الكذب هو ملح السياسية؟ ربما، لكن عنا السياسة مالحة بما يكفي!
في كل مرة تتحدث عن السياسيين والسياسة مع أي شخص في مجتمعنا، مهما كانت توجهاته، سيذكر لك مصطلح "الكذب" أو إحدى مشتقاته، فاتهام السياسيين بالكذب والعمل السياسي بالمتعلق بالكذب أصبح جزء من أي حوار عادي، والسؤال الذي يجب أن نطرحه، هل فعلا صارت السياسة مرتبطة بالكذب؟ والسؤال الآخر، هل الكذب في السياسة هو ضرورة ملحة أم ثقافة سيئة؟
يقول البعض إن الكذب هو ملح السياسة، فلا يمكن للسياسي الصمود والاستمرار إذا لم يكذب، وبين الكذب الأبيض الذي لا يهدف للإيذاء والكذب الممنهج الذي يتعمد مطلقه أن يصل لأهدافه حتى لو تسبب بأضرار للآخرين أو للمجتمع بأكمله، يتعامل السياسيون في كل العالم وليس في بلادنا فحسب.
في الساحة الإسرائيلية، لطالما كان الكذب موجودًا، في الإعلام وفي السياسة، وخصوصًا بمنظورنا نحن، فنحن نعتبر أن كل الرواية الإسرائيلية من أساسها مبنية على الكذب وعلى تزييف الحقائق التاريخية، لذلك فإن أكاذيب السياسيين الإسرائيليين، وبنيامين نتنياهو بشكل خاص الذي تفوق على الجميع بها، وصارت الكذب من أبرز صفاته وأكثر الصفات التي حثت فئات من الشارع الإسرائيلي للعمل ضده، فإن هذه الأكاذيب لم تحركنا ولم تلفتنا وكل معارضتنا على مدار سنوات لنتنياهو وسعينا لإسقاط حكوماته، لم تكن بسبب أكاذيبه ولا بسبب فساده حتى، بل بسبب عنصريته وتجاوزه لكل الخطوط الحمراء في التحريض ونشر الكراهية ومساهمته بتحويل الشارع الإسرائيلي إلى بؤرة من التطرف والعنصرية والتحريض.
وفي حين أن الكذب في السياسة أمر يمكن تقبله على المستوى العالمي أو تفهّمه كضرورة، ولا يهمنا لا يؤثر بنا على المستوى الإسرائيلي، يبقى موضوع الكذب بالنسبة لنا كفلسطينيين في الداخل في غاية الحساسية، حتى لو كانت هذه الأكاذيب تندرج تحت الأكاذيب البيضاء التي لا تضر، فكما نقول إن الصحافي في بلادنا وبسبب واقعنا لا يستطيع أن يكون حياديًا، وإن المهنية والموضوعية في العمل الصحافي في بلادنا تتمثل بالموقف الوطني للصحافي، فلا يمكن الحياد بين الموقف الوطني والرواية الإسرائيلية، ولا يمكن الحياد بين الموقف الوطني ومن يتماهى مع الرواية الإسرائيلية، فإن مسألة الكذب في السياسة في بلادنا وفي واقعنا بشكل خاص، غير مقبولة، ففي حين أن السياسي في دولة أوروبية وإن كذب لن يؤثر غالبًا على مصير أحد كون معظم القضايا في بلده تتعلق بأمور معيشية حياتية عادية، فإن القضايا في بلادنا، كلها على الإطلاق، تعتبر مصيرية وحياتية، إما سياسيًا أو اجتماعيًا أو في مختلف المجالات، فمثلًا عندما يكذب حزب سياسي ويصوّر قضية المثليين على أنها قضية مصيرية، ويكاد أن يتسبب بفتنة داخل مجتمعنا، ثم بعد انتهاء الانتخابات وتحالفه مع أحزاب داعمة لموضوع المثليين، تصبح القضايا المتعلقة بالمثلية الجنسية، قضايا ثانوية ولا تؤثر على سير الحياة، هذا كذب كاد أن يتسبب بفتنة خطيرة وكارثية. وحينما يزعم السياسي أنه سيدعم فئة مثل المتضررين من قانون منع لم الشمل، ثم يصوت بنفسه على دعم القانون، تكون كذبته هذه قد دمرت مصير عائلة بأكملها، وعلى هذا المنوال، يمكن الحديث في معظم القضايا.
الخلاصة، الكذب هو ملح السياسية، صحيح جدًا، ولكن في بلادنا بالذات، السياسة مالحة بما فيه الكفاية، ولا تحتاج للمزيد من الملح.