دور الإعلام الاجتماعي في فرض رؤية غير المرئي أو المهمش

مقدمة

في عالم أصبح فيه الافتراضي جزءًا من العالم الحقيقي، والعالم الحقيقي بات يشغل حيزا كبيرا من العالم الافتراضي، صارت حيوات الناس متقاربة ومذاعة؛ فيمكنك من خلال صفحتك على أي من وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية أن تقرأ أصوات كثير من الناس وتعلم ما يشعرون به وما يفضلونه وما يتابعونه.

تعد مواقع التواصل الاجتماعي الظاهرة الإعلامية الأبرز في عالمنا اليوم، كونها تستقطب شريحة كبيرة من فئات المجتمع، وخاصة الشباب باعتبارهم الأكثر تأثيرا في أي مجتمع بما يمثلونه من طاقة وقابلية للتغيير والتطوير وقد خلصت دراسات بحثية عربية إلى أن هناك عشرات الملايين من المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي ما بين مدون نشط ومدون صامت.

تمثل مواقع التواصل الاجتماعي أحد مظاهر التفاعل في إطار ثورة التكنولوجيا الحديثة للاتصال والتي يمارس من خلالها المستخدمون كل الأنشطة التفاعلية التشاركية، وأصبحت تلعب دورا مهما في تنمية وتدعيم الوعي السياسي للأفراد بمختلف القضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي واعطت صوتا لكوادر المهمشين وصورة لغير المرئيين.

ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لم يعد الرأي حكرا على النخب أو المثقفين، بل أصبح متاحا للعموم حتى الأكثرية الصامتة في المجتمعات العالمية والمهمش صوتها أصبح رأيها وصوتها مسموعا وبشكل واضح وجلي في مختلف القضايا، وهذه من حسنات الإعلام الاجتماعي. وفي الوقت نفسه أعطت هذه الوسائل المنصات أيضا صوتا لمن لا يستحق كما قال الكاتب والفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو: إن هذه الوسائل ""تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء"".

في هذه المقالة المقتضبة سنسلط الضوء على الجزء المضيء الذي يعنى بدورها الإيجابي.

تعريف ووظائف الإعلام

يطلق مصطلح الإعلام على أي وسيلة، أو تقنية، أو منظمة أو مؤسسة ربحية أو غير ربحية، عامة أو خاصة، رسمية أو غير رسمية، وتتنوع وسائل الإعلام وتتعدّد لتشمل الجرائد، والمجلات، والنشرات الإعلانية، والإذاعة، والتلفاز، والإنترنت، وقد أثرت هذه الوسائل على حياة الفرد والمجتمع بشكل كبير؛ نظرا لما تقدمه من وظائف عديدة ومتنوعة.

فيما يلي سنذكر الوظائف الأساسية التي تقوم بها وسائل الإعلام، والتي يمكن حصرها بالوظائف التالية: الإخبارية، والتعبير عن الراي، والإعلان، والترفيه، والتعليم والرقابة على أجهزة الدولة.

ولتبيان دور وأهمية الإعلام يمكن الادعاء بأنه في القرون الماضية كان الاستعمار يحتل بلدان العالم الثالث بقوة السلاح، ولكن حاليا توصل لاحتلال شعوب هذه البلدان عبر هذه الوسائل الإعلامية. ويتم ذلك عبر خبراء في شتى العلوم وخاصة ""علم النفس"" حيث تخصص العديد من علماء هذا العلم بكيفية التأثير على عقول الآخرين بشتى الوسائل والأفكار مما جعل هذه الوسائل تغزو عقول الصغار.

في السنوات الأخيرة يعيش المجتمع المعاصر تحولات هائلة في مجال الاتصال والإعلام، أدت إلى تغيرات كبيرة في أساليب انتاج وتوزيع وتلقي المعلومات. فقد ظهرت تقنيات وأساليب اتصالية حديثة وانتشرت عن طريقها خصائص ووظائف اتصالية جديدة، من أهمها التحول من وسائل الاتصال الجماهيري ذات الاتجاه الواحد، والمحتوى المتجانس، إلى تقنيات الاتصال التفاعلية ذات الاتجاهين، والمضامين المتعددة، وظهر مصطلح الإعلام الجديد أو البديل للتعبير عن هذه الظاهرة.

الإعلام الاجتماعي

هذه التغيرات الهائلة في مجال الإعلام ولَّدت مصطلحا جديدا، ألا وهو الإعلام الاجتماعي أو الميديا الاجتماعية.

الإعلام الاجتماعي هو اسم مستعار شائع لخدمات الويب التي تتيح للمتصفحين التواصل مع بعضهم البعض أثناء مشاركة المحتوى. ويعتبر الإعلام الاجتماعي أحد الأركان الأساسية للويب 2.0 والتي أصبحت أداة شائعة عبر الإنترنت لمتصفحي الإنترنت من جميع أنحاء العالم. وقد أتاحت هذه الخدمات لأول مرة التواصل بين الكثيرين. يمكنك المشاركة والدردشة وإنشاء مجموعات منظمة لأغراض مختلفة، منها: اتصال ثنائي الاتجاه، والتحول من استهلاك المحتوى إلى إنشاء المحتوى، وتنظيم المجموعات ذات القاسم المشترك، وإمكانية الوصول من أي مكان وفي أي وقت لكل الأطراف.

أحد أسباب ظهور وسائل التواصل الاجتماعي هو رخص سعر التنسيق والمشاركة، مما يسمح بالتنظيم الأسهل دون الحاجة إلى المنظمات المهنية التي قامت بذلك في الماضي.

ووفّر ظهور شبكات التواصل الاجتماعي فتحا ثوريا، نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة، وأعطى مستخدميه فرصا كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا قيود ولا رقابة إلا بشكل نسبي محدود. إذ أوجد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي قنوات للبث المباشر من جمهورها في تطور يغير من جوهر النظريات الاتصالية المعروفة، ويوقف احتكار صناعة الرسالة الإعلامية لينقلها إلى مدى أوسع وأكثر شمولية، وبقدرة تأثيرية وتفاعلية لم يتصوّرها خبراء الاتصال.

وعليه، فإن الخبرة والتسهيلات الجديدة التي وفرها الإنترنت في مجال التنظيم والاتصال والإعلام غيرت المعادلة القديمة التي كانت تضطر قوى التغيير إلى الاعتماد على دعم دول أخرى في نضالها السياسي، كما كان الحال في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.

لذلك يرى به البعض بأنه عبارة عن حركة مضادة للثقافة الجماهيرية ومنتج أيضا لثقافة اتصالية بديلة، وعادة ما يكون في تعارض مع ما هو سائد.

واستخدم كبار الشخصيات هذه الوسائل الجديدة واقتطعوا وقتا معينا من الأنشطة الأخرى لصالحها؛ لإيمانهم بأنها البوابة الحقيقة، والجادة للتواصل، وسماع الناس، والمواطنين.

ونتيجة لمناليته السهلة وصعوبة المراقبة عليه، وصل لقطاع الشباب بشكل واسع. في بداية الأمر استخدم الشباب هذا الكنز الثمين للدردشة ولتفريغ الشحن العاطفية، ولكن يبدو أن موجة من النضج سرت، وأصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر، من أجل المطالبة بتحسين إيقاع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم وبشكل خاص في دول العالم الثالث التي اعتادت على مراقبة الحراك الشبابي وقمع طموحاته ومن هنا تشكلت حركات الرفض الشبابية التي انتظمت في تونس مرورا بمصر واليمن، وليبيا، والبحرين، والأردن. وتخطت تلك الأفكار الرافضة للسياسات بسهولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الوطن العربي.

وبرز الدور الهام لشبكات التواصل الاجتماعي خلال الحراك الذي شهدته العديد من الدول العربية بداية عام 2011 في توجيه الوعي السياسي للمجتمعات العربية وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي لمنصات لبناء الإصلاحات والمطالبة بتغيير الأنظمة السياسية لمعظم دول الربيع العربي.

وفي الآونة الأخيرة شاع استخدامه بين أبناء الأقليات الاثنية والدينية لتعبئة الراي العام وحشد الجماهير وتجييش الأفراد في الحراكات الشعبية وأعاد للإعلام دوره كوسيلة أساسية في صناعة الرأي وليس فقط في نقله.

وكان هناك أيضًا استخدام بارز لوسائل التواصل الاجتماعي في هبة أيار 2021 حيث استخدمها الشباب أي استخدام في هبتهم بهدف الإعلام عن مكان التظاهرات والتنظيم لها والتجييش ورصد وصد الهجمات وتحضير الهجمات المرتدة وإسماع صوت المهمشين.

الخاتمة

منصات الإعلام الاجتماعي أصبحت متاحة للجميع، والثورة الرقمية وثورة الاتصال أحدثتا ثورة اجتماعية في عموم العالم، وأعطتا صوتا لكل المهمشين للتعبير عن آرائهم، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام البديل، منصات للتعبير، وساهمت في تحرير العقل من سطوة المعلومات والأحكام المعلبة. واجتذبت وسائل التواصل الاجتماعي جيوش المهمشين الذين احتلوا المقاعد الأمامية، وأعادوا تشكيل الفضاء الاجتماعي والسياسي.

د. نهاد علي

رئيس قسم التعددية الحضارية بكلية الجليل الغربي وجامعة حيفا ورئيس قسم المجتمع العربي بمؤسسة "صموئيل نئمان" في معهد "التخنيون"

شاركونا رأيكن.م