الاستقالة الصامتة
الاستقالة الصامتة هي من التحديات الكبيرة التي يواجهها المشغلون في سوق العمل في الآونة الأخيرة. قسم من المشغلين يعي هذا التحدي والقسم الآخر يرى نتائجه ولا يعي مصدره ومسبباته. المصطلح انتشر مؤخرًا بفضل الأبحاث الكثيرة التي سلطت الضوء على حيثيات سوق العمل ما بعد جائحة كورونا، إضافة إلى جيل الـ ""z الذي أخذ على عاتقه مشاركة استقالته الصامتة عبر شبكة التيكتوك. بدأت المشاركة من خلال فيديو قال من خلاله موظف إنه استقال من عمله بهدوء، كيف؟ من خلال تواجده في العمل وقيامه بالمهام المطلوبة الأساسية دون الاجتهاد للقيام بالمزيد أو المستجد أو حتى المبادرة. أي، بكلمات أخرى: الاستقالة الصامتة - أن تقوم بأقل ما يطلب منك في نطاق وظيفتك.
إسقاطات الاستقالة الصامتة عديدة وخسائرها على الطرفين كبيرة، سواء كانت مادية أو مهنية أو غيرها. هذه الظاهرة تصل بالموظف إلى أن يتواجد في العمل جسديًا فقط وهو ما يحد من تطوره وتطور المؤسسة التي يعمل فيها.
إن أردت حصر النتائج السلبية لظاهرة الاستقالة الصامتة لكل طرف، سواء كان المشغل أو الموظف، فالخسائر عديدة.
على صعيد الموظف، فهذه الظاهرة تُضعف الجانب المهني لديه، تجمد مهاراته في الوقت الذي يتطلب فيه سوق العمل الكثير من المهارات المستجدة. إضافة الى ذلك، هو يزعزع مكانته في مكان العمل من خلال انخفاض انتاجيته وجعل أدائه متدنيًا، كما يعكس عن نفسه انطباعًا بأنه غير ملتزم تجاه مكان العمل وتجاه مهامه.
إضافة إلى الخسائر المهنية، هناك أيضًا خسائر في الجانب الشخصي وفي الحياة الشخصية الخاصة، حيث يصبح الموظف مزاجيًا عصبيًا في بيئته الخاصة ومع عائلته، ولا يمكننا تجاهل الأبحاث التي تشير أن الموظف السعيد في عمله هو سعيد في حياته الخاصة والعكس صحيح.
أما بالنسبة للمشغل، فالنتائج السلبية ترتكز على الخسائر المادية من جراء وجود موظف لديه في المؤسسة من دون إنتاجيه وتأثير. وإن كان الموظف يقدم خدمات، فهذا يضاعف الخسائر.
ظاهرة الاستقالة الصامتة ليست جديدة، بل المسمى فقط هو الجديد. إنها تجمع بين ظاهرتين سابقتين كانت حاضرتين وما زالتا في سوق العمل عموماً. أتحدث عن ظاهرة البطالة الخفيّة وظاهرة الاحتراق الوظيفي واللتين تسفران عن نتائج مماثلة، رغم اختلاف الأسباب.
أتت الاستقالة الصامتة لتسلط الضوء على هذا النوع من الظواهر الموجودة في سوق العمل والتي تعني كلا الطرفين، المشغل والموظف. أتت لرفع الوعي ووضع هذه الظواهر على المحك وطرح حلول وعلاج لها بأساليب مختلفة. ظاهرة الاستقالة الصامتة هي نتيجة أسباب وعوامل عديدة، منها تأثيرات فترة كورونا وما بعدها. في فترة كورونا كانت الضبابية في سوق العمل عارمة. أصبحت هنالك وظائف غير حيوية، إقالات كثيرة وإجازات مفاجئة بدون راتب وغيرها من المتغيرات، مما خلق شعوراً بعدم الأمان والاستقرار والثبات إلى جانب خيبة الأمل وفقدان الثقة بالمشغل.
عامل آخر مسبب للاستقالة الصامتة هو العمل من البيت وعن بُعد والذي أوجد علاقة مختلفة غير تلك العلاقة المتبعة عادة؛ علاقة فيها بلبلة والحدود غير واضحة، إضافة إلى تداخل العمل مع ساعات العائلة والعكس.
ظاهرة الاستقالة الصامتة وغيرها من الظواهر حاضرة. أما الخطوة القادمة، إضافة إلى رفع الوعي، فهي معالجة هذه الظاهرة وإيجاد الحلول لها.
إليكم بعض النصائح الموجهة لكيفية التعامل معها
نصيحتي الأولى للطرفين هي الوعي لهذه الظاهرة وعدم تجاهلها، الوعي لها هو بمثابة 50% من علاجها.
نصائحي للمشغل
الشفافية في العمل وبناء الثقة مع الموظف والاهتمام بشؤونه.
إجراء محادثات تغذية مرتدة يمكن من خلالها إيجاد حلول وتحسين كل الجوانب اللازمة.
الاهتمام بتقدير الموظف ورؤية إنجازه ومكافأته عليه.
نصائحي للموظف
الموازنة بين العمل والحياة الشخصية للتمكن من إعطاء كل منهما حقه.
الشفافية والمشاركة مع المدير المباشر بشأن ما يحصل خلال العمل. لا تكن وحيدًا.
تطوير المهارات ومواكبة كل ما هو جديد بما يتلاءم مع مجال العمل والخروج من المنطقة المريحة.