بعد 100 يوم من الإبادة الجماعية.. هانت عليكم غزة!

وهل تهون عليك روح أخيك؟ وقلب أختك؟ وروح طفل كان يوما جارك؟ وهل تهون عليك أرواح الأبرياء الذين دفنوا في بيوت كانت يوما تأويهم؟ هل هانت عليكم مدينة بأكملها تحتضن الفراشات والبحر وقلوب أطفال رائعون وأمهات يقلبن أرواحهن بين فقيد وجريح ومدفون حيا...!! هل تهون الروح إلى هذا الحد بعد مئة يوم وأكثر تقف غزة شامخة صامدة وهي تنزف دما بينما أنهار الدم لا تتوقف؟؟!!

هانت عليكم أرضنا وبلادنا ونساؤنا وأطفالنا 

"الأرض اختفت.. العمارة اختفت...!! "

كان بجوارنا عمارة سكنية من عدة طوابق كانت تزخر بالنازحين وأهل العمارة هم وضيوفهم ونوافذهم وأبوابهم ودرجات السلالم وحتى الغسيل المنشور في أعلى العمارة كانوا هنا قبل قليل كانت الحياة تضج في العمارة وصوت الصغار يتصايحون، بعضهم يبكون وبعضهم ينادون ...يا مريم، يا علي، يا أم أحمد عندك رغيف زيادة؟؟ طيب عندك أي ايشي لهالولد الصغير...! طيب توخذي شوية سكر وتعطيني شوية طحين، الأولاد من 4 أيام ما أكلوا خبز.. كانت الأصوات التي تضج بالحياة تعلو ليلا ونهارا لم يكن أحد يستطيع النوم إنها كارثة ألا ينام الإنسان.. لكنهم كانوا يتبادلون الجلوس على الفرشات فحجم الضيوف يفوق قدرة أهل البيت وحاجاتهم، لذا كان بعضهم يحاول أن يغفو ويمدد جسده نهارا كي يتيح لآخرين أن يفعلوا ذلك في وقت آخر.. يقسمون الدور لراحة الأجساد، ولكنها ليست راحة تذكر بالكاد يحاولون أن يغمضوا أعينهم عل الحرب الطاحنة حولهم تتوقف لثوان أو دقائق ...!! 

الوقت ظهرا والوقت صحوا والهدوء حلم بعيد المنال عن أهل غزة، يقف الحاج أمام باب بيته يحدق في العمارة التي تضج بكل الأصوات يضرب كفا بكف إنهم لا يعرفون النوم الصراخ يملأ المكان، يجلس الرجل القرفصاء تحت ظل شجرة..

لم ير إلا العصافير تطير مسرعة وتتقافز القطط في المحيط، العمارة اختفت، العمارة اللي كلها حياة وأطفال ونساء وعائلات اختفوا صاروا في بطن الأرض مع عمارتهم بحجارها وأثاثها، اختفوا كلهم، لا جثت، لا إصابات، فقط حفر ضخمة ابتلعتهم بعد خمسة صواريخ إسرائيلية مضغطهم...! 

اليوم مضت مئة يوم وأكثر على حرب الإبادة الجماعية على غزة وأهل غزة، اليوم مئة عام لا تشبه المئة عام لماركيز ولا تشبه أي واقع أو رواية، إنها فقط تشبه وجوه أهلها الشاحبة المتعبة، مئة يوم ومئات الآلاف من الساعات التي أكلت عمر الأطفال والشابات ولم تترك لهم زهرة عمر فقد كبروا مئة عام وأكثر...!!

هنالك أكثر من (30,843) شهيداً ومفقوداً حتى اللحظة في غزة، (1,993) مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال، (23,843) شهيداً ممن وصلوا إلى المستشفيات، (10,400) شهيد من الأطفال، (7,100) شهيدة من النساء، (7,000) مفقودٍ 70% منهم من الأطفال والنساء، هنالك (60,317) مصاباً وجريحا جميعهم يفتقدون للرعاية الصحية الشاملة، وبالكاد يتواجدون في خيم وبيوت مدمرة ومستشفيات متوقفة عن العمل...! وبينهم (6,200) إصابة حرجة وبحاجة ما للإنقاذ من خلال السفر للعلاج وانقاذهم إلا أن الاستمرار بإغلاق المعابر يحولهم إلى ناجون مع وقف التنفيذ وقد يموتوا في أي كل لحظة...! أي عذاب هذا الذي يشاهده الجميع، العالم المتحضر..

 هانت عليكم نساء غزة وأطفالها وصحافييها ومسعفيها وأطبائها وشبابها وشاباتها..! يا هذا الكوكب هل هذا ما يستحقه أهل غزة، مئة يوم وتزيد وتتسع مليئة بصراخ الشعوب ومظاهراتها استنكارا للقتل اليومي المفجع لكل قلوب الإنسانية، مئة يوم والحكومات تفاضل بين تدخلها ومصالحها، تفصل الحياة والموت بمقاسات موازين القوة لتترك غزة وحيدة من الفعل والقرار السياسي، ويحكم.. أليس للإنسان الفلسطيني الأحقية في حريته وكرامته إلا عبر الدماء المسفوكة وجبال الجثث المدفونة والمتحللة في طرقات وشوارع المخيم، خمس وسبعون عاما ودمنا النازف لا يعيركم انتباها لفداحة الظلم الذي نعيشه في غزة وكل فلسطين...!!

هذه الإبادة الجماعية لم ترحم أحدا فقد قتلت طائرات الاحتلال الإسرائيلي ورصاصته الغادرة (337) شهداء من الطواقم الطبية، وقتلت (45) شهيداً من الدفاع المدني، ولم تترك فرسان وفارسات صاحبة الجلالة بل كانت لهم بالمرصاد فقد قتلت (117) شهيداً من الصحفيين والصحافيات ولازالت تستهدفهم بحملات التحريض والكراهية ناهيك عمن ظلوا على قيد الحياة بينما قتلوا أطفالهم وزوجاتهم وعائلاتهم ودمروا بيوتهم وكاميراتهم ومكاتبهم إمعانا في محاولة قتل الحقيقة واسكات صوت الإبادة الجماعية تصر قوات الاحتلال الإسرائيلي على منع صحافيي العالم الدخول إلى غزة والقيام بالتغطية الإعلامية إمعانا في القتل والتدمير وهروبا من المحاسبة والإفلات من العقاب..!

بعد مئة يوم لدينا الآن (10,000) مريض سرطان يواجهون خطر الموت، و(99) حالة اعتقال من الكوادر الصحية، هنالك (10) معتقلين من الصحفيين، وهنالك (2) مليون نازح في قطاع غزة في العراء والخيام المتهالكة في صقيع لا تصفه إلا ارتعاشه الجسد واصطكاك أسنان الصغار علنا على شاشات التلفزة، هنالك بعد مئة عام من الإبادة الجماعية (400,000) مصاب بالأمراض المعدية نتيجة النزوح، دمرت الحرب القطاع التعليمي ومنشآته فقد دمرت (95) مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل كلي، ودمر الاحتلال الإسرائيلي (295) مدرسة وجامعة بشكل جزئي، كما دمر الاحتلال الإسرائيلي (145) مسجداً بشكل كلي، و(243) مسجداً دمرها الاحتلال بشكل جزئي، ولم يرحم الكنائس فقد استهدف (3) كنائس بمن كانوا يلجؤون إليها.

خلق الاحتلال بويلاته أزمة مرعبة بالوحدات السكنية في غزة فقد دمرت الحرب في يومها المئة (69,300) وحدة سكنية كلياً، وفي الواقع ستكون التقييمات أكثر بشاعة وسوءا فالعين سترى وتسمع وتشم مالا تصفه الكلمات، أما جزئيا فقد دمر الاحتلال الإسرائيلي (290,000) وحدة سكنية، وذلك بفعل (65,000) طن من المتفجرات ألقاها الاحتلال على غزة. أما القطاع الصحي فقد دمر الاحتلال المنظومة الصحية بشكل مخيف بعد مئة يوم هنالك.

 (30) مستشفى أخرجها الاحتلال عن الخدمة، و(53) مركزاً صحياً أخرجه الاحتلال عن الخدمة، (150) مؤسسة صحية استهدفها الاحتلال بشكل جزئي، (121) سيارة إسعاف دمرها جيش الاحتلال، (200) موقع أثري وتراثي دمرها الاحتلال.

يا إلهي كم هانت عليكم غزة.! هذه هي غزة لا زالت تعيش بنصف قلب، ونصف رئة، ونصف حياة تسندها جنوب أفريقيا لتبقى بحلاوة الروح التي عهدناها بأنها لم تترك وحيدة، كل حياة طفل أو امرأة أو رجل كل دمعة سقطت في مئة يوم هي نار مشتعلة في قلوبنا، كل رعشة برد وخوف وقلق وفقدان يجب أن نكتبها ونشعرها فما هو قادم لغزة بعد مئة يوم من الإبادة الجماعية المستمرة إنما يجب ان يقابله ملايين القلوب العامرة بالحب والإخلاص والمساندة يجب أن يكون حاضرا لكل قلب حي فالخراب الذي أنتجته المئة يوم بحاجة لآلاف وملايين الايدي المخلصة لتبقى غزة شامخة أبية وتبقى رمزا للحياة لا الموت، رمزا للحرية لا الأسر..!!

تنويه بفعل آلة الإبادة الجماعية المستمرة.. الأرقام تزداد وتكبر يوما بعد يوم ما بعد المئة يوم، لكنها لا تنقص أبدا، ولها معنى واحد أرواح جديدة تزهق، حياة بأكملها تدمر وتصبح كأنها غبار نسيه البشر ذات مكان وزمان في ركن مهمل من الحياة/الموت يحمل اسم غزة.. غزة تركت وحيدة ...!


ملاحظة: المعطيات الإحصائية في المقال تستند على المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

تصوير: بلال خالد.

هداية صالح شمعون

كاتبة وإعلامية فلسطينية من قطاع غزة

شاركونا رأيكن.م