حكاية لبطلين لم يلتقيا!

بعد مضي ستة عشر عاما على زواج والديّ لم يُنسي ذلك أبي من معاتبة امي على عدم رؤيته لها قبل يوم الزفاف!!!

مع نفحة من الغضب الخفيف!! لم تكترث امي كعادتها ولسان حالها يقول "وهل بقي متسع للعتاب"!

هكذا جرت العادة عندنا تأتي النساء لرؤية الفتاة وغالبا ما كانت الصفقة تتم بنجاح دونما معرفة إن كانت الفتاة موافقة ام حتى الشاب عينه!

فكم من شاب علم بالقصة الغريبة الجميلة عند ذهابه مهندما الى بيت الفتاة لتكملة اجراءات الخطبة بعدما أخبروه ان يذهب ليستحم ويلبس ثوبا يليق بالمقام إن وُجد!
وكانت الحكاية تبدأ دون رؤية بطلاها بعضهما لبعض!

ومن كانت له قريبة كابنة عم او ابنة خال قريبة من مضاربهم كان حظه أوفر وأعظم فهي ليست غريبة عنه ويعرف ملامحها جيدا غير ذلك البعيد كأبي!!

كانت جميع الفتيات تتزوج لندرتهن!

أغلب الزيجات كان نكاح الشغار او زواج البدل كما نستعملها في لهجاتنا العامية وذلك يتم عن طريق تزويج الاب ابنته لشاب مقابل زواج اخت ذلك الشاب لابنه!

او أختين مقابل أختين وفي حالات كان الرجل يتزوج بابنته اي يزوج ابنته لشاب ويتزوج اخت ذلك الشاب! التي غالبا ما تكون صغيرة في العمر وتمت زواجات لفتيات كبيرات لكن بكمية اقل لعدم وصول الفتاة لجيل كبير حتى الزواج لقلة عددهن وكثرة الطالبين الزواج!

كانت هنالك حالات زواج فردية في حالات أن العائلة متعصبة وترفض تزويج بناتها خارج إطار العشيرة.

هنا كان الضرر أقل في حياة العروس فلا توجد لها بديلة او بدائل ليتم مقارنة حياتها بها أو بهن فكانت حياتها ملكها الخاص وحدها!

تفاصيل زواج البدل (الشغار) لا إسلامية ككثير من الامور التي نهى الدين عنها مثل التبرك بقبور الصالحين الصلاة والذبح عندها وطلب العون من أهلها والأخذ بالثأر وقتل أفضل شخص من العائلة المعادية وعادة لا دخل له بشيء!! والطيرة والتطير كره لقيا شخص في الصباح "منحوس" وثبت نحسه اي تمت مشاهدته في صباحين او أكثر فحدث مكروه للرائي فصار يخشى وقوع خطب ما له وانتظاره حتى!!! في حال تمت مشاهدته او حتى الحلم به!

ومنهم من يخشى القيام بعمل او يلغي مشوارا قد تم التخطيط له لئلا تصله لعنة "العَرَض" عادات ينبذها الإسلام، ونحن نعلم ذلك ونعلم ان الرسول نهى عنها ونقوم بتنفيذها بكل حذافيرها دون خوف او خجل، فيتم بدون مهر وهو شرط اساس في العقد الإسلامي.

وتكون كل فتاة مقابل فتاة اي الاولى مهر الثانية وبالعكس!! وعند حدوث حالة طلاق يتم تطليق الاخرى على الفور!!!

حياة البدائل مؤلمة بعض الاوقات فكلما حدث امر جيد لأخرى "بعايرو" الاخرى مثال ان كان للأولى بيت والثانية ما زالت تعيش في بيت الاهل تمت "المعايرة".

إن عاشت الاولى في قرية معترف بها والاخرى في غير المعترف بها كانت حجم "المعايرة" أعظم وأضخم فتعاير بشبكة المياه والصرف الصحي والكهرباء وقرب العيادة والمدرسة والدكان وكل ما حوته القرية من خدمات لم يوفر عشرها في غير المعترف بها!

وعلى الاخرى عدم فتح فيها عند "المعايرة" ويجب ان تتحمل كل بذاءة الالفاظ وكأنها هي السبب في تدمير حياة الاخرى بالرغم من معرفة اهل المظلومة!!! بكيفية الحياة الجديدة لابنتهم!!

ودخلن الكليات والمعاهد العليا والجامعة فقلت نسبة زواج البدل وحافظت الفتاة ذات السبعة عشر عاما على افضلية الطالبين الزواج!

اما المتعلمة فطلبها من اراد ان يغير ذلك القانون إلى ان أصبح الامر عاديًا فمعنى ان تتزوج ابنة اثنان او ثلاث وعشرون مجازفة تم تخطيها بصعوبة ناجحة وبقيت ذات السبع عشرة محافظة على مكانتها المرموقة المرجوة من الجميع!

ارتفع السن الى خمس وعشرون وما زال الموضوع في علو وقبول!

المهر يدفع بالدينار الاردني وقد وصل الى خمسة عشر ألف دينار وأكثر ايضًا ما لم تباركه الشريعة الاسلامية فكما جاء في هدى النبي إن أقل النساء مهرًا أكثرهن بركة وأكثرهن مهرًا أقلهن بركة.

يدخل التحليل البشري فيقول ان قل مهرها ستبقى رخيصة في عيون زوجها واهله لذلك ارفع قدرما شئت المهر لترتفع قيمة بنيتك ولا ينظر الى كونه استغلالا للفتاة!

نخوض في التفاصيل...

تخطب الفتاة ويحدد يوم العقد يوم الخطبة على اهل العريس ان يحضروا أغراضا للعروس تسمى "الفقدة" وهي ذهبًا ويجب ان يكون ليس اقل من الفي دينار أردني وهاتفًا خلويًا أخر ما تمت انتاجه إما أبل او سامسونج وغالبا تفضل الفتيات "الايفون"!

مستحضرات تجميلية واكسسوارات مناشف وملابس! والمهر الذي لا يقل عن العشرة الاف دينار أردني! ومنهم من يحضر فستان الخطوبة معهم!

طبعا هذه "الفقدة" لا تعد من جهاز العروس الذي سيشترى فيما بعد ولا ينظر اليه الا كهدية اجبارية بسيطة جدا ولا ينفي احضار هدية محترمة عند قدوم العريس لزيارة مخطوبته كل مرة !!امرا لا استحسنه بالمرة فكثرة التبذير لا تجلب السعادة والحب وتحويل العريس واهله الى حلابة نقود سيضيع لذة الموفق المقدس!

يقترب موعد الزفاف فتنتهي العروس من مراسيم إنفاق المهر على "الجهاز" الذهب والملابس ومستلزمات خفيفة للبيت!

ونذهب الى الجناة التاليين وهن صالونات العرائس التي تطلب مبالغ طائلة بلا رحمة ولا شفقة ولا حتى حياء من حجم السعر المطلوب!
وكأنها ستحول الفتاة الى حورية أو ملاك دائم!!

ولن ترفض الفتاة السعر لأنه يوم لن يتكرر ومرة واحدة في العمر فلا مجال للنقاش ولا التفاوض مع صاحبة الصالون المتأكدة ان لن يجادلها أحد ابدا!!

صبغة تسريحة شعر فستان ومكياج وهناك من تبقي شعرها من غير تلوين شغل ساعة زمن غير مجهد والسعر يتجاوز السبعة عشر والعشرون ألف شاقل والاسعار قابلة للارتفاع أكثر مبالغ لا تدفع للجراحين!

تفاصيل طقوس العرس

بعدما كانت ايام العرس اسبوعا يبدأ ليلة الاثنين وتنتهي المراسيم السبت ظهرا، صارت اليوم اقل اياما أكثر احداثا وترفا.

اليوم الاول يوم افتتاح بيت الفرح وتخلله وليمة فاخرة!

اليوم التالي خصص لتعبئة الحلوى حلوى العرس وبعده او في نفس اليوم طقوس عجن الحنة وعادة ما تكون أجمل من حفل الحنة نفسه تكون الام والعريس والمقربات جدًا من اخوات عمات خالات جدات أمام طاولات و"المعازيم" أمامهم تماما كمنظر المعلمة والطلاب توضع على الطاولات أصناف شتى من الحلويات المكسرات الفاكهة والعصائر المختلفة إضافة لمشروبات الطاقة التي للأسف يزداد عليها الطلب يوما بعد يوم من مختلف الأعمار دون اكتراث من اضرارها الوخيمة!

تتفن الصبايا الصغار في كيفية التصوير ويتقنّه أيما إتقان، تتوسط هذه السعرات الحرارية المرتفعة واللذيذة اطباق مزينة توضع بها الحناء المجففة استعدادا لجبلها من قبل الام والعريس بعد تلبيسه قفازات نايلون لضرورة عدم اصطباغ يديه وتحويلهن للون البرتقالي!

وعلى أنغام الزغاريد والاغاني الخاصة بالموقف تكتمل الليلة الجميلة.

كانت النساء تقيم هذه الحفلة في ساعات ظهيرة ليلة الحناء، ولكن زيادة عدد النساء العاملات وعدم حضورهن أدى إلى تغيير الموعد إلى المساء حيث تتمكن أغلبهن المجيء.
تعبئ الحنة في اوعية صغيرة مزينة وتوضع معها بعض حبات الشكولاطة والحلوى في كيس مزين خصص لذلك الغرض ويوزع على "المعازيم" في اليوم التالي في أثناء حفلة الحناء.

قبل يوم الزفاف بيوم واحد تقيم بعض الفتيات حفل دخل حديثا على عادتنا وهو حفل توديع العزوبية!!

الاخر عبارة عن حفلة صغيرة لصديقات العروس يتخللها بالطبع الطعام والشراب والكثير من الصور التي تنطلق من نجمات تصوير فاقت مهارتهن المحترفين والمحترفات!

يوم الزفاف الذي طال قدومه وطال الوصول إليه فكم عبرنا من محطات لنصل اليه وها قد وصلنا بالسلامة والأمان والكثير من الأحداث!

تذهب العروس في الصباح الباكر إلى الصالون الذي سيحاول تغيير ملامح العروس إلى الابهى منه ليلة الحناء بمرافقة إحدى الصديقات او القريبات.

عادة بعد الانتهاء من التزيين يأخذ العريس عروسته إلى التصوير الخارجية ليس له مسمى بالعربية والكل يعرفه ب"التييلت" لكنه أصبح الان قبل يوم العرس بأيام لعدم الانضباط بالوقت كما تكرر مع عدة عرائس فكم من مرة قدم اهل العريس لأخذ عروستهم وكانت في "التييلت."

يأتي اهل العريس لأخد العروس تحت وقع الاغاني الملائمة لتلك اللحظات مثل:

"قومي اطلعي قومي اطلعي لحالك
واحنا حطينا حقوق ابوكي وخالك"
وأربع خواتم باصبعها أربع خواتم باصبعها والسبع منكم يطلعها والسبع منكم يطلعها"
يسلم ولي العروس العروس إلى العريس وأولياءه ويختم كلامه "الله يطرح ليكو البركة"

إذا كان بيت اهل العروسين متقارب تؤخذ العروس مشيا على الاقدام في بعض الأحيان وان أرادوا أخذها في السيارة يكبر الموكب مساره في شوارع البلد عودة إلى المكان المنشود! في انتظارهم تكون العجينة ورغيف الصاج في الانتظار يقسم الرغيف أمام وجه العروس فتعطى لقمة منه طلبا للبركة ولكي تقاسمهم حياتهم!

ويوزع باقي الرغيف على الصبايا غير المتزوجات ظنا منهم انهن سوف يتزوجن بعد تلك اللقمة المباركة ببركة العرس.

تقوم العروس بإلصاق العجينة أمام بيتها ان كان لها بيت او أمام بيت حماها وحماتها لتلتصق بالبيت ولا تطلق حسب المعتقدات وبعضهن الان تلصقه أمام القاعة التي ستقام بها الحفلة الكبرى،  لضيق مساحة البيوت مثل الماضي!

اتمنى لكل الشباب الزواج ضمن الإطار المعقول لان كثرة المصروفات لن تعجب وتبهر الناس ولن تحدث السعادة واتمنى من الحاملين مصائرنا وشبابنا تأمين مساكن لهم ولأهلهم!!!!

وأتمنى منهم أكثر أن يحافظوا على أقدس العلاقات الإنسانية وعدم تمزيقها في الطلاق الذي بات منتشرا كوباء قاهر قاتل!


مصدر الصورة المرفقة للمقال.

ريتا أبو الطيف

ناشطة اجتماعية ومديرة مشاركة في منصة "هُنا الجنوب"

شاركونا رأيكن.م