الإعلام البديل، إعلامٌ بلا قيود.. بين الإيجابيات والمخاطر
لطالما احببتُ مهنتي، ربما هي المهنة الوحيدة في العالم التي تجعل ممتهنها متابعًا لكافة مجالات الحياة.
اعمل في مجال الصحافة، منذ نحو 12 عامًا، ورغم محبتي لهذا المجال وتعلقي به الا انني أشعر بغصة كبيرة على ما يعاني منه الصحافيين بعالمنا العربي ووطننا من تقييد ومن كبت للحرية الصحفية ومن تقليل شأن، فالصحافة يجب أن تكون السلطة الرابعة فعلًا بما تعنيه الكلمة من معنى، ويكون لها احترامها بقدر تأثيرها.
في سنوات العمل هذه، تعلمت أشياءً كثيرة، غابت عني أشياء كثيرة أيضًا، وما زلت أتعلم، في سنوات عملي الأولى بهذا المجال لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي منتشرة إلى هذا الحد، فكان العمل يسير وفق معايير معينة، خصوصًا في الأخبار العاجلة والأمور الآنية، أن ننتظر كصحافيين قليلًا قبل نشر تفاصيل شخص ما مات في حادث طرق أو قتل، أن نمتنع عن نشر الصور المحرجة والصور اللاإنسانية من الحوادث.. وكنا كزملاء نتفق على هذا الأمر، وما زلنا.
في عصر مواقع التواصل الاجتماعي هذا لم يعد نشر الأمور والأخبار يقتصر على من يعملون في مجال الصحافة، بل صار ممكنًا للجميع بعدما صارت هذه المواقع منبرًا للجميع دون رقابة أو تحرير، وبقدر ما يعتبر الأمر ايجابيًا من ناحية الحرية والديمقراطية، هو سلبي من ناحية المسؤولية والمهنية في نشر الأمور ولنا بما حدث ويحدث بالدول العربية من فتن وتزييف حقائق، خير مثال.. لذلك هذه المواقع والصفحات لم ولن تكون بديلة للصحافة.
تكمن المشكلة الأساسية في منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكل الاعلام البديل، في عدم وجود معايير وقيود مهنية، فإن بعض الأمور التي تنشر في هذه المواقع، والتي نراها يوميًا، ليس فقط أنها لا تساهم في توعية المجتمع نحو الأفضل، بل أنها تساهم في تراجعه إلى الخلف، وبانتشار بعض الآفات بشكل أكبر، وأطرح أحد الأمثلة – موضوع توثيق جرائم اطلاق النار، ما الحكمة من نشر كل توثيق لعملية اطلاق نار، خصوصًا تلك التي يوثقها المجرم نفسه، ألا تقوم هذه الصفحات وعبر نشر هذه التوثيقات بخدمة المجرم ومساعدته في نشر هذا الفيديو وإرهاب الناس وفي نفس الوقت تشجيع شبان آخرين على القيام بمثل هذه الجريمة، وكأنهم يشاهدون فيلمًا سينمائيًا. أو في موضوع نشر تفاصيل ضحايا جرائم القتل أو حوادث الطرق والعمل – وما أكثرها في مجتمعنا - هل تعلمون أن بعض العائلات تعرف عن مقتل ابنتها من هذه الصفحات الإخبارية، بسبب سرعة النشر وعدم التأني وكأننا في سباق، تخيلوا أن تدخلوا إلى الفيسبوك وتجدون صورة أحد أفراد عائلتكم في إحدى هذه الصفحات مع نعي وتفاصيل حادث الطرق! هذه حصلت وما زالت تحصل للأسف.
باعتقادي، الأمر أصبح مثل كرة الثلج التي تتحرج وتكبر، ولم يعد هنالك مجال لإيقافها، وهذه الصفحات ستكثر وستسمر بالتوسع ومجالاتها كذلك، ولم تعد تقتصر فقط على الفيسبوك، ففي الانستغرام هنالك عشرات الصفحات التي ينقل فيها الخبر كفيديو أو كنص، وفي التيكتوك أيضًا وغيرها من التطبيقات والمنصات، وبما أن إمكانية إيقاف كل هذا أصبحت غير ممكنة، علينا كصحافيين أن نعمل على احتواء هذا الأمر، بالتكثيف من نشر المقالات والنصائح حول خطورة الاستعجال بالنشر وخطورة النشر دون التيقن من المعلومات وخطورة نشر الأمور التي تثير الفتن وخطورة هذه الصفحات في يد من لا يتعامل معها بالشكل الصحيح وهي كخطورة السلاح في يد المجنون. واجبنا هنالك واجب علينا كصحافيين ومثقفين في هذا المجتمع أن نرفع من منسوب وعي الناس ومعرفتهم في مختلف القضايا، وليس فقط نقل الخبر كما هو، وفي هذا أصلًا بات يصعب علينا التنافس مع الصفحات الإخبارية. وتلبية لهذا الواجب علينا تكثيف النصائح والتوجيهات، لبعضنا البعض وللصفحات التي لا يديرها صحافيون.
كاتب المدونة: بكر جبر زعبي وهو صحافي ومحرر موقع "بكرا".