سبع صنايع والبخت ضايع!
في كل عام وتحديدا في يوم العمال العالمي، نتابع آخر التطورات في ملف العمال في غزة، ومن عام لآخر تزداد الأوضاع سوءا وتكثر القصص المأساوية للعمال الباحثين عن لقمة العيش والقليل من الكرامة.
غاسل الأطباق "حسان"
أمام كومة من الأطباق والأواني يبدأ حسان عمله في ساعات الصباح الباكر في أحد المطاعم، حسان يعمل في مطبخ المطعم كعامل نظافة منذ الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة السادسة مساءا، يتقاضى أجرا يوميا لا يتجاوز العشرة دولارات بالكاد تكفيه لتأمين قوت يومه "الحمد لله أنا شغال وغيري قاعد مش قاعد ياكل وعمري ما بدوس النعمة الي معي بس الواحد بتمنى على قدر تعبه وشغله وعنا اطفال واجارات بيوت متراكمة، بتمنى الواحد يعيش زي باقي الناس، راتب كويس مبحبح نقدر نصرف ونجيب للولاد الي نفسهم فيه."
من المنطقي أن نجد حسانا في موقعه المناسب حسب خبرته ودراسته الجامعية في تخصص المحاسبة، ولأن سوق العمل في تراجع يضطر حسان إلى العمل في مهن مختلفة "دورت كتير عن شغل عشان اكون صادق لفيت كتير لكن كل واحد وكل شركة الها ناسها وواسطتها وازا بدي اقعد ادور ع شغل بشهادتي يمكن نموت من الجوع أنا وولادي، مش خجلان ابدا من شغلي بس زعلان على حالي."
المفترض أن تكون أجرة حسان وغيره من عمال اليومية في الأعمال الشاقة قرابة 20 دولارا، ولكن سوء الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة يدفع أرباب العمل لاتخاذه كأحد المبررات لعدم صرفهم الأجور للعمال.
الخياط "أبو توفيق"
لا يمر أحد من هذا الشارع لا يعرف الخياط "أبو توفيق" فقبل سنوات عندما كانت الأوضاع الاقتصادية جيدة في غزة ولم تكن هناك سلسلة الأزمات المتراكمة " الانقسام السياسي، رواتب موظفي حماس ، تقليصات رواتب موظفي السلطة، إغلاق المعابر التجارية بشكل مستمر " كان محل "أبو توفيق" يعج بالزبائن الراغبين بتفصيل ثياب جديدة واستطاع خلال سنوات عمله من العيش عيشة كريمة من دخل محله المتواضع ، ثم بدأت الأزمات بالتتابع ، انهار عمل "أبو توفيق" الذي يبلغ من العمر 45 عاما ، حتى قرر التسجيل لتصريح عمل داخل إسرائيل "لو ايش ما بدي اشتغل بكون كويس أنا دكانتي تبعت الخياطة خلص سكرتها بطلت قادر اعيش ولادي منها الي كبرو وصار بدهم التزامات اكتر ومصاريف اكبر وفي منهم عندو دخل الجامعة ، قدمت لتصريح عامل ع الأقل اليومية هناك بتعيشني وبتعيش ولادي."
يعمل حاليا أبو توفيق في مستودع للأسماك في أراضي 48 بأجر يومي بقيمة 300 شيكل وتتراوح أجرة العامل داخل إسرائيل ما بين 300 إلى 400 شيكل (الدولار يساوي 3.12 شواكل)، فيما لا تتجاوز أجرته في غزة 50 شيقلا.
من غزة إلى إسرائيل رحلة البحث عن الشيكل
طوابير بالآلاف من المواطنين حاملين أوراقهم الثبوتية أمام مقر الغرفة التجارية يرغبون بالحصول على إذن عمل في المناطق الإسرائيلية، وذلك للمرة الأولى منذ حرب أيار/مايو الأخيرة، حيث إن إسرائيل زادت من تصريحات العمل إلى 7 الاف تصريح بعدما كان عددهم نحو 5000 عامل وتاجر في آب/أغسطس من العام الماضي وكانت قد سمحت إسرائيل في 2019 للمرة الأولى، لسكان قطاع غزة بتقديم طلبات عمل فيها، بعدما كان عدد العاملين في إسرائيل من غزة نحو 120 ألفا قبل سيطرة حماس على القطاع في 2007.
لسان حال كل من تواجد أمام مقر الغرفة التجارية "نريد أن نعمل"
يتم تسجيل البيانات على رابط إلكتروني خصصته وزارة العمل التي تديرها حركة (حماس) في غزة، للراغبين في العمل داخل إسرائيل، وفق شروط محددة بأن يكون المتقدم قد تجاوز 26 عاما من عمره، ومتزوجا، وليس موظفا، ويمتلك شهادة تطعيم فيروس كورونا، مع خلو صحيفته الجنائية.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تشرف فيها حركة حماس على عملية تسجيل العمال داخل إسرائيل حيث تعتبر هذه الخطوة ضمن التفاهمات السياسية وضمن مساعٍ حثيثة للحد من البطالة والتدهور الاقتصادي في القطاع المحاصر منذ 15 عاما.
يجمع المحللون الاقتصاديون أن زيادة عدد العاملين داخل إسرائيل قد يساعد في تحريك العجلة الاقتصادية ونقص السيولة المالية وإلى حل جزئي بما بتعلق بالفقر والبطالة في حال استمرت زيادة عدد أذونات العمل أو التصاريح حيث إن 30 ألف عامل يمكنهم تخفيف البطالة في غزة بنسبة تتراوح من 7 إلى 10% حيث تشير تقديرات "الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين" في غزة إلى وجود 250 ألف عاطل عن العمل، بنسبة تقدر بنحو 55%.
الحد الأدنى للأجور أقل من مستوى الفقر المدقع
في عام 2012، أقر مجلس الوزراء الفلسطيني التوصية التي رفعتها اللجنة الوطنية للأجور متمثلة بوزراء المالية والاقتصاد والتخطيط والعدل والعمل، إلى جانب ممثلين عن أصحاب العمل والعمال، حيث تم فرض 420 دولارا حدا أدنى لأجور العمال في فلسطين، الذين يتلقون راتبا شهريا، و20 دولارا لأولئك الذين يأخذون أجرة في اليوم، و2.5 دولار للعاملين بنظام الساعة، ثم رفعته الحكومة العام الحالي إلى 580 دولارا أي بنسبة 30 في المئة.
وعلى الرغم من أن قرار تحديد حد أدنى للأجور الذي اتخذه مجلس الوزراء هو تشريع قانوني أساسه بنود قانون العمل الفلسطيني، فإن غزة لم تلتزم به نظرا إلى الانقسام السياسي الموجود، وكون كل حكومة لا تعترف بالقرارات الصادرة عن نظيرتها، فإن جميع التشريعات الخاصة بحقوق العمال لم تطبق في القطاع على الرغم من التزام الطرفين القانون الأساسي الفلسطيني، الذي ينص على تطبيق الحد الأدنى للأجور، وبقيت الأجور أقل من حدها المنصوص عليه، ومن دون تحديد سقف أدنى لها.
الإحصاءات مخيبة للآمال
بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني تشير إلى أن نسبة البطالة وصلت إلى حاجز 55 في المئة بين العمال، البالغ عددهم 380 ألفا، وبحسب اتحاد نقابات العمال فإن عدد العاطلين عن العمل بلغ ربع مليون.
وكذلك هناك نحو 300 ألف خريج جامعي لم يجدوا فرصة عمل ولو لمرة واحدة منذ تخرجهم، محمد أسعد خريج لغة عربية من جامعة الأزهر عام 2010 لم يحظَ منذ تخرجه بأي فرصة عمل على الرغم من حصوله على دورات وشهادات خبرة مختلفة، وبعد البحث المضني عن عمل ، قرر فتح "كشك" صغير بالقرب من بوابة جامعته يبيع فيها المشروبات الساخنة ، يحصل في اليوم قرابة ال 20 شيكل لإعالة أسرته ووالدته المريضة "تعبت وانا أدور حسيت كل تعبي في الجامعة على الفاضي يمكن لو من الاول ما درست وشفت أي حرفة كان وضعي هلا احسن من اني اكون خريج لغة عربية وقاعد على كشك شاي وقهوة حتى زواج مش قادر أفكر فيه."
أما تقارير الأمم المتحدة المتتالية كل عام عن غزة لم تتحسن، العمال وسكان غزة باتوا يعتمدون على المساعدات الطارئة في توفير الغذاء اليومي، إذ ارتفعت نسبة الفقر بين السكان إلى 80 في المئة.
الصورة: لأشرف أبو عمرة.