الفَصل التعسّفي للعُمال والعامِلات: الجوانب القانونيّة وانعكاسات أجواء الحرب

الفصل التعسّفي هو أحد أخطر الانتهاكات التي قد يتعرّض لها العمال في بيئة العمل، حيث يواجه العامل إنهاءً مفاجئًا لعلاقته الوظيفية دون سبب قانوني مبرَّر أو دون اتّباع الإجراءات القانونية التي تضمن له فرصةً لإعطاء مبرراته وتفسيراته. في ظل الأوضاع الحالية، التي تشهد توترات سياسية واجتماعية، تزايدت حالات الفصل التعسّفي للعمال والعاملات العرب لدى مشغّلين إسرائيليين، كما ازدادت، من جهة أخرى، حالات التمييز والعنصرّية تجاه العرب في القبول للعمل والوظائف المختلفة.

سأستعرض في هذا المقال الجوانب القانونية المتعلقة بالفصل التعسّفي، وسأقدّم توصيات لمواجهة هذه المواقف.

الجوانب القانونية للفصل التعسّفي

في إسرائيل، يخضع الفصل من العمل لقوانين واضحة تهدف إلى حماية حقوق العامل ومنع التعسّف في استخدام إمكانية الفصل من العمل. من القوانين المهمة التي تنظم هذا المجال مثًلا، قانون حماية العمال (1982) الذي يَحظر التمييز ضد العمال والعاملات بناءً على العرق، الدين، الجنس، أو الآراء السياسية. وقانون مساواة الفرص في العمل (1988)، الذي يركز على منع التمييز في مكان العمل في جميع جوانب العمل، بما في ذلك التعيين، الترقية، والفصل. وقانون تعويضات نهاية الخدمة (1963)، الذي ينص على أن أي عامل تم فصلُه بعد سنة من العمل يستحق تعويضات نهاية الخدمة ما لم يكن الفصل لأسباب جديّة تتعلق بسلوك العامل.

إجراءات الفصل القانونية

لضمان عدم استغلال أصحاب العمل سُلطَتَهم في إنهاء عقود العمال بشكل تعسّفي، يشترط القانون الإسرائيلي اتباع خطوات وإجراءات عدة:

1.    إعطاء إشعار مسبق بالفصل: يشترط قانون إشعار مسبق لإنهاء العمل والتوظيف (2001)، على صاحب العمل تقديم إشعار مسبق للفصل بمدة معينة، تعتمد على مدة عمل العامل. فإذا كان العامل قد عمل أكثرَ من عام، يجب أن يتلقى إشعارًا بفترة لا تقل عن شهر. يمنح هذا الإشعار العامل فرصةً للبحث عن وظيفة بديلة أو الاستعداد لأي تبعات مالية قد تنتج عن الفصل.

2.    عقد جلسة استماع قبل الفصل: قبل اتخاذ قرار الفصل، يجب على صاحب العمل، عقد جلسة استماع، يوضح فيها أسباب الفصل ويتيح للعامل فرصة للدفاع عن نفسه. تُعدّ هذه الجلسة من أساسيات الإجراءات القانونية، ويجب أن تُجرى بشفافية وحياديّة. إذا لم يتم عقد هذه الجلسة، حتى وإن كانت هناك أسباب موضوعية للفصل، يمكن اعتبار الفصل غير قانوني.

3. توثيق الأسباب الرسمية للفصل: يجب على صاحب العمل تقديم أسباب واضحة وموثَّقة للفصل، سواء كانت تتعلق بأداء العامل أو متطلبات العمل. إذا كانت الأسباب غير واضحة أو مَبنيّة على تمييز عرقي أو سياسي، فإن ذلك يشكل انتهاكًا للقوانين، ويؤدي إلى اعتبار الفصل تعسّفيًا.

4. التعويضات المالية: إذا تم الفصل بشكل تعسّفي، فإن العامل قد يستحق تعويضات مالية إضافية، تعويضًا عن الأضرار التي لحقت به نتيجة الفصل. وفقًا للقانون، يستحق العامل الذي عمل أكثرَ من عام في المكان نفسه تعويضات نهاية الخدمة التي تعادل راتب شهر عن كل سنة عمل.

تأثير الحرب على العمّال والعاملات العرب

في ظل الحرب الحالية، ظهرت حالات فصل تعسّفي استهدفت العمال العرب، حيث تزايد التوتر في أماكن العمل، خاصة تلك التي تجمع عمالًا من خلفيات عرقيّة متنوعة. استُخدمت الحرب في بعض الحالات كذريعة لفصل العمال العرب، دون مراعاة الإجراءات القانونية المطلوبة. 

فُصلَ أحد العمال في شركة بناء بعد مناقشة سياسيّة مع زملائه اليهود حول الحرب. استندت الشركة إلى "خرق النظام الداخلي" كسبب للفصل، لكن دون تقديم مبررات واضحة أو عقد جلسة استماع قانونية، ما يجعل هذا الفصل تعسّفيًا.

مثال آخر، فُصِلت عاملة في قطاع الخدمات بعد نشرها رأيًا سياسيًا على وسائل التواصل الاجتماعي، تعبّر فيه عن استيائها من الحرب وقتل المدنيين في غزة. لم تُعقد جلسة استماع معها، وفُصلت العاملة مباشرة دون إتاحة الفرصة لها لتوضيح الأمر.

كيفيّة تعامل المحاكم مع حالات الفصل التعسّفي

تعتمد المحاكم العمالية في إسرائيل على عدد من المعايير لتحديد مدى قانونية الفصل، وتشمل هذه المعايير:

أولًا، تقييم مبررات الفصل، بحيث تفحص المحكمة ما إذا كانت الأسباب التي قدّمها صاحب العمل للفصل قانونيةً وموضوعية. إذا كان الفصل يستند إلى أسباب غير مشروعة مثل التمييز على أساس العرق أو الرأي السياسي، فإن المحكمة ستعتبر الفصل تعسّفيًا.

ثانيًا، التحقّق من اتباع الإجراءات القانونية، بمعنى أن المحاكم تفحص ما إذا كان صاحب العمل قد اتّبع الإجراءات القانونية المطلوبة، بما في ذلك عقد جلسة استماع. يمكن أن يؤدي عدم الالتزام بهذه الإجراءات إلى اعتبار الفصل غير قانوني، حتى وإن كانت أسباب الفصل مشروعة.

ثالثًا، مَنح تعويضات، بحيث أنه إذا تبين أن الفصل كان تعسّفيًا، فإن المحكمة قد تمنح العامل تعويضات ماليّة تشمل تعويضات عن الأضرار النفسية والمادية الناتجة عن الفصل. يعتمد حجم التعويض على مدة العمل والضرر الذي لحق بالعامل.

وأخيرًا، إعادة العامل إلى العمل. في بعض الحالات، تملك المحكمة صلاحية أن تعطي أمرًا بإعادة العامل إلى وظيفته إذا رأت أن الفصل كان غير قانونيّ. ومع ذلك، تميل المحاكم إلى منح تعويضات مالية بدلاً من العودة إلى العمل في حالات التوتر الشديد بين العامل وصاحب العمل.

التوصيات والمَسارات المُمكنة للعمل

  • يجب على العامل الاحتفاظ بجميع المراسلات والإشعارات المتعلقة بالفصل، وكذلك جمع أي أدلة قد تثبت التمييز أو التعسّف. 

  • يمكن تقديم شكوى رسمية إلى وزارة العمل أو مفوضية المساواة في فرص العمل، التي قد تحقّق في القضية وتتخذ إجراءات ضد صاحب العمل إذا ثبت التمييز أو عدم إتباع الإجراءات القانونية. 

  • إذا فشلت المفاوضات أو لم يتم التوصل إلى تسوية، يمكن للعامل رفع دعوى قضائية أمام محكمة العمل للمطالبة بالتعويضات أو إعادة التوظيف.

خاتمة

يمثل الفصل التعسّفي تهديدًا خطيرًا لحقوق العمال، لا سيما في الأوقات التي تشهد توترات سياسية واجتماعية مثل الحرب الحاليّة. من الضروري أن يلتزم أصحاب العمل بالقوانين والإجراءات القانونية قبل اتخاذ قرار الفصل، كما يتعين على العمال معرفة حقوقهم واللجوء إلى القضاء في حال تعرّضهم للظلم والتوجه للحصول على استشارات من الأجسام الحقوقية المختلفة والمحامين. تلعب المحاكم العمالية في إسرائيل دورًا اساسيًا في إنصاف العمال وحمايتهم من التمييز والفصل التعسّفي، وهو ما يعزز من أهمية اللجوء إلى القانون لحماية الحقوق في مثل هذه الأوقات الحَرِجة.

المحامية رغدة عواد

متخصصة في المجال المدني، والدستوري وناشـطة اجتماعية ونسوية

رأيك يهمنا