الحكومة الإسرائيلية بين الضم وإضعاف السلطة وتداعياتها

صعود الأحزاب الدينية المتطرفة، بما ضمن عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم، لم يكن مفاجئًا للشعب الفلسطيني، وكذلك نواياها السياسية المكشوفة منذ زمن طويل لكل متابع للشأن الإسرائيلي الداخلي ونظرتها إلى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

تقوم أبجديات الأحزاب الدينية الإسرائيلية المتطرفة على عدة مرتكزات: توسيع الاستيطان، لا لدولة فلسطينية في حدود 1967، ضم الضفة الغربية والقدس، لا لعملية سياسية مع الفلسطينيين وسن تشريعات في الكنيست تخدم هذه المرتكزات التي تقوم عليها سياسات الأحزاب الدينية المتطرفة.

فور الإعلان عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو، برز السؤال الأساسي والمعهود مع كل حكومة إسرائيلية جديدة: ما هي السياسة الإسرائيلية للحكومة الجديدة تجاه القضية الفلسطينية وما هو مستقبل السلطة الفلسطينية وقطاع غزة في ضوء سياسات الحكومة الإسرائيلية؟

للإجابة على هذا السؤال، علينا دراسة اتفاقيات الائتلاف الحكومي الموقعة بين حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو والأحزاب الدينية المتطرفة.

بالنظر إلى اتفاقيات الائتلاف الحكومي بين حزب الليكود وأحزاب يهدوت هاتوراه، الصهيونية الدينية، القوة اليهودية، نوعَم وشاس، بالإمكان معرفة واستقراء سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، من خلال القوانين والشروط التي تضمنتها اتفاقيات الائتلاف مثل: توسيع الاستيطان، قانون إعدام الأسرى وصلاحيات الأحزاب الدينية في وزارة الدفاع ووزارة الأمن القومي.

كذلك يمكن القول إن جميع القوى الدينية اليهودية المنخرطة في الحكومة طالبت، وبشكل علني وصريح في اتفاقيات الائتلاف، بتهيئة الأجواء والسياسات لعملية الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية، الأمر الذي جعل كثيرين من المتابعين والمراقبين يسمون الحكومة الجديدة بــ "حكومة الضم".

وهنا يبرز سؤال آخر هو: هل يمكن، فعليًا، إتمام عملية الضم وفرض السيادة على الضفة الغربية في ظل هذه الحكومة الدينية المتطرفة؟

إذا نظرنا إلى الوقائع على الأرض، نرى أن إسرائيل قد قامت، بحكم الأمر الواقع ومنذ فترة طويلة بضم الضفة الغربية بالفعل، بشكل غير معلن، وهذا ما لا يفهمه أيضًا جمهور واسع من القوميين اليهود الذين يدعون الآن إلى الضم، وهذا ما تتحايل به الحكومة الإسرائيلية أيضًا على المجتمع الدولي. على سبيل المثال: التوسع الدائم في المستوطنات المركزية والكبيرة التي تشكل حزامًا دائريًا حول مدن الضفة الفلسطينية. كذلك بموجب القانون، لا يمكن للإسرائيليين في الخارج التصويت في الانتخابات ما لم يكونوا دبلوماسيين أو مبعوثين للدولة، وبشكل عام يحق للمواطنين الموجودين في الأراضي ذات السيادة الإسرائيلية التصويت في يوم الانتخابات. وبالمثل، يحق لنصف مليون مستوطن في الضفة الغربية التصويت، في إشارة إلى أنهم يعيشون في أرض ذات سيادة إسرائيلية كاملة.

 كما تسيطر إسرائيل على جميع عمليات الدخول والخروج من وإلى الضفة الغربية بأكملها، إضافة إلى أنها تسيطر على المجال الجوي والمياه والحواجز بين المدن الفلسطينية في الضفة، وبين الضفة وقطاع غزة، وهي المسؤولة عن منح رخص البناء للفلسطينيين في معظم الأراضي، عدا عن سيطرتها على الأمن وتوفير العملة للسوق الفلسطينية. ويرى العديد من الخبراء الإسرائيليين إن عدم إعلان عملية الضم سببه تلافي وضع تكون فيه الحكومة الإسرائيلية مضطرة إلى منح الفلسطينيين في الضفة حقوقًا سياسية ومدنية باعتبارهم مواطنين تحت السيادة الإسرائيلية. ويقتصر الحديث هنا على المنطقة المصنّفة وفق اتفاقيات أوسلو بالمنطقة "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية.

من الناحية العملية، يعمل سكان المستوطنات في معظم مجالات الحياة ضمن إطار قانوني يوازي الوضع في إسرائيل وتجاه الوزارات الحكومية في إسرائيل، داخل الخط الأخضر. والاستثناء الرئيسي من ذلك، والذي يكون الجهاز التنفيذي فيه الإدارة المدنية، هو السيطرة في مجالات العقارات والتخطيط والبناء والبنية التحتية، التي لا تخضع لوزارات حكومية، بل لمجلس التخطيط الأعلى المدني. وهذا يعني أن عمليات التخطيط والبناء وتطوير البنية التحتية تتم بشكل مختلف عما هو الحال في داخل إسرائيل. ويزعم المستوطنون بأنهم يخضعون لتعقيد بيروقراطي يتطلب موافقة وزير الدفاع، وقد جاء الاتفاق الأخير ليغير هذا الوضع ويزيل الصلاحيات من وزير الدفاع وينقلها إلى وزير الاستيطان، الذي يمتلك معظم الصلاحيات الإدارية المتعلقة بمعالجة طلبات السكان اليهود. وستبقى إدارة التنسيق والارتباط مع أجهزة السلطة الفلسطينية المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية خاضعة لقائد القيادة المركزية ووزير الدفاع.

وفيما بخص العلاقة بالسلطة الفلسطينية، يمكن اختصارها في جملة العقوبات الإسرائيلية الأخيرة ضد السلطة الفلسطينية، من سحب بطاقات VIP لكبار الشخصيات واقتطاع أموال من مستحقات السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى عائلات إسرائيلية قتل أبناؤها في اشتباكات مع الفلسطينيين، ردًا على ذهاب السلطة الفلسطينية إلى المحافل الدولية وآخرها الحصول على مشروع قانون من الأمم المتحدة لطلب رأي استشاري حول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية.

ولخص زعيم الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، هذه العلاقة بالقول: ما الفائدة من وجود سلطة فلسطينية لا تحارب الإرهاب، بل تحرض عليه، وتسعى لتشويه صورة إسرائيل في المحافل الدولية؟ وأن هذه العقوبات ما هي إلا بداية الطريق إذا ما واصلت السلطة الفلسطينية تحركاتها الدبلوماسية.

الحكومة الإسرائيلية غير معنية بإسقاط السلطة الفلسطينية، بل تسعى عن سبق إصرار إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وتحجيم دورها السياسي ثم تركها لتكون فقط حارسًا للتنسيق الأمني، بدور وظيفي لا أكثر ولا أقل، وإن إدعت عكس ذلك فإنما لتقليل المخاوف الأمريكية والأوروبية.

التحدي الأبرز في تركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي زيارة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير لساحات المسجد الأقصى وإعلان نيته تكرار هذه الزيارة دون أي اعتبار للعواقب الداخلية والخارجية. وهذا ما قد يفجر الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. على غرار ما حصل في مايو 2021. كذلك حالة التشكيلات العسكرية في الضفة الغربية، مثل عرين الأسود وكتبية نابلس وجنين وتصاعد حدة الاشتباكات والاقتحامات والعمليات المسلحة.

في هذا الوضع، لن يكون بمقدور السلطة الفلسطينية الوقوف في وجه انتفاضة الشعب الفلسطيني ولن يكون بمقدورها أيضًا إدارة ظهرها للمطالب الفلسطينية حول ضرورة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، في ظل سياسات الاحتلال ضد السلطة الفلسطينية ومحاولة إظهارها أمام الشارع الفلسطيني بصورة مشوهة.

في ظل هذه التركيبة من الأحزاب الدينية، تبدو الحكومة الإسرائيلية بمثابة برميل بارود جاهز للاشتعال في أية لحظة وفي أي وقت. وإن اشتعل في ظل هذا الواقع، من سياسة التمييز العنصري والمضي في سياسات الضم والاقتحامات المتتالية لساحات المسجد الأقصى، فقد يكون من الصعب إيقاف هذا الاشتعال وهذه الانتفاضة.


(استخدام الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]).

عزيز حمدي المصري

كاتب وباحث فلسطيني

شاركونا رأيكن.م