إسرائيل تلاحق الحقيقة: الصحافيّ العربيّ تحت التهديد

منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تبلغ وسائل الإعلام العربية في إسرائيل عن مواقف عدائية، وفوارق واضحة، بين مساحة العمل المتاحة لها مقارنة بوسائل الإعلام الإسرائيلية العبرية. ويتحدث الصحفيون العرب عن قلق كبير عند الخروج إلى الميدان بسبب الخوف من التعرض للأذى سواء من قبل الشرطة وأجهزة الأمن أو من قبل المواطنين، وعن عدم قدرتهم على القيام بعملهم الصحفي بشكل مهني خلال هذه الفترة.

الأمر الذي يتجلى ميدانيا. هكذا في أحد برامج "تلفزيون العربي" مقرّها في قطر، شوهد حارس أمن يقترب من صحافي خلال بث مباشر - وهو يصرخ بوجهه ويهدده. نفس ضابط الأمن اقترب من الصحفي أحمد دراوشة وهو مسلح وهجم عليه سائلا اياه بصراخ "ما الذي تنقله؟" ثم أضاف "آمل أن تقول أمورا جيدة" قاصدًا أمورًا جيدة عن إسرائيل (للمزيد هنا).

دراوشة الذي حاول مواصلة المقابلة وهو متجمد وخائف لم ينجح بذلك. وفور مهاجمته عن قرب، اقترب رجل الأمن من الكاميرا وصرخ وهو يواصل قطع البث بأن "حماس قتلى حقيرين"، وأضاف "سنحول غزة إلى تراب".

بالإضافة إلى دراوشة، تعرض طاقم بي بي سي (BBC) باللغة العربية لاعتداء من قبل الشرطة أثناء سفرهم إلى الفندق الذي كانوا يقيمون فيه في تل أبيب، حيث طلب منهم الترجل من السيارة التي كانت تقلهم؛ رغم أنهم أظهروا بطاقاتهم الصحافية المعتمدة من المكتب الصحافي الحكومي، وفي حين كانت مكنوب على السيارة TV بأحرف حمراء وهي مليئة بالمعدات الصحافية. تم إخراجهم من السيارة من قبل أفراد الشرطة الذين صوبوا سلاحهم نحوهم وضربوهم وحطموا بعض معداتهم خلال المداهمة.

في اليوم نفسه، أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) رداً على الاعتداء على الصحفيين أنه "يجب أن يكون الصحافيون قادرين على تغطية الصراع في إسرائيل وغزة بحرية". لكن الواقع يظهر أن شهادات الصحافيين العرب الذين يغطوا الحرب المستمرة تثبت غير ذلك".

كل هذه القصص وغيرها تجري بالتزامن مع التهديد المتصاعد من وزير الاتصالات شلومو قرعي، والعديد من ممثلي الحكومة بإغلاق مكاتب الجزيرة في إسرائيل والذي يوظف صحافيين فلسطينيين، بعضهم يحمل الجنسية الإسرائيلية. تجدر الاشارة الى أن الادعاء من وراء مطالبتهم إغلاق القناة القطرية بأنها "تساعد العدو وتبث دعاية لصالح حماس"، وفق ادعائهم.

يشار، الى أن الحديث الإسرائيلي عن إغلاق قناة الجزيرة ليس بجديد، لكن الصحافيين العرب يبلغون عن ارتفاع منسوب القلق والتهديدات ضدهم مقارنة بحروب أخرى قاموا بتغطيتها "نحن نخاف حقا من التحدث باللغة العربية ونحرص دائما على التواجد بجانب طواقم البث الناطقة باللغة الإنجليزية - خشية أن يميزوا بأننا عرب"، يقول صحافي عربي يعمل في شبكة دولية تبث باللغة العربية في البلاد. ويضيف "اعتقدنا أن أحداث مايو 2021 هي قمة الخوف، لكن الآن هناك قلق حقيقي على حياتنا، الجميع يتجول مع اسلحة ويستطيعون أن يفعلوا ما شاءوا، سواء كانوا أفراد شرطة أو مواطنين".

وبالفعل، منذ الضجة الإعلامية التي أحاطت الحديث عن إغلاق قناة الجزيرة، بدأ الجمهور الإسرائيلي في فرض عقوبات على القناة بشكل فردي، ودون منع من سلطات إنفاذ القانون. وهكذا، في مقطع فيديو مسجل آخر، اعتدى أحد المشاهير الإسرائيليين مراسلة الجزيرة في الميدان (للمزيد هنا)، بينما كانت قوات الشرطة حولها، بل وسرق جهاز الحاسوب الخاص بها. المعتدي فعل ذلك وهو يصرخ بفخر "لقد أخذت جهاز الحاسوب الخاص بها، أخذت بياناتها، أنا متأكد من أن هناك أشياء على هذا الحاسوب ضد أمن إسرائيل".

كما قررت جهات رسمية كالمستشفيات منع دخول فرق البث هذه. على سبيل المثال، في بداية الحرب، أصدر مركز الجليل الغربي الطبي إشعارًا بتعليق دخول أطقم بث هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) إلى مبانيهم، مدعيًا أنه "تم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء في تغطية الفناة للقتال في الجنوب، لذا عندما طلبوا التصوير لدينا في المركز الطبي واجراء مقابلات مع أطباء، كان واضحاً أنهم يبحثون عن مناورات وتشويه، فأبلغناهم أن أبوابنا مغلفة في وجوههم حتى إشعار آخر".

وتأتي الاعتداءات ضد الصحفيين العرب من مصادر غير متوقعة مثل الصحفيين الإسرائيليين. من كانوا من المفترض أن يحترموا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة. وهكذا، في بداية شهر نوفمبر- تعرضت الصحافية في قناة "الميادين" هناء محاميد لاعتداء من قبل صحافي في قناة 12 الإسرائيلية، الأكثر مشاهدة في إسرائيل - حاييم إتجار. وبحسب مصادر منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن فريق إتجار خدع محاميد وقام بمناورة أفضت لذهابها إلى مكتب بريد في مدينة أخرى، حيث التقى بها إتجار واتهمها بـ "تمجيد المجزرة" و"نشر أخبار كاذبة"، أثناء التقاط فيديو لها. مع فريقه. بالإضافة إلى ذلك، منعها إتجار بجسده من دخول سيارتها. وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع، تقدم وزير الاتصالات، بخطوات فعلية، بناء على مواد سرية، لمنع القدرة على دخول المواقع الإلكترونية التابعة لقناة "الميادين" بذريعة "إلحاق الضرر بأمن الدولة" (للمزيد هنا و هنا).

إن الموقف العدائي تجاه الصحفيين العرب ليس موجودًا في الميدان فحسب، بل أيضا في شبكات التواصل الاجتماعي. أثناء الحرب، شارك أحد صحفيي إحدى القنوات العالمية التي تبث باللغة العربية في إسرائيل مقطع فيديو قال فيه مراسل إسرائيلي إن إسرائيل هاجمت مستشفى الأهلي المعمداني، ثم نشر في منشور آخر نشر قصف المستشفى. وبعد أيام قليلة تم استدعاؤه لتحقيق الشرطة قائلًا: "لقد هددوني، وأخبروني أنه من الممكن أن يتم القبض على بسبب مشاركتي مثل هذه الأمور، وأنه بسبب ما قمت بنشره يمكن أن تحدث "حارس الأسوار 2" بالإشارة الى أحداث أيار 2021، فقد اعتقلوني بلا سبب فقط لإخافتي "يقول الصحفي الذي اعتقل.

بعيْد هذه الاحداث وغيرها، أبلغ العديد من الصحفيين عن قدرتهم المنقوصة على إظهار رواية الجانبين والانتهاك الصارخ لحرية الصحافة. جميع الصحفيين الذين ذكروا في هذا المقال لم يعرفوا عن أنفسهم بالاسم لأي قناة إعلامية يتبعون، قلقا من المعاملة التمييزية، والعقوبات من قبل مؤسسات إنفاذ القانون في إسرائيل. ويختتم أحدهم قائلاً: "أتمنى أن أشعر أن الشرطة وقوات الأمن تمنحني أرضية آمنة للعمل فيها. في مثل هذه الأيام يجب أن أفكر في كل خطوة بشكل مسبق، لا سيما بسبب اجواء الكراهية السائدة - ولأنهم مسلحون وأنا لست كذلك".


في الصورة: رجل أمن إسرائيلي يهدد مراسل قناة العربي أحمد دراوشة أثناء تغطيته الصحفية في أسدود خلال الحرب.

ندين أبو لبن

صحفية في جريدة هآرتس. حاملة لقب ثاني في تخطيط المدن

شاركونا رأيكن.م