الغَزِّيات في دائِرة الاستهداف الإبادي: يا وَحْدَهُن!

شَكّلَت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة صَدمة حقيقة للأعراف والمَواثيق الدوليّة والحقوقية، فقد أَحدَثت فجوة ثقة عميقة وطَرحت تساؤلات قاسية عن مفهوم الإنسانية وحقوق الإنسان وحقوق النساء التي لم تنسحب على الفتيات والنّساء الفلسطينيات في قطاع غزة، مما تَرَك مؤسسات المجتمع الدولي ومؤسساته وأبجدياته في مأزق كبير من الازدواجية والعجز في الحالة الفلسطينية، لقد تسببت حرب الإبادة الجماعية في تَعرض أكثر من مليوني فلسطيني للنزوح القسري، بعضهم نزح أكثر من 25 مرّة في ظروف تشير لانعدام الإنسانية، وعدم توفّر الحدّ الأدنى لضروريات البقاء على قيد الحياة!
كانت النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة الأكثر تهميشًا وضعفًا وتعرّضًا للمخاطر والقتل والإصابة والاعتقال والنزوح المتكرَر، بسبب الإبادة الجماعية التي صنفها بعض الحقوقيين[1] بأنها أيضًا كانت إبادة جماعية للإناث في غزة، فقد شكّل الاستهداف المتعمد وتقصّد القتل وتعدّد طرقه تأكيدًا على وجود ملاحَقة للنساء والأطفال والفتيات كنواة أساسية للعائلة الفلسطينية، لقد كانت حربًا على المرأة والعائلة الفلسطينية كما تشير الكثير من الشواهد ولا تزال رغم وقف إطلاق النار المؤقت، عبر استمرار استهداف النساء، فيما لا تزال الجريحات يرقُدن في الخيام في أوضاع لا إنسانية، كذلك الأمهات والجدّات والبنات اللواتي يعِشن ظروفًا قاسية في خيام مهترئة، ولا يزلن مفتقداتٍ الحدَّ الأدنى من حقوق الوصول للخدمات النفسية والاجتماعية والصحية والتعليمية. تستمر الانتهاكات الإسرائيلية للحيّز الخاص والعام للنساء في قطاع غزة بعد أن أفقدتهن الحرب كلّ مقومات الحياة ومكانًا مناسبًا لاستكمال حياتهن، فهُن لا يزلن يعانين وحدهن ويجاهدن للحفاظ على ما تبقى من عائلاتهن. سنشير في هذه الورقة إلى أثر الإبادة الجماعية على واقع النساء الفلسطينيات في قطاع غزة.
بلغ عدد شهداء حرب الإبادة الجماعية التي شَنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزّة بعد السابع من تشرين الأول/ أوكتوبر 47.035 شهيدًا، من بينهم 17861 طفلًا. كما أصيب 111.091 شخصًا.
أولًا: استهداف الفتيات والنساء وقَتلِهن
منذ بداية حرب الإبادة الجماعية تم استهداف الفتيات والنساء، فقد قُتلت 12316 سيدة وفتاة، وهذا يعني أن العائلة الفلسطينية في غزة الآن قد أُعيدت هيكلَتُها ولم تَعد بمفهوم العائلة المتعارف عليه سابقًا، فهنالك (38 ألف طفل ممن نجوا أصبحوا أيتامًا). لقد تعرضت العائلة الفلسطينية للاستهداف بقتل ربّة البيت أو ربّ البيت، لقد مسحت القوات الإسرائيلية من الوجود 2,092 عائلة غزّية من السجل المدني، كما تعرّضت العائلات الفلسطينية للإجبار على النزوح، لقد تم تَهجير 800 ألف امرأة قسرًا من منازلهن، ويعاني نحو مليون امرأة وفتاة من انعدام أمن غذائي حادّ.
إن قَتل النساء في غزّة لم يكن قتلًا عاديًّا بل هو إبادة جماعيّة للنساء مع القَصد والتَعمُّد والمباشرة وبطرق قَتل متعدّدة:
إن قتل الطفلات والفتيات والنساء في غزة لم يتم بصواريخ الطائرات فقط ولا بقذائف الدبابات، ولا بصواريخ البوارج الحربية في البحر فقط، بل أيضًا وجهًا لوجه؛ وإنما حَدَث على شكل إعدام مباشر بالرصاص، ما يعني أن الجنود يَرون أن أهدافَهم نساء مدنيّات؛ أمهات وجدّات وبنات. يَطرَح هذا الانتهاك الصارخ لحقوق النساء الفلسطينيات في الحياة السؤال: أين هي قوانين الحماية الدولية مِنْهُن؟ وأينَ هي الحركات النسوية التحررية من كلّ ما يحدث في غزة منذ عام و4 أشهر؟
قالت هَيئة الأمم المتحدّة للمرأة الحَرب على غزّة هي حَرب على النساء
شهادة: حَدث مع أنسبائنا إعدام مباشر لامرأة في الستّين من عمرها وعائلتها، حَدَث ذلك في اليوم 76 من حرب الإبادة الجماعية. أحاطت الدبابات بمنطقة الشيخ رضوان من كلّ الاتجاهات وحاصرت الأهالي في بيوتهم وظلّت تُطلق القذائف، في تمام الساعة 2 فجرًا تم قصف البيت المُجاور للبيت الذي تقطُنه السيدة نوال مع عائلتها وعائلات أخرى، هَرَع الرجال لإنقاذ من أمكنهم إنقاذه وإجلاء الشهداء ودفنهم، في اليوم نفسه مساء؛ أي بتاريخ 22 كانون الأول/ ديسمبر 2023 والجميع في بيوتهم بينما لم يتوقف صوت القذائف الإسرائيلية والانفجارات بكلّ مكان، وصل إلى مسامع الجميع صوت تحرّكات للجنود الإسرائيليين وهم يجولون في الجوار، ويتكلمون باللغة العبرية ويمشّطون المكان، ومع تدمير بعض أجزاء من البيت الذي يأوون إليه، فقد رأوا الرجال الفلسطينيين "أصحاب البيوت" من خلال الكشّافات التي يضعونها على رؤوسهم، فأطلقوا النار مباشرة على الجميع فورًا، ومع إطلاق الرصاص نحو أجساد الرجال العزّل، صرخت النساء والفتيات والأطفال في الغرفة المقابلة لمكان إعدام الرجال، فعاجلوهن بإطلاق الرصاص الحيّ بشكل متعمّد ورغم رؤيتهم أنهن نساء وأطفال، لتُصاب السيدة نوال وتسقط أرضًا هي وامرأة أخرى.
نوال امرأة في الستين من عُمرها رأتهم يقتلون زوجها وأولادها أمامها ثم يوجّهون رصاصهم إليها في إعدام مباشر.
لقد قُتلت الأم والجدة والزوجة نوال الخالدي[2] في المجزرة نفسها وقُتل زوجها وابنها الكبير رائد وابنها الأصغر أمجد وابن عمهم حامد، ولم يتبق إلا الحفيد مؤمن الذي ظلّ مصابًا ثلاثة أيام ومختبئًا بين القتلى حتى خرج الجيش الإسرائيلي من المكان.
كيف يمكن أن نشرح تأثير الحرب على هذه العائلة؟ على هذا الطفل الذي يجب أن يتعايش مع شهِده من إعدام عائلته أمامه؟ على مَن تبقى من بنات العائلة وحيدات الآن وكلّ منهن في مكان نزوح لا يعرفن شيئًا عن بعضهن البعض؟ كيف يمكن أن نقول إن هذه مجرد حالة قتل واحدة تجسّد نموذجًا لآلاف القصص لنساء وفتيات وأمهات وجدّات؟
شهادة من خلال مقابلة صَحافية مع النّاجية: حتى الآن لا تزال الأُم رجاء حمدونة -الناجية من مجزرة لعائلتها، وهي الآن مصابة- في المشفى مع ابنتها وتحتاج للسفر والعلاج، أمنيتها كما قالت بكلمات قصيرة: "نِفْسي ألاقي جَثامين زوجي وولادي وأدفِنهم". ما هو تأثير الحرب على النساء الفاقدات؟، هذه الأم بتاريخ 6/6/2024 قُتل زوجها وأولادها محمد وأحمد، وفي الحادثة نفسها استشهدت جارتها وزوجها وابنها وبنتها وابنهم وسام الذي وُلد في الحرب (عمره 7 شهور). داست الدبابة الإسرائيلية على جسدها فعليًّا، داست على جسدها هي وابنتها وانغرست أجسادهن في رمل المواصي (رمال ناعمة) وتمكّنت من الزحف بابنتها عدّة كيلومترات في حالة خطر شديد لاستمرار وجود الدبابات في المنطقة، حتى تمكنت من الوصول لمكان وجدها فيه الإسعاف الفلسطيني، وصلت المستشفى وظلت شهرًا ما بين الإغماء والعمليات، وقد أجريت لها 5 عمليات لإنقاذ حياتها، كانت قدمها معرّضة للبتر، فهي أيضًا أصيبت بالرصاصات، رصاصة متفجرة بقدمها اليمنى وأربع كسور وتهشّم بالعظم مع إصابة باليد اليمنى، وشظايا ورضوض في الظهر وباقي الجسم مع تمزق في الأوتار، بنتها الطفلة أصيبت برصاصة متفجرة في القدم اليمنى وكَسر، مع كَسر وخَلع بالقدم اليسرى بالإضافة لرضوض وكدمات بظهرها.[3]
إبادة النّساء في غزّة
Ø حين يتم قتل النساء بطرق متعددة والهدف هو القتل.
Ø حين يتم تدمير القطاع الصحي وكلّ مرافق العيادات الإنجابية ومرافق تقديم الخدمات للنساء وخلق ظروف مرعبة للنساء الحوامل فهذا قتل غير مباشر.
Ø حين يتم استخدام التجويع والتعطيش بحقّ النساء والأمهات والحوامل فهذا قتل بطرق مختلفة.
Ø حين يتم تدمير البيوت وإجبار النساء على النوم في الشوارع مفتقدات أيّ خصوصية فهذا انتزاع لحقوقهن وكرامتهن ويؤدي إلى الموت البطيء بعد التجويع والتعطيش والحرمان من الحياة الكريمة.. هذه كلّها أدوات ومؤشرات على الإبادة الجماعية للإناث في غزة، وهي أبعاد لتدمير مُمنهَج ومَقصود.
ثانيًا: عائلات بأكملها أبيدت أغلبها نساء وأطفال وكبار في السنّ
فَقَدَت عائلة السالم وَحدها 237 شهيدًا من كافة الأَعمار، تمكنّت من العثور على جثامين بعضهم ودفنهم، فيما لا يزال البعض الآخر عظامًا تحت الركام بسبب عدم توفر الإمكانات الحفرية للوصول لهم، فالدمار يفوق التصوّر. هذه العائلة لاجئة من بلدة "هربيا" وتعيش في مدينة غزة، مُسحت بعض أُسرها من السجل المدني، وَقَعت المجزرة الأكثر دموية بحقّها فجر 11 كانون الأول/ ديسمبر2023، إذ أُسقِطَ بعد صلاة الفجر مباشرة برميل متفجّر من طائرة إسرائيلية على عمارة الحاج أبو رمزي سالم الواقعة في شارع الجلاء بمدينة غزة، والمكونة من خمسة طوابق سُوّيت على الفور بالأرض، وتحوّلت إلى قبر جماعي لنحو 100 شخص كانوا بداخلها بينهم أطفال ونساء. امتد الدمار الهائل لبيوت العائلة المجاورة والمُكوّنة من ثماني عمارات سكنية يسكنها المئات بينهم أطفال ونساء وشيوخ ونازحون تشرّدوا من أماكن أخرى ليلاقوا مصيرهم الأخير هنا، ثُم في استهدافات عدّة للعائلة وتواريخ مختلفة قُضي على العدد الأكبر من العائلة؛ يعني 237 فردًا! القتل المتعمد للعوائل الفلسطينية هو مدلول واضح على الإبادة والتخويف والإجبار على التهجير، الأمر مقصود وممنهج ولا يحاول الاحتلال الإسرائيلي إخفائه أبدًا...![4]
9.268 مجزرة ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد العائلات الفلسطينية، بحسب وزارة الصحة.
2.092 عائلة فلسطينية أبادتها إسرائيل ومَسحَتها من السّجل المدني، بقتل الأب والأم وجميع أفراد الأسرة.
4.889 عائلة فلسطينية أبيدت ولم يتبقَّ منها سوى فرد واحد فقط.
ثالثًا: افتقاد الفتيات والنساء للخصوصية بعد فقدان البيوت والتهجير القسري والعيش في خيام مهترئة
لقد نالت حرب الإبادة الجماعيّة من الحيّز الخاص للنساء وحَرمتهن من خصوصيتهن وجعلتهن فاقداتٍ الحيزَ الخاص وفاقدات الشعور بالأمن والأمان والاستقرار، وجعلتهن يشعرن أنهن مهدَّدات ليل نهار.
أَلقى جيش الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب الـ 100.000 طن متفجرات على غزة وبيوتها ونسائها وأطفالها، فَجَعل غزة ركامًا، وأدى ذلك إلى تدمير 161.600 وحدة سكنيّة بشكل كليّ، وهي تلك البيوت الآمنة لآلاف النساء ممن أصبح قدرهن العيش في خيمة أو المبيت في الشارع. كما أدت حرب الإبادة أيضًا إلى تدمير 82.000 وحدة سكنية لتصبح غير صالحة للسكن، وستبقى العائلات التي كانت تعيش فيها سنوات في خيمة أو في العراء حتى تجد بديلًا، كما تمّ تدمير 194.000 وحدة سكنية تدميرًا جزئيًّا، أي أنها جزئيًا قد تصلح للسكن إلا أنها تشكل خطرًا على حياة النساء والأطفال حتمًا. لقد تعمّد الاحتلال الإسرائيلي مضاعفة معاناة النساء والأطفال، فالبيت هو مكانهم الوحيد، وفي بيئة غزة ووفق ثقافتها فالبيت للنساء هو المكان الآمن، وهو المكان الذي يتيح لهن امتلاك خصوصية، ومع فقدان الأمل بأن يكون هنالك بيت، عاشت النساء في الخيام يرتدين ملابسهن المحافظة ليلًا ونهارًا، ويرتدين الحجاب على رؤوسهن ليلًا ونهارًا لأنهن مفتقدات الخصوصية، فالجيران في الخيام يسمعون بعضهم البعض، والخيمة هي قطعة قماش أو نايلون مع بعض الاخشاب بينما الأرض هي رمل. إذًا أصبح الحيز العام طاغيًا على الحيز الخاص، لقد تسبب هذا الوضع بحرمان النساء من التعرّض للشمس، كما ألجأهن نقص الماء وعدم توفر حمامات خاصة ونقص المنظفات والمواد الخاصة بالنظافة الشخصية لقصّ شعورهن للحفاظ على أنفسهن من الأمراض والأوبئة خاصة في فترة الصيف، كما اضطرت النساء للبقاء إلى جانب بناتهن الصغيرات في الخيام خشية عليهن من أيّ غرباء، فمن الطبيعي أن يُضخِّم حَشر ما يقارب 2 مليون إنسان في خيام في مناطق محصورة المخاوف والمخاطر على الطفلات والأطفال والفتيات والنساء، لما يؤدي إليه هذا الواقع من عنف نفسي ومجتمعي بشكل لم يتم اختباره سابقًا للعائلات الغزية.
رابعًا: تدمير المنظومة الصحية ومراكز الصحّة الإنجابية هو استهداف للنساء وصحّتهن الإنجابية
هل تعرفون أين تتلقى النّساء الخدمات الصحية؟ في خيمة! حاول أحد الأطباء إنقاذ ما يمكن إنقاذه وأعد خيمة من نايلون وقماش ووفّر بعض الأدوية وجهاز فحص طبيًا بينما الرمال تحيط بالمكان ليستقبل النساء الحوامل اللواتي قطعت الحرب طريقهن للوصول لأي خدمات صحيّة جيدة.[5]
لقد تم تدمير المستشفيات والمراكز التي تقدم الرعاية الأولية للنساء وتلك المخصّصة لصحة النساء الحوامل، لقد حرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي 34 مستشفى أو اعتدت عليها أو أخرجتها عن الخدمة، ولم تترك 80 مركزًا صحيًّا أثناء الحرب بل أخرجتها عن تقديم الخدمات الصحية للنساء، واستهدفت 162 مؤسسة صحية، وأكدت على استهدافها القطاعَ الصحي والعاملين فيه، ما ضاعف معاناة النساء بشكل عام والنساء الحوامل بشكل خاص، وتعاني 700 ألف امرأة في سن الإنجاب من سوء التغذية الحاد، ولا تستطيع نحو 700 ألف امرأة في سن الإنجاب الحصول حتى على منتجات النظافة الأساسية.[6]
كما واجهت 60.000 امرأة حامل ولا زلن يواجهن الخطر لعدم توفر الخدمات الصحية المناسبة وندرتها، وصعوبة وصولهن للخدمات الصحية أو المتابعة الصحية مع متخصصين. لقد أكدت المسؤولة الأممية المعنيّة بالعنف ضد الفتيات والنساء أن "معدلات الإجهاض ارتفعت [في غزة] بنسبة 300 في المائة بسبب الرعاية الطبية غير الكافية، والصدمات النفسية، والقصف".[7] لقد واجهت النساء مخاطر كبيرة وعانين من التجويع والتعطيش وفقدان القدرة على الحصول على أطعمة غذائية متوازنة أو فيتامينات ما جعلهن معرّضات لمخاطر من نوع زيادة الولادات المبكرة أو فقدان الأجنة، والأمر مقصود، وهو جزء من سياسة تقوم على قتل الأطفال والأجنة والنساء بشكل آخر عبر حرمانهن من الحصول على الأمن الغذائي والأمن العلاجي والصّحي ما يتركهن عرضة للموت أو الأمراض تنهش أجسادهن. لقد توفي 44 طفلًا بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء وسياسة التجويع، كما توفى 7 أطفال نتيجة البرد الشديد في خيام النازحين.
لقد تم قصف عيادة التلقيح الصناعي الوحيدة في غزة، وحرمان النساء الحوامل من الوصول إلى الرعاية التوليدية الطارئة، وتدمير البنية التحتيّة الصحيّة، وقطع المياه والوقود والكهرباء والإمدادات الطبية، هذه الممارسات كلّها بمثابة أدلة على أن الهجمات الإسرائيلية الممنهجة تستهدف قدرة المرأة الفلسطينية الإنجابية.
خامسًا: أثر الحرب على الجريحات
بلغ عدد الجرحى في غزة في ظل الإبادة الجماعية 92589 جريحًا حيث تشكّل النساء والأطفال 64000 جريحًا وجريحة بنسبة 70%، والمؤسف أن من بين الجرحى هنالك 4.500 حالة بتر منهم 18% من فئة الأطفال!
أبرز الآثار للحرب على فئة النساء الجريحات، أن اصابتهن كانت بسبب الحرب، وأدت إلى تغيير مصائرهن وحياتهن وعرضتهن للانكشاف وفقدان الحماية والأمان والاستقرار، وعدم القدرة على الوصول للخدمات الصحية في ظل تدمير المنظومة الصحية في غزة، ومن أبرز الآثار على الصعيد النفسي والاجتماعي:
Ø صعوبة وصولهن لأماكن الرعاية الصحية وعدم ملاءمة الطرقات أو توفر مواصلات مناسبة لحالتهن الصحية، كما أن تدمير البنية التحتية كان أمرًا قاسيًا عليهن حيث لا طرق طبيعية لمن هم ليسوا مصابين فكيف حال الجرحى!
Ø صعوبة الحصول على خدمات صحية كالكراسي المدولبة للإعاقة الحركية.
Ø صعوبة الحصول على الماء أو الغذاء أو الدواء أو العلاج المناسب في وضعهن الطارئ الجديد.
Ø حالات الهلع والصدمة وأعراض ما بعد الصدمة خاصة لمن تعرضن لفقد عضو من أعضائهن وأصبحن من ذوات الإعاقة.
Ø العيش في خيام أو مراكز إيواء كالمدارس غير مواءمة للجريحات وتفاقم تدهور الوضع النفسي لهن.
Ø أدت الإصابة لتدهور الوضع الأسري والاجتماعي، ووفق إحدى الدراسات الحديثة فقد تدهور العلاقات الأسرية لنسبة 39%، وفقدت 75% منهن منازلهن، 56%منهن يعشن في مراكز إيواء غير ملائمة لهن، 25% يعشن في خيام.
Ø أفادت 51% منهن بأن وضعهن النفسي متردٍ وتعاني 34% منهن من الخوف والقلق الشديد لعدم توفر الأمن والأمان بغزة.
Ø لا تزال هنالك محدودية في الحصول على الخدمات أو القدرة على الوصول للخدمات الصحية والنفسية.[8]
سادسَا: زاد عدد الأرامل والثكالى والعنف المُمارَس ضدّهن
بفعل الإبادة الجماعية على قطاع غزة، أصبحت 13901 امرأة أرامل؛ أي فقدن الزوج والمعيل، وباتت هؤلاء ربّات البيوت ليتقلّدن كافة الأدوار والمسؤوليات من رعاية مالية إلى اجتماعية للأطفال، وفي حالات المجتمع الغزّي، فغالبًا ما يطلب أهل الزوج حضانة الأبناء إن كانوا أطفالًا صغارًا، ما يزيد من الإشكاليات التي قد تواجهها النساء في حضانة أطفالهن أو رعايتهم، أو إجبارهن على البقاء في حدود معينة لرعايتهم في كنف أسرتهم الكبيرة، وهذا قد يعني لكثير من النساء التحكّم في قرارات عائلتهن، والتدخّل في خصوصيتهن وعدم قدرتهن على رعاية أبنائهن بعيدًا عن عائلة الزوج.
لقد عانت الأرامل من العنف الاجتماعي المتمثّل بسيطرة أهل الزوج عليهن وتحكّمهم بالقرارات والأموال والأبناء. تدخُّل الآخرين في شؤون المرأة وحياتها الخاصة يجعلها عرضة لمضايقات كبيرة تزيد من العبء النفسي والاجتماعي عليها.
كما أن الأرامل يُواجهن تعقيدات قانونية كبيرة لم تَعد تمثّل أيّ حماية لهن
تم تدمير منظومة العدالة في غزة؛ المحاكم والمكاتب الخاصة بالمحامين وأرشيف الملفات والأوراق الرسمية، كما أدى تدمير البيوت لضياع وفقدان الأوراق الثبوتية والهويات وجوازات السفر وعقود الزواج ما يجعل مسألة إثبات الشخصية أو استصدار شهادة وفاة الزوج مسألة صعبة ما يجعل مثلًا محاولة الحصول على راتب الزوج أمرًا شبه مستحيل، وكذا أوراق حصر الإرث، وهذا أدى لمشاكل في الحصول على الميراث أو حضانة الأطفال، أو في حال حصول نزاع بين الأرملة وأهل الزوج على الأطفال، فلمن ستلجأ النساء لحمايتهن ولا تتوفر سيادة قانون؟ كما لا تتوفر قنوات لتقديم شكاوى أو طلب حماية؟ ووفق دراسة حديثة فإن:
63.9% من الأرامل واجهن مشاكل بعد وفاة أزواجهن، 50% رفض أهل الزوج السماح لهن بحضانة أولادهن بعد وفاة الزوج، 42% غير قادرات على استخراج شهادة وفاة لأزواجهن، 18% غير قادرات على استخراج حجة الإرث، 76.4% غير قادرات على تلقي المساعدات الإنسانية أثناء الحرب بسبب وفاة أزواجهن، 56% من الأرامل والمطلّقات أو المعلَّقات يواجهن مشاكل لها علاقة بحضانة الأولاد، إما بسبب السفر أو رفض الأهل، كما حُرمت بعض الأرامل من إمكانية السفر لأسباب لها علاقة بأهل الزوج أو فقدان الأوراق الثبوتية.
كما تعرضت الأرامل للعنف الاجتماعي المتمثّل بحرمانهن من الميراث، وعانت النساء الأرامل زوجات الموظفين في سبيل الحصول على رواتبهم أو رواتب أبنائهن لأسباب مثل إغلاق البنوك أو صعوبة الإجراءات وعدم توفر سيولة مالية وفقدان الأوراق.[9]
من أكثر الأعراض التي ظهرت على الأرامل هي أعراض سيكوسوماتية؛ أي المرتبطة (بالجسد والنفس معًا). حيث تعاني الأرامل من صداع مستمر وآلام القولون وآلام المعدة وأمراض جلدية وغيرها من أمراض بسبب العيش في خيمة.
هذا وفي بيانات استطلاع أجرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ستتصاعد مخاطر الموت ووقوع الإصابات الوشيكة بين نحو 700 ألف امرأة وفتاة وذلك لانعدام الملاذ الآمن الذي قد يلجأن إليه من القصف والقتل.
تحدّيات نفسية واجتماعية معقّدة ومركّبة على النساء الأرامل
تواجه الأرامل والنساء الثكالى تحدّيات نفسية وصحية ومجتمعية واقتصادية وقانونية معقدة، فقد أصبحن نساءً فاقدات يعانين مشاعر الفقدان والحزن والاكتئاب خاصة مع فقدان المعيل، مما حمَّلهن مسؤولية كبيرة جدًا على العائلة، والسعي لخلق حلول للأطفال والأسرة وهذا أدى لتدهور أوضاعهن النفسية. ووفق دراسة حديثة فإن هنالك 13901 امرأة فقدت زوجها وأصبحت أرملة.
89% منهن يعانين الصدمة والاكتئاب، 29% منهن لا يحصلن على الغذاء يوميًا، 78% يعانين من انعدام الخصوصية.
84% يرين أن المساعدات لا تلبي احتياجات أسرهن، بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي وعجزهن عن توفير الاحتياجات الأساسية لهن ولأولادهن.[10] وقد أفادت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن كلّ 7 من 10 نساء قابلتهن هيئة الأمم المتحدة للمرأة فقدن من وزنهن ويعانين من دُوار متكرر، وهن آخر من يأكلن في العائلة بعد الأطفال لعدم كفاية الطعام.
[1] دعا خبراء حقوقيون لاستخدام مصطلح "الإبادة الجماعية للإناث (femi-genocide)" لوصف الفظائع بحقّ النساء في غزة، بسبب قتلهن "لمجرد أنهن فلسطينيات"، لذلك هي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
[2] https://faraamaai.org/articles/gaza-fe-khatery/amra-khald-tshhd-aaadam-abnayha-amam-aaynyha-thm-ttbaa-khtahmامرأة خالدة - تشهد إعدام أبنائها ثم تتبع خطاهم!
[3]ناجِيَة بِقُوّة الأُمومَة، ماذا فَعَلَت بِنا الإبادَة! https://faraamaai.org/articles/gaza-fe-khatery/nagy-bko-alamom-matha-faalt-bna-alabad
[4] https://felesteen.news/post/ -
[5]أنين النساء على مقصلة غزّة، هل من سامعٍ للصوت؟ https://faraamaai.org/articles/gaza-fe-khatery/anyn-alnsaaa-aal-mksl-ghz-hl-mn-samaa-llsot
[6] المقررة الأممية الخاصة بالعنف ضد الفتيات والنساء في الأمم المتحدة
[7] مرجع سابق
[8] ورقة بحثية حول واقع الفتيات والنساء الجريحات أثناء الحرب على غزة 2023-2024، مركز شؤون المرأة.
[9] تقييم سريع حول وصول النساء للعدالة أثناء الحرب على غزة 2023- 2024: المخاوف والاحتياجات. أجراه مركز الأبحاث والحماية للمرأة بالشراكة مع مركز شؤون المرأة 2024.
[10] ورقة بحثية، "واقع النساء الأرامل خلال الحرب على قطاع غزة 2023-2024"، مركز شؤون المرأة 2024.
الصورة: للمصوّر - الصحفي معتز عزايزة.
