كيف نعت نقابة الصحافيين صحافيًا وهميًا!

من أخطر الأسلحة الفتاكة المستخدمة في المجتمعات والدول في مختلف أنحاء العالم خلال الحروب والنزاعات والصراعات المختلفة هي الأخبار الزائفة أو المفبركة أو كما يطلق عليها "Fake News"، لماذا تعتبر أشد من حد السيف وأخطر من الحرب نفسها ذلك لما تشكله من خطر على استقرار وأمن المجتمع خاصة في ظل عدم التحكم والسيطرة على انتشارها في ظل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على الحيز الأكبر منها والتي ساهت وزادت من استخدام الأخبار المزيفة، بل وأنها تجد طريقها إلى وسائل الإعلام الرئيسية.

تنتشر الأخبار الكاذبة والمزيفة لأهداف مختلفة منها أهداف شخصية كالضرر بسمعة شخص أو مكان وأخرى أهداف عامة لتحقيق مكاسب على حساب الآخرين أغلبها مكاسب سياسية، وبعض الأخبار الكاذبة تكون لهدف تحقيق مكاسب مادية، يستخدم خلالها عنوان ملفت للنظر أو عنوانين ملفقة لزيادة القراء والمتابعين.

حرب نفسية

حرب عام 2014 وخلال تغطيتي للأحداث بشكل مفاجئ خلال المباشر انطلق "صاروخ محلي" من جانبي، وبشكل سريع غادرنا المكان.

تفاجأت فيما بعد باتصال هاتفي من إحدى الجهات الحكومية بغزة تطالبني بتوضيحٍ بشأن رسالتي التي كانت عبر المباشر ، استغربت حينها الأمر، حتى فتحت موقع الفيس بوك ، وهناك كانت الصدمة صفحات إخبارية عبرية اقتطعت أخر ثوان من رسالتي المباشرة ونشرتها عبر مواقعهم تحت عنوان "مراسلة غزة تقول بأن الصواريخ تطلق من المستشفيات"، والجميع من مختلف الجنسيات بدأ في نشر هذا الخبر، هناك من اتهمني بالتخابر، وآخرون طالبوا بقتلي باعتباري عميلة ، وأنني لا أستحق العمل في مهنة شريفة كالصحافة باعتبار أنني أفصحت عن معلومات خاطئة وخطيرة وهذا غير صحيح.

ما حدث هو فبركة للحقيقة كانت ستكلفني الكثير سمعتي الشخصية وسنوات من العمل والتضحية في مجال الصحافة كانت ستختفي في لحظات بسبب "كذبة"، الأمر الذي تطلب مني نشر الفيديو الأصلي وكتابة توضيح للجمهور الغاضب والمشحون على شخصي في وقت حساس جداً "كالحرب".

انتشار الأخبار الكاذبة والإشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي أسرع بكثير من الأخبار الحقيقية والصحافيون والنشطاء هم أكثر الفئات متابعة من قبل الجمهور للحصول على المعلومات والأخبار وقت النزاعات أو الحروب وهذه الفترة الحساسة تعتبر أرضا خصبة للإشاعات والأخبار الزائفة التي تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمع وأمن المواطنين وخلق جو من الذعر بلا سبب.

كما حدث في الحروب الإسرائيلية على غزة، ونشر الشائعات والاخبار المضللة حول استهدافات اسرائيلية ممكنة لبعض المباني وعلى إثر هذه الأخبار المزيفة ثار الرعب بين الناس الذين باشروا بعمليات إخلاء جماعية وعشوائية لهذه المباني.

في عام 2020 نشر أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت أ. صالح مشارقة بحثا جديدا بعنوان: "الأخبار المضللة في فلسطين- بحث استكشافي في المضامين والقنوات وطرق المكافحة"، ويأتي هذا البحث الأول من نوعه كاستجابة لارتفاع وتيرة ظاهرة الأخبار المضللة والكاذبة على الصعيد المحلي والدولي.

ورصد الاستطلاع أن ما نسبته 72% من الفلسطينيين سبق أن تعرضوا لأخبار مضللة، أما عن مصدر هذه الأخبار، فقد أشار مشاركون في الاستطلاع إلى مسؤولية الجهات الإسرائيلية عنها بنسبة 54%، فيما تليها وسائل الإعلام بنسبة 39%، النشطاء الاجتماعيين 32%، الجهات الفلسطينية 29%. هذا وأشار البحث لزيادة وتيرة هذه الأخبار خلال فترات الأزمات، فقد شهدت أزمة فيروس كورونا المستجد انتشارًا لهذه الأخبار، وفقًا ل 70% من المشاركين، فيما يليها أوقات الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين بنسبة 58%، ثم أوقات ارتفاع وتيرة الانقسام الفلسطيني بما نسبته 50%، وأثناء الدعايات السياسية للأحزاب بنسبة 41%، وفي فترة الهبوط الاقتصادي بنسبة 38%، وأثناء حملات الترويج والتسويق بما نسبته 34%، و22% أشاروا إلى أنها تزدهر في فترة الانتعاش الاقتصادي. 

كسب عاطفة الناس ب"الكذب"

"اكذب كذبة كبيرة ثم حاول تبسيطها وكررها، في النهاية ستصدقها". أدولف هتلر قالها في حديثه حول القدرة على خداع الشعوب بالكذب.

علم النفس الاجتماعي وعلم النفس النمو فسرا الكذب من خلال العملية العقلية التي تعتمد على أن الناس يفحصون محاكاة رد فعل الآخرين لقصة وتحديد ما إذا كان سيتم تصديق الكذبة، والذي يصنف فيما بعد بأنه "مرض نفسي" Pseudologia fantastica هو المصطلح الذي يطلق على سلوك أو عادة إلزامية الكذب، وهو مختلف عن فلسفة الكذبة البيضاء للنجاة من أمر معين.

نتعرض كثيرا في حياتنا وعملنا لأخبار سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، سواء عند تصفحنا لمواقع التواصل الاجتماعي أو حتى عبر أحاديث جماعية في لقاءات وورشات عمل أو جلسات ترفيهية.

هناك مثل شعبي يقول "" أخبر صديقك كذبة فإن حفظها سرا فأخبره الحقيقة".

نسبة كبيرة من الأخبار التي نتناقلها حتى على الصعيد الشخصي تكون غير دقيقة تماما، أو أنها تفتقد للمصدر والشخصيات البارزة عادة ما تكون عرضة لفضول الناس وأكثرهم رغبة في معرفة ما يحدث في حياتهم من زواج وطلاق أو انفصال أو ولادة ...إلخ"

في المقابل الكثير من الشخصيات المشهورة والبارزة تستفيد من الأخبار الكاذبة التي تطلق عنهم أو الشائعات سعيا منهم إلى حصد المزيد من الإعجابات والمشاركات والتعليقات بهدف كسب قاعدة جماهيرية على هذه المنصات بهدف تصنيفهم ضمن خانة "المؤثرين".

أتذكر قبل 5 أعوام انتشر حساب لإحدى الفتيات من غزة تدعي بأنها صحفية واستطاعت جمع الكثير من الشخصيات البارزة على صفحتها تنشر من خلالها صور شخصية لها وبعض المقالات ومن ثم بدأت بالحديث عن إصابتها بمرض السرطان وتضامن معها الآلاف من المتابعين ومن ثم انتشر خبر على صفحتها بأنها فارقت الحياة، تم نعيها في معظم المواقع الرسمية حتى أن نقابة الصحفيين نعتها وبالنهاية تبين بأنها شخص وهمي لا وجود له وكل ما تنشره عن حياتها هو كذب ، وحتى اليوم لم يتم اكتشاف هوية صاحب الصفحة الحقيقي ولماذا قام بذلك.

هل يكفي القانون لردع مطلقي الاخبار الكاذبة والشائعات؟

الباحث والاستشاري القانوني عبدالله شرشرة يؤكد أن هناك قوانين وعقوبات تضبط ما يتم نشره وتداوله على القنوات المتلفزة أو الاذاعات وحتى مواقع التواصل الاجتماعي ولكن من الصعب جدا ضبط هذه الحالة عبر القانون فقط لأنه يتطلب تدخل كبير جدا من قبل جهات انفاذ القانون ومن الجهاز القضائي أيضا، وللأسف في الحالة السياسية غير المستقرة و المنقسمة كما هو في المجتمع الفلسطيني، لا يمكن لهذه القوانين أن تضبط الحالة بشكل عام بل من الممكن استغلال هذه القوانين خلال المناكفات السياسية ضد الأفراد والنشطاء والصحفيين الذين يقومون بنشر الأخبار والمعلومات وبذلك يصبح الأمر "تقييد لحرية الرأي والتعبير" في بعض الحالات.

المادة 62 من القانون الفلسطيني-  نشر الأكاذيب بقصد التخويف

  1.  كل من نشر أو ردد قولا أو إشاعة أو خبرا من شأنه أن يسبب خوفا ورعبا للناس أو أن يكدر صفوة الطمأنينة العامة وهو عالم أو لديه ما يحمله على الإعتقاد بأن ذلك القول أو الإشاعة أو الخبر عار عن الصحة، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس ثلاث سنوات.

  2. إذا أسندت تهمة إلى شخص بمقتضى الفقرة السابقة فلا يقبل في معرض الدفاع ادعاؤه بأنه لم يكن يعلم أو لم يكن لديه ما يحمله على الإعتقاد بأن القول أو الإشاعة أو الخبر عار عن الصحة إلا إذا أثبت بأنه قد اتخذ التدابير المعقولة للتأكد من صحة ذلك القول أو الإشاعة أو الخبر قبل النشر.

الاعتماد على الصفحات والمصادر الرسمية والموثوقة أسلم طريقة لمواجهة الأخبار الكاذبة، فمن خلالها يتم التأكد من صحة الخبر خاصة المدعوم بوثائق كالصور والفيديوهات الرسمية، بالإضافة إلى نشر الوعي بين الأفراد والمجتمع من خطورة التعرض والتداول للأخبار الكاذبة، ففي مستنقع الأكاذيب لا تسبح سوى الأسماك الميتة.


مصدر الصورة المرفقة للمقال.

شاركونا رأيكن.م