناس بجمعهم في مدينة عصرية، وإذ بنا نجد مدينة عبارة عن مربعات سكنية، محرومة من ميزانيات عديدة وتعاني من مشاكل العنف والفقر وغيرها، رغم محاولات بلديتها لتطويرها أكثر. وربما نموذج رهط هو الذي زاد من إصرار الأهالي على عدم قبول أي مقترح آخر.

وبالإضافة إلى رهط، لو نظرنا إلى القرى المعترف بها، شقيب السلام وتل السبع وغيرها، سنجد أن الاعتراف لم يضف كثيرًا على هذه البلدات، رغم قبول أهلها بتنازلات من أجل الاعتراف، معظم الخدمات ما زالت غير متوفرة، وإن توفرت تكون بشكل بدائي.

هذا العام قمت بإعداد أكثر من تقرير عن النقب، وفي كل التقارير كان الاستياء في غاية الوضوح من الحكومة وتصرفاتها وحتى من الموحدة التي كانت جزءً من الائتلاف الحكومي. وبجانب هذا الاستياء هنالك عتب كبير من أهل النقب على أهلهم في الجليل والمثلث، بسبب عدم المشاركة الكافية في أحداث النقب وعدم الوقوف بشكل كاف مع النقب والاكتفاء بمنشورات على الفيسبوك.

حول المشهد السياسي

على مدى سنوات، كانت القائمة الموحدة، التي تمثل الحركة الإسلامية بشقها الجنوبي، القوة السياسية البارزة في النقب، وكان لها دائمًا مرشحين من النقب في مواقع مضمونة، وفي الانتخابات الأخيرة حصلت على أكثر من 40 ألف صوت، بفضل نشاطها وبفضل وجود النائب سعيد الخرومي رحمه الله الذي كان شخصية محبوبة وعليها إجماع كبير في النقب، واليوم ترشح الموحدة في الموقع الثالث الشاب وليد الهواشلة، لكن في الوقت الحالي، يبدو موقف الموحدة في النقب أضعف من السابق، ليس فقط بسبب وفاة الخرومي، الذي ترك وراءه فراغًا سياسيًا كبيرًا. بل بسبب تواصل هدم البيوت في النقب وحرث الأراضي للتحريش والاعتداءات والسياسات العنصرية وحتى الوعد بالاعتراف بـ 3 قرى، لم يُنفذ بشكل كامل بسبب شروط صعبة وضعتها وزيرة الداخلية شاكيد، ناهيك عن إقامة مجموعات "حراسة" في بئر السبع، هدفها الأول والأخير ملاحقة ومضايقة العرب تحت حجة الحماية منهم، وناهيك عن قرار الحكومة بإقامة 14 بلدة يهودية في النقب، بينها مدينتين، وتقصير أعضاء الموحدة بأحداث سعوة الأطرش.. وسبب آخر، وهو صفحة المختص الذي يديرها الناشط عادل الحمامدة، والتي من خلالها تم نشر أمور عديدة حول تصرفات الموحدة خلال تواجدها بالائتلاف الحاكم ساهمت بتراجع شعبيتها بشكل كبير. أما الأحزاب الأخرى، ففي تحالف الجبهة والعربية للتغيير تم ترشيح كل من النائب السابق يوسف العطاونة في الموقع الخامس والدكتور سمير بن سعيد في الموقع السادس، علمًا بأنها مواقع غير مضمونة حسب استطلاعات الرأي الأخيرة. فيما لم يضع التجمع أي مرشح للنقب في مواقع متقدمة، وفي حديث سابق مع النائب السابق جمعة الزبارقة، انتقد هذا الأمر.

باختصار، يعاني النقب من مطامع لا تتوقف، وأهل النقب يعرفون تمامًا حجم الأمر الذي يواجههم، وعلى الأحزاب العربية أن تعي هذا الأمر، وأن تعمل على وضع قضايا النقب على رأس أولوياتها، فمخزون الأراضي الوحيد المتبقي لنا كعرب في هذه البلاد، من المُخجل أن يُسرق منا ونحن نشاهد دون فعل أي شيء.

صورة: وليد العبرة.